غير مصنف

ذكرى استرجاع سيدي إفني..مناسبة لاستحضار ملاحم المقاومة ضد الاستعمار

يشكل استرجاع سيدي إفني إلى حظيرة الوطن ، الذي يخلد الشعب المغربي وفي طليعته أسرة المقاومة وأعضاء جيش التحرير ، بعد غد الجمعة، ذكراه ال48، محطة بارزة في استكمال مسيرة التحرير ووحدة التراب الوطني.

وهكذا، وكسائر مناطق المغرب، قدمت منطقة آيت باعمران الأمثلة العديدة على الروح النضالية العالية والعريقة ومواجهة الوجود الاستعماري ومقاومة كل مخططاته التي ترمي إلى طمس هويتها.

وقد حطت قوات الاحتلال بكل ثقلها بالمنطقة منذ 1934 بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي كبوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري والعمليات الحربية ولطبيعة أرضها الصالحة لهبوط الطائرات وتضاريسها التي تجعل منها حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما.

وكانت قبائل آيت باعمران منذ بداية الأطماع الأجنبية والغزو الاستعماري، بالمرصاد لكل محاولات التوغل والتوسع الأجنبي وواجهت مخططات المحتل وأطماعه بحكم الموقع الاستراتيجي للمنطقة ولاسيما منذ التوغلات الأولى للتجار الأوروبيين الذين حاولوا التوغل إلى سوس الأقصى وخاصة منطقة واد نون، فكان الباعمرانيون بالمرصاد وتطورت المقاومة مع تزايد الضغوطات الأجنبية التي أدت إلى احتلال المغرب من طرف فرنسا وإسبانيا إثر فرض معاهدة الحماية سنة 1912 .

وكان لتحديات المستعمر وتطاولاته على مشاعر الباعمرانيين بمحاولة ضمهم للشعب الإسباني وإعلان “إسبانية المنطقة” الأثر الحاسم في تفجير طاقتهم لتحقيق الكرامة والنصر بالرغم من تواضع قدراتهم العسكرية قياسا بما كان لدى المحتل، فاستمرت المقاومة والجهاد عبر عدة محطات أهمها محاربة سياسة “التجنيس” التي حاولت السلطات الإسبانية فرضها على قبائل المنطقة لطمس هويتهم الدينية والوطنية. وقد انتفض الباعمرانيون واعتبروا هذه المحاولة ضربا لهويتهم المغربية وديانتهم الإسلامية، فاستمر الكفاح الذي ازداد مع نفي جلالة المغفور له محمد الخامس، مما كان له الأثر العميق على نفوس قبائل آيت باعمران، فأصبحت مدينة سيدي إفني ملجأ للمجاهدين وأعضاء الحركة الوطنية وخزانا للمعدات والوسائل الحربية ومصدرا مهما لتزويد جيش التحرير بالسلاح وذلك من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.

وبعد عودة جلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى، تم الإعلان عن استقلال المغرب ولم يتم معه الإعلان عن استقلال منطقة سيدي إفني، ورغم ذلك حاول أهالي أيت باعمران التحضير للاحتفال بعيد العرش وبعيد العودة المظفرة للمغفور له محمد الخامس، غير أن السلطات الاستعمارية الإسبانية واجهت ذلك بالقمع والتنكيل ونفي الباعمرانيين إلى جزر الخالدات، مما ولد الضغط واندلعت عدة معارك، منها معركة “الرغيوة” في 13 فبراير 1957 ، تلتها انتفاضة آيت باعمران يوم 23 نونبر 1957 فتأججت المقاومة بالمنطقة التي أصبحت نقطة انطلاق عمليات جيش التحرير وهجوماته.

وبذلك شكل تاريخ 23 نونبر 1957 إيذانا بضرورة استرجاع كل الأقاليم المغتصبة، فشن الباعمرانيون انتفاضتهم الكبرى ضد الإسبان وحققوا انتصارات وأجبروا القوات الاسبانية على التقهقر إلى مركز سيدي إفني الذي أصبح ثكنة عسكرية محاصرة لتستمر هذه المعارك الضارية إلى سنة 1958 ، حيث تم توقيع قرار لوقف إطلاق النار، فتحركت الآلة الدبلوماسية بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني لاسترجاع كل المناطق التي لم يتم تحريرها وإحباط كل المناورات، فكان من نتائج ذلك استرجاع طرفاية (1958) وسيدي إفني في 30 يونيو 1969.

ولم يكن تحرير مدينة سيدي إفني إلا منطلقا لتقوية جهود المغرب لاستكمال واسترجاع باقي أجزائه المحتلة، حيث تكللت هذه الأعمال المتواصلة بمعجزة اندهش لها العالم أجمع، تمثلت في إبداع جلالة المغفور له الحسن الثاني لمبادرة رائدة في ملاحم التحرير، عندما قرر جلالته تنظيم مسيرة شعبية سلمية استقطبت آلاف المتطوعين وساندها أشقاء من العالم العربي والإسلامي ومن مختلف الدول وساروا في طلائعها يوم 6 نونبر 1975 ، فكان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976.

وتبقى ذكرى استرجاع مدينة سيدي إفني معلمة وضاءة لاستحضار أرواح شهداء ملحمة الاستقلال والوحدة، والإشادة بالصفحات المشرقة لأبناء قبائل آيت باعمران البررة الذين يحق الافتخار بما قدموه للوطن من أعمال جليلة سيظل التاريخ يحفظها لهم، ومنبعا لبث الروح الوطنية الأصيلة وكسب حصانة قوية لمواجهة كل التحديات والدفاع عن مقدسات الوطن وثوابته.

كما تعتبر هذه الذكرى محطة مضيئة ووازنة في مسار كفاح الشعب المغربي، حيث استطاع أبناء قبائل آيت باعمران تحقيق النصر وصنع المعجزات على الرغم من محدودية إمكانياتهم، وتلقين المستعمر دروسا في التضحية والفداء والبذل والعطاء ونكران الذات من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية.

وبمناسبة الاحتفاء بهذه الذكرى التي يخلدها الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير، أعلنت النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بسيدي إفني، أنها ستنظم يوم 30 يونيو الجاري بسيدي إفني، مهرجانا خطابيا تلقى خلاله كلمات وشهادات تستحضر الدلالات العميقة لهذه الملحمة الوطنية الخالدة.

ويتضمن برنامج هذه الذكرى الوطنية المجيدة توشيح صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ، وكذا تكريم ثلة منهم وفاء وعرفانا بخدماتهم الجلى وتضحياتهم الجسام في سبيل نيل الحرية والاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية، فضلا عن توزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية وإسعافات على عدد من أفراد أسرة المقاومة وجيش التحرير وأرامل المتوفين منهم.

وسيتم أيضا القيام بزيارة لضريح سيدي محمد بن عبد الله بمقبرة الشهداء بمركز مير اللفت نواحي سيدي إفني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *