المغرب الكبير

الجزائر: تخوف كبير من مقاطعة الانتخابات البرلمانية

لجأت السلطات الجزائرية إلى وصفة من عدة خطوات لتحفيز الناخبين على المشاركة في السباق البرلماني المقرر، في الرابع من ماي، القادم لمواجهة شبح العزوف الشعبي الذي وصل مستوى قياسياً في آخر اقتراع نيابي جرى العام 2012.

وتعيش الحملة الانتخابية لبرلمانيات الجزائر التي انطلقت، في التاسع من أبريل الجاري، أسبوعها الثاني، لكن وسائل الإعلام المحلية تنقل بشكل يومي وجود “عدم اهتمام شعبي” بهذا السباق، رغم حماسة الأحزاب ومرشحيها في خطاباتهم ومهرجاناتهم التي جابوا من خلالها كافة جهات البلاد للترويج لبرامجهم والحث على المشاركة.

وموازاة مع ذلك تتوالى التصريحات الرسمية، خاصة من قبل رئيس الوزراء عبد المالك سلال، ووزير الداخلية نور الدين بدوي بالدعوة إلى المشاركة الشعبية القوية في هذا الاقتراع، الذي وصفاه بـ”المصيري والهام” في بناء مؤسسات الدولة.

ونقلت وسائل إعلام محلية، أمس الثلاثاء، 18 أبريل 2017، عن عبد الوهاب دربال رئيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات تصريحات من محافظة سطيف (شرق) تأسّف فيها على “النسبة الضعيفة لاستغلال الفضاءات المخصصة للحملة الانتخابية من طرف الأحزاب والمرشحين”.

وقال إن استغلال الفضاءات كان خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية ضعيفاً، حيث تراوح في العديد من المحافظات بين 10 و20 و30% فقط لأسباب أجهلها”.

وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية تسجيل قرابة 12 ألف مرشح للسباق يمثلون 53 حزباً وعشرات القوائم المستقلة، يتنافسون على أصوات أكثر من 23 مليون ناخب مدعوون لصناديق التصويت، في الرابع من ماي القادم، لتجديد عضوية 462 نائباً في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) لولاية من خمس سنوات.

وكان أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي (ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم) أحمد أويحيى صرح في وقت سابق أن “العزوف الانتخابي يخوف الجميع، لأنه طعن في مصداقية الانتخابات”، وذلك في حوار مع فضائية “الشروق نيوز” الخاصة.

 

شبح انتخابات 2012

 

وتحسباً لهذا الموعد الانتخابي بادرت السلطات في البلاد إلى خمس خطوات على الأقل، لدفع المواطنين للمشاركة بكثافة وفق مراقبين، بعد أن سجلت نسبة عزوف قياسية في آخر انتخابات برلمانية جرت العام 2012، وتوقفت نسبة المشاركة في حدود 43%، بشكل جعل المعارضة تطعن حتى في شرعية المجلس المنتهية ولايته.

وأولى هذه الخطوات استجابة النظام الحاكم لمطلب المعارضة بإنشاء هيئة عليا مستقلة ودائمة لمراقبة الانتخابات، التي أقرها تعديل دستوري جرى في البلاد مطلع العام 2016، وتم تعيين عبد الوهاب دربال وهو وزير إسلامي سابق على رأسها.

واعتبرت المعارضة إنشاء هذه الهيئة “التفافاً” على مطلبها، كون وزارة الداخلية ما زالت لها صلاحية التنظيم التي كان يتوجب إسنادها للهيئة، وإخراج الحكومة نهائياً من العملية الانتخابية.

من جهة أخرى أطلقت السلطات قبل أسابيع من هذه الانتخابات حملة إعلامية ضخمة متواصلة إلى الآن، عبر التلفزيون والإذاعات الحكومية، إلى جانب لافتات كبيرة في الساحات والشوارع الرئيسية للمدن، تحت شعار “اسمع صوتك”، تحث الناخبين على الإقبال بكثافة على التصويت.

وكخطوة ثالثة اعتبر مراقبون ترخيص السلطات للأحزاب الإسلامية بتشكيل تحالفات ودخول الانتخابات بقوائم موحدة قراراً يصبُّ في اتجاه إفساح المجال لمشاركة أكبر شرائح المجتمع في الانتخابات، على اعتبار أن الإسلاميين لهم قدرة كبيرة على الحشد.

كما لجأت الحكومة إلى خطوة رابعة لضمان مشاركة أوسع في التصويت، حيث راسلت وزارة الإعلام قبل أيام مسؤولي وسائل الإعلام، تدعوهم إلى حجب خطاب المقاطعة وعدم الترويج له، لكن أصحاب خطاب المقاطعة وأغلبهم ناشطون مستقلون يخوضون معركة موازية على شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت.

وأعلنت أغلب الأحزاب الجزائرية المشاركة في الانتخابات، باستثناء حزب طلائع الحريات الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، أعلن مقاطعته لهذا الموعد، وتبعه في ذلك حزب جيل جديد (علماني) بدعوى “عدم وجود ضمانات لنزاهتها، وكذا وجود أزمة في البلاد تستدعي التوافق”.

 

حتى المساجد مدعوة للتحرك

 

وأمس الأول الأحد، دعا محمد عيسى وزير الشؤون الدينية الجزائري المؤذنين والأئمة وأسرة المساجد للعمل مع كل شرائح المجتمع، من أجل المشاركة الإيجابية في الانتخابات التشريعية القادمة، التي تمثل أهمية كبرى للجزائر”، وهي خامس خطوة رسمية لإبعاد شبح العزوف.

وحسب عيسى “هناك حملة مغرضة تطال هذه الانتخابات عبر الشبكات الاجتماعية، يقودها أشخاص مجهولون يحملون أسماء جزائرية ويهاجمون المسار الانتخابي ويروجون لمقاطعتها، ويشككون في نتائجها ونزاهتها” ومحاولة لإجهاض مسار الإصلاح السياسي في البلاد.

 

أسباب موضوعية وتاريخية للعزوف

ويرى نصير سمارة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة، أن “المتابع للأيام الأولى للحملة الانتخابية يشعر فعلاً أن هناك شبح عزوف شعبي عن الاقتراع، لعدم وجود حماس لدى المواطنين تجاه السباق”.

وأوضح: “هناك عدة أسباب موضوعية تبرر عدم الاهتمام الشعبي، أولها قانون الانتخابات المثبط، الذي يضع إجراءات معقدة لجمع التوكيلات من أجل الترشح، كما أن العرض الانتخابي سواء من الموالاة أو المعارضة يمتاز بالرتابة، فهذه الأحزاب ما زالت تردد أسطوانة الأمن والاستقرار، وسط غياب برامج وحلول لمشاكل التنمية”.

ووفق سمارة: “هناك أيضاً شعور عام لدى الناخبين بأن صوتهم ليس له وزن، وقد يزوَّر، رغم تطمينات السلطة، وهذا شعور قديم يعود لعام 1992 عندما خرج الناخبون بكثافة للانتخابات البرلمانية، لكنها ألغيت من قبل النظام الحاكم آنذاك (بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ فيها)”.

ويقدم هذا الخبير سبباً آخر يُبرر العزوف الشعبي، وهو بحسبه “أن البرلمان في الجزائر ليس له وزن كبير في البناء المؤسساتي واتخاذ القرار، فهو يصوت فقط على قوانين تضعها السلطات، وقد أثبتت التجارب السابقة للمواطن أنه لن يحقق له شيئاً مما يطمح إليه”.

وتابع: “البرلمان عندنا تحول إلى مكان للترقية الاجتماعية لنواب يحققون طموحات شخصية، أكثر من الدفاع عن آمال من انتخبوهم”، على حد تعبيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *