آراء

علامات استفهام في الذكرى 4 لـ “20 فبراير”

تحل الذكرى الرابعة للموعد الذي ضربه الشباب المغربي لإعلان القطيعة مع الاستبداد والفساد وسط كم هائل من علامات استفهام تؤثث المشهد.

مرت أربع سنوات كاملة دون نيل الأهداف التي من أجلها سقط شهداء وأصيب خلالها الآلاف واعتقل المئات مازال بعضهم في السجن إلى اليوم بتهمة ”20 فبراير”.

ونحن نتكبد خسائر الماضي، ونعيش الحلم الجميل، ونستشعر الخطر القادم، وننظر بعين النقد إلى تجربة صنعها الشباب المغربي، لابد أن نسقط ماركة ”القداسة” على حركة ”العشرين” ونمضي إلى تشريحها حتى نستشرف المستقبل.

في البداية لابد أن نتفق أن ”20 فبراير” صنعت بالمغرب ما عجز على صنعه المثقف السبعيني، والمناضل الحزبي والمدني، وساسة اليسار واليمين، وأكبر التنظيمات المعارضة بالمغرب، وأربكت حسابات خبراء الاقتصاد والسياسة، وبعثرت أوراق أحزاب كثيرة صنعت من رحم القصر، وخلقت توازنات جديدة لم يكن أحد قادرا على التنبؤ بها، وكانت بالفعل لحظة فارقة، بل أضحت رقما رئيسيا لا يمكن لأي مستقرئ لتاريخ المغرب أن يقفز عليه…إلخ

غير أن كل تلك الإنجازات العظيمة لا يجب أن تثنينا عن التفكير فيما يجري، لأننا لسنا بصدد تأبين أو نعي فقيد، بل بصدد تحديد مكان الخلل داخل دائرة صراع مستمر.

ودون أن نسرد الأسباب الموضوعية الكثيرة التي كان لها وقع كبير، ودون الإغراق في التنظير. لابد أن نتفق أن 20 فبراير فقدت بريقها خلال السنة الماضية ومضت في تكرار أخطائها دون ملل، غارقة في ردود الفعل، فاقدة القنديل الذي من المفترض أن ينير الطريق المظلم والمليء بالأشواك القاتلة، قنديل النقد، والمحاسبة، وعجزت عن إبداع آليات جديدة تؤمن لها السير بخطى ثابتة نحو هدفها المنشود، بل تجاوزتها حركات اجتماعية خرجت من رحمها، ونذكر على سبيل المثال حركة ”الأساتذة” المطالبين بالترقية بالشهادة التي أبدعت بشوارع الرباط.

إن قوة التأثير السياسي تبدأ من تحديد الهدف وضوح الرؤية وخاصة من حجم التأييد الذي يحظى به الفاعل السياسي سواء كان شخصا، تنظيما أو حركة، فما مدى قوة وامتداد التأييد الجماهيري الذي مازلت الحركة تحض به اليوم؟

ألم تصبح ”20 فبراير” غارقة في وحدتها القاتلة، بعد أن نجح المخزن في تحييد النقابات العمالية، والمعطلين، وتخلت الكثير من التنظيمات السياسية والمدنية عنها، وهي التي تستعد اليوم لدخول غمار الانتخابات المحلية رغم معرفتها بأن جزءً كبيرا من المواطنين سيقاطعون اللعبة حتما؟ ألم يحن الوقت في التفكير بالعودة إلى هذا المواطن بدل إلقاء اللوم عليه.

لقد ضلت 20 فبراير ومكوناتها وحيدة تقريبا بدون دعم في مواجهة آلة تحطيم ضخمة متحكم فيها من طرف النظام السياسي. مستمرة في الانقسام وتكرار الأخطاء دون بناء تصور دقيق للمرحلة، رغم أن التفاعلات الجديدة في الحقل السياسي تفرض إعادة ترتيب الأوراق وإعادة النظر في كل ما يجري.

ألم يحن الوقت للتخلص من الإنجازات والتفكير في المستقبل بعمق، وكذا بلورة دفتر تحملات يتحمل فيه كل الفرقاء مسؤولياتهم، ويضع بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت في الحقل السياسي المغربي والعالمي؟

وإذا كانت 20 فبراير، مستمرة اليوم كحركة احتجاجية في الشارع العام في بضعة مدن ومداشر، وتنظر إلى نفسها على أنها مازلت لها أدوار يجب أن تلعبها اليوم وفي المستقبل باعتبارها مختبرا نجح في توحيد صفوف قوى كثيرة من قبل، فعليها أن ترقى إلى مستوى التحليل الاستراتيجي، وأن تساؤل نفسها وأخطائها وتعزز مكانتها في صفوف المواطن البسيط و التفكير في إعادة توحيد القوى التي تفرقت بالأمس القريب، وإلا فسيمضى عامٌ أخر نحو مزيد من الضعف. ونقول ذلك أيضا لأن أمام شباب التغيير بالمغرب مستقبل طويل مليء بالمغامرة ومتيقن أنه سيقدم فيه الكثير من المفاجآت.

فإذا كانت الحركات السياسية في اليونان وإسبانيا تصنع المعجزات في الظروف الحالية، فذلك ليس من قبيل الصدفة، بل جاء نتيجة استقرائها الدقيق للوضع الإقليمي والمحلي المتغير، دون الإغراق في عبادة الإنجازات. وهذا ما يجب أن يلهم الفاعلين في 20 فبراير اليوم لاستشراف المستقبل.

فقد سعت هذه الحركات إلى تجديد خطابها وخططها وقدمت الإجابة المناسبة دون أن تستثني نفسها من النقد والتطوير، عبر الاستقراء الذكي للواقع والارتكاز على بلورة تصور مغاير بخطاب بسيط وممارسة منظمة تستطيع حشد التأييد الجماهيري والمضي قدما نحو تحقيق الحلم.

غير أنه من حولنا أيضا بالجهة المقابلة من الكرة الأرضية وقعت أشياء كثيرة، أثرت في تفكير المواطن المغربي، إذ أصبح الحلم مجرد خراب في سوريا، وصنع الربيع وحشا يسمى ”داعش” يحرق الأرض ومن عليها معلنا دينا جديدا يستبيح دماء الآلاف من الأبرياء وسط خريطة جديدة للشرق الأوسط. ألا يعتبر ذلك واقعا على 20 فبراير أن تستحضره اليوم؟

وفي أيضا مصر فقد أضحى الربيع خريفا، بعد أن عادت دولة العسكر إلى التحكم في مصير البلاد. وتونس كنقطة ضوء وحيدة، أصبح فيها شباب ”الشعب يريد” مكتفيا بمشاهدة فيلم طويل لعودة الدولة الأعمق منتظرا ما ستؤول إليه الأمور، وليبيا فإنها قد تحترق بالكامل في الأيام القليلة المقبلة إذا لم تصنع معجزة.

أما هنا في المغرب فـ 20 فبراير مستمرة دون بوصلة في وضع يتسم بعودة ”التحكم” و”هبة الدولة” و”قمع الحريات والصحافة” والاعتقالات السياسية ومنع الحقوقيين والأنشطة… وإذا كان لا بد من النضال أن يستمر في مثل هذه الظروف، فعلى 20 فبراير أن تكون قادرة على قراءة الواقع الجديد الذي يتغير من حولها كل لحظة والإجابة عليه بدقة ولو أخد منها ذلك وقتا طويلا من التفكير، وإلا فإنها تمضي إلى طريق النهاية في غفلة منها، وتلك هي الحقيقة التي يعجز القلم عن كتابتها.

وفي النهاية أكتب مخاطبا شباب الحراك بنفس ما قاله بابلو اغليسياس زعيم ”بوديموس” الاسبانية التي نشأت من رحم حركة 15 مايو؛ ”هكذا يريدنا الخصوم صغيرو الحجم، نتحدث بلغة غير مفهومة، أقلية تختبئ خلف رموزها التقليدية.. يمكننا أن نقدّم خطاباً راديكاليا، ونقول أننا سننظم اضرابات، نُلمّع رموزنا، ونحمل صور الثوريين العظام في مظاهراتنا، سيكون خصومنا مسرورين! سيضحكون علينا. لكن عندما نجمع مئات، أو آلاف، الأشخاص، وعندما نبدأ بإقناع أغلبية الناس، حتى أولئك الذين صوّتوا للخصم، عندها فقط سيشعرون بالفزع. هذا هو ما يُسمى “سياسة”، وهذا ما يجدر بنا تعلّمه.

kinokiste

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *