آراء

بن كيران مرّ من السلطة وتعلم ما تيسّر من إتقان لربطة عنق ونظارات

خسارة حزب العدالة والتنمية بسيدي افني، واتهام المعارضة لإستمالة الناخبين باستعمال المال، ورد فعل الفائز أمام ساكنة افني حينما قال بالحرف الواحد “هنا يبدأ التغيير”، هذا المعزى السياسي حساس جدا، ولأن رئيس الحكومة لم ينزل بثقله كما هو معروف عنده في السابق في مناسبات إنتخابية كلما تعلق الأمر بمواجهة مرشحي حزب الباكوري أو شباط في مراكش وإنزكان، لكن شتان بين الأمس واليوم، ولأن غضب رئيس الحكومة لم يصل بعد إلى”نرفزته” ودرجة “لغوه المعهود في الكلام، ومازالت هناك حسابات تلجمه، بعدما كان رئيس الحكومة لايتردد في نعث خصومه بألفاظ من قاموس كليلة ودمنة، لينظاف الى المشهد السياسي المغربي يتخد قانون الغابة مرجعا حيث يستعين بمردافات تشبيها لخصومه بالحيوانات كالتماسيح والعفاريت… وهلم جر.

وعندما اختتم زعيم الحزب الحاكم قافلة المصباح مؤخرا بمدينة الجديدة، المعروفة برمزيتها بالنسبة للحزب – الذي شرعنه الخطيب بمعية ادريس البصري وزير الداخلية السابق – تفادى تذكير مريديه بهذا القاموس، لكن بالمقابل أعطى إشارات كلها تدل على أن القادم لن يكون في صالح حزب العدالة والتنمية مثل كل الأحزاب التي مرت من السلطة وتعلمت ما تيسر، ولو بكيفية وضع “cravate” رقبة عنق، كما هو حال زعيم الإسلاميين عبدالإله بن كيران.

ماذا تعني هذه المدة في الحكم بالنسبة لهؤلاء الإصلاحيون، طبعا زعيم البيجدي يخرج من صمته ويتكلم بكل صراحة، ويضرب في العمق كل كلام عن برنامج سياسي للحزب، ولما لا وقد سبق أن أشار مرافقه “العلبة السوداء” كما يسمى بها، عبد الله بها وزير بدون حقيبة، حينما قال هو الأخر نحن نشتغل بدون مرجعية، ومرجعيتنا هي الملك، وهو أيضا كلام واضح يوظفه لأول مرة السيد رئس الحكومة بشكل سلس عندما قال لأتباعه بالجديدة “أنا جئت إلى رئاسة الحكومة لأساعد فقط في أوقات صعبة…”.

كاذب من يقول أن المغاربة صوتوا لحزب العدالة والتنمية من أجل أن يحقق نسبة 7 في المائة، وأن يرفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم. هذا بهتان، يقول بن كيران أن الشعب المغربي صوت لحماية الإستقرار في أوقات الشدة، ومن أجل حماية البيت من الأخطار والدولة من الهزات .. لقد اشتغلنا بنية الله منذ سنتين”.

كلام بن كيران واضح، وهو يلمح إلى نهاية حكومته، وأسدل الستار على خدمته وهو يدافع عن الإستقرار كأنه يقول أنه هو منقد البلاد من المخاطر، والحقيقة أنه يتجاهل كيف تدبر اللّعبة، وأن المغرب في مأمن غصبا عن كل المخاطر نظرا لكونه، موقع استرتيجي يطل على أوربا والمحيط الأطلنتي ويصعب تصديق كلام السيد عبد الاله بن كيران إلا في حالة واحدة هو القضاء على الإسلام السياسي في شمال إفريقيا وترويض متشدديه.

فدخول السيد بن كيران إلى الحكم الشكلي، أعد له سلفا ليس بمنطق الدولة فقط، ولكن أيضا بمنطق حسابات القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا لايحق لبن كيران أن يغضب ولا أن يكون يائسا ولا مجروحا … ببساطة فهو واضح ومنسجم مع ذاته عندما إعترف انه مساعد أدى خدمة جليلية للشعب المغربي يشكرعليها ولم يكن قد وعده بشئ، لكن ماذا عن و”يل للمصلين…”، وعن محاسبة الشعب؟ وهو يعلم أن تفقيره وتمرير القوانين وو… خدمة جليلة أخرى قدمها السيد بن كيران لخنق الشعب.

ألم تكن كل المساعدات التي قدمها بن كيران تخص فئات ذوي المصالح الذي قال عنهم رئيس الحكومة مالم يقله مالك في الخمر وفي الأخير ختم بكلامه المشهور “عفا الله عماسلف”؟ ماذا إذن عن هذا المغزى السياسي الذي أضافه السيد بن كيران إلى القاموس الجديد لمرحلة حكمه بإضافة مصطلح جديد وهو المساعدة أو بالأحرى الخدمة “service” فقط في الأوقات الصعبة؟

وفي هذه الحالة فإن الذي يقدم خدمة غالبا مايؤدي عنها، فهل استنفذت كل رغبات بن كيران زعيم الإسلاميين وأتباعه…، أم أن هذا تحليلا خاطئا؟ لكن الصحيح هو أن الحزب الدي ولد مع السيد رئيس الحكومة وفي الظروف التي يعرفوها أتباعه غير صالح اليوم وهو ما يجعلنا اليوم نضعه في عداد الأطلال وحبذا لو تغيير إسمه من حزب العدالة والتنمية الى إسم تنظيم “الإغاثة”، لما لا والسيد رئيس الحكومة واضح في موقفه عندما قال أنا جئت لأساعد وليس لأحكم.

ربما يكون كلام رجل الأعمال الفائز بسيدي افني باسم الإصالة والمعاصرة عندما قال “من سيدي افني يبدأ التغيير” مجيب للصواب، ويعطي إنطباعا بل رسالة واضحة مفادها أن مهمة بن كيران إنتهت مادام أن وجوده مرتبط بوجود شروط “الإغاثة” أي الظروف الصعبة كما ذكر فهو لم يكن كذابا كما لن يكون منافقا لأنه ليس بمقدوره المطالبة “بالمنهجية الديمقراطية”، أو الحاح أتباعه على الإستمرار في الحكم، فهو زائل لامحالة وأن شروط تواجده في الحكم لم تعد قائمة، كما أن الظروف الصعبة مرت بسلام وما عليه الإ أن يُمنح له حزام السّلامة تقديرا لخدمته ويترك قلة من أتباعه سالمين غانمين، وهي سنة مؤكدة تنطبق على كلّ الأحزاب السياسية االثقليدية.

فالخروج الإعلامي لرئيس الحكومة وبمدينة الجديدة معقل الحزب الحاكم ماهي الإ رسالة منه إعلانا بوفاة حكومته، لما لا وقد تحدث إلى شباب تنظيمه بلغة الشيب، كما أن رسالة أخرى تحتاج الى تحليل من مريده عندما حضر بالطائرة إلى جنازة الراحل الطالب الحسناوي في مقبرة على حدود الصحراء الشرقية، وهل هذا الحضور الجنائزي صدفة أم ان ارتباك السيد بن كيران مرتبط فقط بمخاوفه ومن رسالة  “البام”المقتضبة من سيدي إفني؟ غير أن هناك ماهو أعمق من ذلك وهي أن نهاية الحزب الإسلامي حتمية، فليس هناك أدنى إحتمال لترميم حكومته في حالة تصدع، طالما أن مشروع الإخوان بمصر إنتهى بالحكم على مرشدهم بالإعدام وبمعية 680 إسلاميا اآرين وهو مايعطي إنطباعا أن اللعبة إنتهت، وأن فكر الموالين “لأم الدنيا”، لم يعد يصلح لرجالها بالمغرب، وينطبق على مثل هؤلاء المغاربة المقلدون حكمة كتاب: “العقد الفريد” لابن عبد ربه الجزائري “بضاعتنا ردت الينا ” فلم تعد تصلح، وإنتهت مدة صلاحيتها.

وبلاشك فقد إنتهت مهمة رئيس الحكومة دون أن تهمه خسارة الحزب ولا أتباعه، وستكون مهمة أخرى لحزب الجرار الذي سيحرث الجبال والسهول ووو… آنذاك ربما ستكون الصعوبات أشد على اتباع بن كيران وهو الذي سيحتاج هذه المرة إلى المطالبة بالمغفرة على شاكلة “صكوك الغفران “من أولئك الذي سماهم بـ “أذناب السلطة” وبالمفسدين وسوّق أتباعه صورهم عبر الفضائيات.

وأعتقد أنه في هذه الحالة سيطالب الشعب المقهور مرة أخرى بالمساعدة، ولاأظن أن هناك من سيصدّقه عن برنامج لتنظيمه بعدما خدع المغاربة حينما قال: “بهتانا” /أيها الشعب أنا جئت إلى رئاسة الحكومة لأساعد فقط في مهمة أوقات صعبة. كاذب من يقول أن المغاربة صوتوا لبرنامج حزب العدالة والتنمية انهم صوتوا لحزب”الإغاثة”، فهل صوّت الشعب لكي يمرّ بن كيران من السلطة، ويتعلم ما تيسّر من إتقان لربطة عنق ونظارات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *