آراء

حراك الريف .. سيكولوجية الاحتجاج وأخلاقيات المطالب

” إن القواعد الأخلاقية ومتطلبات الفضيلة قد لا تشير دائما بجلاء إلى الطريق الذي يجب اتباعه. ومن تم فإن حساب النتائج بطريقة أكثر عمقا ربما لا يزال مطلوبا لتحديد ما يلزم القيام به في حالات فردية يكون فيها من غير المؤكد أي من قواعد الفضيلة ينطبق على الموقف، أو حين يكون هناك تصارع بين الفضائل والمبادئ، فعندما نواجه مثل هذه المعضلات الأخلاقية ربما نحتاج بالإضافة إلى البحث في النوعية الداخلية للعمل، إلى حساب النتائج لتحديد أي من الأعمال المتاحة أمامنا يمكن أن يؤدي بشكل أفضل إلى تدعيم الرفاهية وتقليل المعاناة” ـ ديفيد فيشر ـ

عجيب هذا الهرج المرج الذي أصاب حراك الريف وأخرج الذئاب من جحورها ووسع كل أدوات الكيل والاذعان لنظريات نسمع عنها لأول مرة في قاموس التحليل السياسي وعلم السياسة وسيكولوجية الاحتجاج.

والأعجب أن يتلذذ المؤولون والمتندرون بوقود تحت نيران تحطيم كل قياسات العقل وسقوف المنطق ودربة النظر السليم، فيقول قائل إن الحراك المبارك شحنة لاستعادة مكتسبات 20 فبراير!

وآخر يهلل بفوضوية الحراك ومذهبيته وجنوحه نحو التأثر بالفقه الشيعي!

وثالث لا يرى خطرا على توابث الأمة، حتى ما ينذر بتفكك الوحدة الوطنية من تغييب العلم الوطني واستحضار أعلام انفصالية أخرى!

وكثير من هؤلاء وهؤلاء لا يرون مانعا من تغول العصيان واستمرار الحراك مادام الهدف الأسمى إسقاط الاستبداد والفساد!

الحاجة للحراك تبقى رغم كل هذا وذاك مرهونة بسلطة تقديرية وتبعات سياسية وجيوسياسية غاية في الدقة. فمن يضمن تحولها لغير ما تطمح اليها الأهواء الاجتماعية والاقتصادية؟

هل تسلك وحدة الهدف الحراكي السلمي طريقا للخلاص من الفساد والاستبداد دونما حاجة للاندفاع نحو تقليص فوارق المواجهة وامتداد المطالب إلى ما بعد اللائحة الاجتماعية ودور الدولة في اتباث صدقيتها والتزاماتها؟

هناك من ينفخ من تحت الرماد، ومن يذكي النعرات، ومن يقطع الصلات بالمبدإ العام للحوار والوساطة، ومن يريد فرض واقع آخر غير السلمية ويسمي الأسماء بغير التسميات!

صحيح أن جزءا من الحراك الشعبي لديه وعي بفرضية اندماج الأفكار نحو التشبث بالسلمية والتواصل مع المحيط الوطني احزابا وجمعيات حقوقية ومثقفين وإعلام وشخصيات مستقلة نزيهة، لكن جزء آخر من الحراك يرفض التموقع في الخطوط الوسطى للاندماج إياه، وأكثرهم تحركه السيكولوجية الغاضبة وردود الفعل التاريخي وتعصبه للهوية الجغرافية واللهجية والعرفية!

هناك جوانب عديدة في ملف الحراك الريفي مسكوت عنها، وأصحاب القرار في الأجهزة العليا تضع حواجز دون ولوجها، وهو خطأ من وجهين تدفع الدولة كمؤسسات وكنظام ثمنا غاليا بإزائهما.

الأول أن ملف حراك الريف لا يزال حتى الآن منذورا للمقاربة الأمنية والاستخباراتية، وهو تفكير يخل بالنسقية المجتمعية والأمن الاجتماعي والسلم الاجتماعي، ويضع الأجهزة الأمنية في مواجهة مباشرة مع الحراكيين بالحسيمة وغيرها من مدن الريف الأخرى.

الثاني أن الدور المؤسساتي للحكومة ظل غائبا أو مغيبا، بسبب ضعف المبادرة من داخل السلطة الحكومية. وهذا يعني أن أجهزة أخرى هي من تضع يدها على الملف وتقرر فيه دون الرجوع لرئيس الحكومة!؟

وفي كل هذا التشابك واللخبطة وسوء التدبير يجد الوضع الأمني بالحسيمة التي تداخلت فيه عناصر شتى، منها ماهو ذاتي داخلي، ومنها ماهو موضوعاتي خارجي ،أرضية خصبة لتحويله من مجرد مطالب عادية إلى ما يشبه صب الزيت في النار.

هل نفكر إذن في إعادة التذكير بما قلناه سابقا، أن العقل الجمعي حينما يرسخ قيم تعطيل الحوار والتشاور إنما يلهب قضم التحول من وضع ناقم على الحياة إلى وضع مشتعل يجوز التحول فيه من مجرد كلام عابر إلى عملية انتحار جماعي؟

فمن يفهم؟َ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *