متابعات

خطاب الملك: لغة جديدة كاشفة.. شعبية وعاطفية

كل ما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب، مطبوع بطابع الجدة والتفرد.

فسواء على مستوى المضمون أو مستوى الشكل، هناك عناصر جوهرية تبرز أن الخطاب التواصلي لجلالة الملك قد انتقل في أدائه إلى مرحلة جديدة، حيث أصبح خطابا مباشرا وصريحا يستعمل لغة تفهمها عامة الشعب.
لغة منفتحة، لا تتردد في استحضار عناصر من الحياة الشخصية، ولا الإحالة على ذكريات تاريخية، ولا على مشاعر كانت في السابق تظل كامنة. إن اختيار هذا النوع من الخطاب التواصلي لم يكن بكل تأكيد اختيارا مجانيا.

فعلى المستوى الشخصي، فإن الإرادة حاليا في نهج أسلوب تواصل مختلف، والوصول عبر لغة بسيطة، لقلوب وعقول الناس، له علاقة بذكرى ميلاد العاهل الكريم الذي يحتفل بعيد ميلاده الخمسين. إنه سن النضج والحكمة، سن مراكمة التجارب الذي يتيح تقييما للأشياء والأفراد، مطبوع بأكبر قدر من المشاعر الإنسانية، بل أكثر من ذلك بحنو أبوي متدفق. فحينما يستحضر العاهل الكريم طفولته، وفترة دراسته، ومساره الجامعي، فإنه يعطي لحديثه الصريح عن مشاكل قطاع التربية الوطنية، والاخفاقات التي عرفها، شحنة قوية وغير مسبوقة في توصيف مثل هذا الفشل الذريع.

إن التجربة الشخصية، والمسؤولية الأبوية، والالتزام المواطن، تأتي هنا لتعزز عزيمة رئيس الدولة الذي يحث بوضوح، وبغيرة وطنية، الحكومة على تحمل مسؤوليتها بشكل كامل وخاصة في هذا الميدان. ومن جهة أخرى، فإن مستوى أسلوب التواصل الذي اختاره العاهل الكريم في هذا الخطاب الذي هو خطاب تاريخي بكل المقاييس، يعطي على المستوى السياسي شحنة قوية.

فلغة القرب المستخدمة، وسهولة إدراكها، والبلاغة التي طبعتها، تبرز بطريقة خاصة الاستياء الذي نحس به بشكل قوي، بخصوص العجز المسجل حتى اليوم في إصلاح نظامنا التعليمي بشكل ناجع، لاستعادة بريقه ونجاحاته.

لقد قدم الخطاب تشخيصا يكفي لوحده لإبراز قوة العبارات المستعملة ومدى هذا الفشل، عندما شبه بعض التخصصات الجامعية بكونها “مصنعا لتخريج العاطلين”.

لقد اختار الملك، بالتأكيد، خيار خطاب الصراحة في مجال يعاني فيه المغاربة أشد المعاناة، أي مجال يهم فلذات أكبادهم، وعرف فيه المجتمع المغربي كل المآسي المرتبطة بغياب فسحة تحقيق الأمل الشخصي، والآفاق المهنية، أو الأنشطة الاقتصادية الضامنة للكرامة.

فعلى وجه الدقة، كان النقد الموجه للتسيير الحكومي الحالي لقطاع التربية نقدا صريحا. ويتطلب الأمر الانخراط مجددا ضمن استمرارية الاستراتيجيات التي وضعت من قبل الحكومات السابقة، والتي كلفت على الخصوص مجهودات مالية هامة، والتوقف عن القيام كل خمس سنوات بعملية هدم لكل ما تم بناؤه في السابق.

إن الأمة في حاجة إلى تثمين كل تجاربها الحكومية في إطار الاستمرارية وليس بهدر طاقاتها ومواردها كل خمس سنوات بالبدء كل مرة من الصفر. ففي الديمقراطيات المتقدمة لا تعني عمليات التناوب السياسي أبدا التدمير الممنهج لما قام به المسؤولون السابقون.

إنها مسألة تهم انسجام عمل الدولة ورهان يخص استمراريتها. إن حكومة المغرب، لا يمكنها في إطار تسيير شؤون البلاد، أن تكتفي باستمرار، خارج الخيارات الحاسمة واللحظات القوية التي تقتضيها الديمقراطية، في ما يخص الحاجيات الأساسية للمواطنين والتحديات الكبرى للأمة، بالمزايدة السياسوية العبثية أو التناول الإيديولوجي المبالغ فيه بشكل مسترسل وغير ذي موضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *