آراء

المغرب فوبيا

مقال رأي

طلعت علينا هده الأيام بعض الأخبار عن ما يسمى بوزير خارجية البوليساريو يقول فيها إن هذه الأخيرة ستعود إلى شن الحرب مجددا ضد المملكة المغربية إن لم يكن هناك تقدم ملموس في قضية الصحراء، وهذا عبر تحديد تاريخ إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، مضيفا أن المغرب يعرقل مسار التسوية الأممية ويرفض الامتثال للاتفاقيات المعمول بها تحت رعاية الأمم المتحدة.

هذه التصريحات تأتي مباشرة بعد النجاحات والمكتسبات التي حققتها مؤخرا الدبلوماسية المغربية الرسمية والشعبية على درب تنوير الرأي العام الدولي بحقيقة قضية الصحراء، وبعد أن أفلحت مختلف الأوساط المغربية في تسليط الأضواء في مختلف المنتديات الدولية و الجهوية على المناورات الفاشلة لحكام قصر المرادية، حيث أن هذا التقدم المغربي في ملف قضية الصحراء جعل جنرالات الجزائر و أذنابهم أعضاء عصابة الرابوني يصابون بالسعار فأصبحوا يلوحون تارة بحمل السلاح وتارة باتهام جيرانهم باعتداءات ومناورات تسكن فقط داخل خيالهم المريض.

ويضيف الوزير المزعوم أن “البوليساريو” قضت سنوات وهي تطالب شعبها بالتحمل والصبر نتيجة الجمود الذي يعرفه ملف الصحراء في أروقة الأمم المتحدة، وان البوليساريو تعمل دائما على ضمان السلم والسلام للشعب الصحراوي إلى حين تنظيم استفتاء لتقرير مصيره، إلا أن التاريخ يسجل أن هذه الخرجات الإعلامية الأخيرة لمسؤولي الجمهورية المزعومة، عرفت ذروتها مؤخرا نتيجة التطورات الحاسمة التي عرفها هذا الملف وخاصة بعد توالي فضائح السلطات الجزائرية ومعها القيادة المتنفذة للبوليساريو فيما بات يعرف بفضيحة بيع المساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة مخيمات تندوف وهي الفضائح التي وقفت عليها أكثر من منظمة دولية وحكومية ومدنية كان آخرها البرلمان الأوروبي الذي ناقش و اتخذ قرار تقدم به عدد من البرلمانيين الأوربيين إلى رئاسة البرلمان الأوروبي بهدف وقف تقديم المساعدات الإنسانية الموجهة لمخيمات تندوف، حيث طالب النواب البرلمانيون الذين ينتمون إلى عدد من دول الاتحاد الأوربي، من خلال هذا المشروع، المفوضية الأوروبية بالوقف الفوري لمنح هذه المساعدات لمخيمات تندوف، خصوصا بعد اكتشاف عمليات بيع هذه المساعدات التي تعرض في المحلات التجارية بالجزائر وموريتانيا ومالي.

وفي الوقت الذي يضيف الوزير المزعوم أن المغرب رفض تطبيق الاتفاقيات الدولية تماشيا مع قرار وقف إطلاق النار، ووجه انتقادات لما سماه بتقاعس الأمم المتحدة فيما يخص استفتاء ساكنة المخيمات، نجد أن المفوضية الأوروبية أوصت بتوقيف المساعدات الممنوحة لساكنة المخيمات طالما أن إحصاء هذه الساكنة لم يتم إجراؤه من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كما طالب برلمانيو دول الاتحاد الأوروبي بإحصاء اللاجئين الذين مازالت الجزائر ترفض لحد الآن السماح بإحصائهم، مفندا بذلك اتهامات عصابة الرابوني بكون فرنسا تساهم في تأخر الحل لملف الصحراء.

وفي الوقت الذي يدعو فيه ما يسمى بالوزير المنتدب المكلف بالاتحاد الأوروبي لدى البوليساريو في رسالته إلى الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن موقف المراقب السلبي تجاه الممارسة المثيرة للقلق من طرف المملكة المغربية التي تعرض كل جهود الأمم المتحدة تجاه ملف الصحراء للخطر، أكدت مجموعة من البرلمانيين الأوربيين أن إحصاء سكان مخيمات تندوف ضرورة إنسانية ملحة بالنظر إلى معاناة المحتجزين في هذه المخيمات، الذين يعيشون في غياب تام لأبسط شروط الكرامة الإنسانية، ومن تم فإن عملية الإحصاء تنطوي على أبعاد أساسية أكثر عمقا، من بينها البعد الإنساني الذي يتجلى في كون ضبط عدد اللاجئين يعتبر آلية لتمكين المفوضية العليا للاجئين من تقديم المساعدة الإنسانية للمقيمين في المخيمات بما يكفل تلبية الحاجيات الحقيقية للمستفيدين.

وأمام انعدام تعداد رسمي لسكان المخيمات سبق لكل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي سنة 2005 أن قدر عدد هؤلاء السكان في 90 ألف شخص، وهي تقديرات مبالغ فيها مقارنة مع مختلف التصريحات الصادرة عن العائدين من تندوف إلى أرض الوطن، والتي تجمع على أن هذا العدد هو في حدود 40 ألف شخص، بينما تدفع كل من البوليساريو والجزائر بأن هذا العدد يتجاوز 164 ألف شخص بهدف تضخيم العدد من أجل تحويل المساعدات وبيعها.

إن البعد السياسي لعملية الإحصاء يتمثل في كونها ستسمح بتحديد الأشخاص ذوي الأصول الصحراوية والأشخاص المنتمين لبلدان أخرى ويقيمون في المخيمات، وهو ما يساعد المفوضية الأممية على القيام بدورها المؤسساتي، المتمثل في فتح حوار فردي مع الأشخاص ذوي الأصول الصحراوية حول مدى رغبتهم في البقاء بالمخيمات أو الالتحاق بالوطن الأم المغرب، أو الاستقرار في دولة أخرى خارج تندوف ومن شأن هذه العملية أن تفتح المجال لخيارات سياسية جديدة لحل النزاع في احترام تام لإرادة المحتجزين الذين نفذ صبرهم لعناق أبناء جلدتهم بالمغرب.

أما البعد الثالث فهو ذو طابع قانوني ويرتبط بما تتيحه عملية الإحصاء من إمكانيات لتحديد العدد الحقيقي للسكان الذين تتم المطالبة باسمهم بتقرير المصير، ومن تم فهذه العملية تشكل مدخلا قانونيا ضروريا لضمان ممارسة حق تقرير المصير لكونها تمكن من معرفة الحجم الحقيقي للمطالبين بهذا الحق.

ومن شأن هذه العملية أن تساهم في الالتزام بممارسة هذا الحق من خلال التعبير الحر عن إرادة كل شخص في إطار عملية الاستجواب الفردي من طرف المفوضية الأممية، كما تسمح هذه العملية بتوفير حماية دولية فعلية للمحتجزين، وبالتالي إلزام الجزائر باعتبار أن المخيمات توجد داخل ترابها بتحمل المسؤولية الدولية عن حماية هؤلاء اللاجئين وذلك طبقا لمعاهدة 1951 حول اللاجئين.

وتتجلى خلفيات الرفض الجزائري لإجراء هذه العملية الإبقاء على حالة الغموض فيما يخص أعداد المقيمين بمخيمات تندوف، في كونها لا ترغب في حصر هذه الأعداد حتى لا يتم الكشف عن تناقضات أطروحتها الخادعة القاضية بالدفاع عن حق تقرير المصير، فالجزائر تعلم أن العدد الحقيقي للمقيمين فوق ترابها في مخيمات تندوف هو في حدود 40 ألف، أكثر من ثلثهم جزائريون أو ينتمون إلى دول مجاورة كمالي، إذ أن الاقتصار على هذا العدد للدفاع عن أطروحتها سيشكل لها حرجا كبيرا، لذلك فإنها طالما رفضت إحصاء هؤلاء.

كما لم تتردد في تضخيم عدد سكان المخيمات، ومنذ مدة طويلة وهي تروج لما قدره 164 ألف شخص حتى تعطي لدعايتها السياسية حول اللاجئين فوق ترابها تعاطفا دوليا، هذا دون إغفال أن تضخيم عدد سكان مخيمات تندوف له عوائد انتفاعية مادية بالدرجة الأولى، فتقديم أعداد مبالغ فيها إلى المنظمات الإنسانية يدفعها إلى مراعاة ذلك في عمليات توريد المساعدات الإنسانية.

هذه المساعدات التي تعرف تلاعبات كبيرة وفق عدد من التقارير المتخصصة، فقد كشفت تقارير الاتحاد الأوروبي أن الهلال الأحمر الجزائري يعتبر المستفيد الرئيسي من تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة لسكان مخيمات تندوف، كما تفضح هذه التقارير عمليات الاتجار في هذه المساعدات في دول مجاورة لفائدة قيادة البوليساريو وعدة جهات جزائرية.

لذلك فإن الضغوطات الدولية على الجزائر للسماح بإحصاء صحراويي المخيمات سيشكل ضربة قاضية لمسلسل التعنت الجزائري، وسيفضح فراغ الدعاية الجزائرية، وسيسقط ورقة التوت عن عورة سكان قصر المرادية وقيادة البوليساريو، كما سيفتح أعين العالم على حقيقة الصراع بالمنطقة.

أمام التفاعل الايجابي للاتحاد الأوروبي ودعمه لحل سياسي متفاوض بشأنه على قضية الصحراء خاصة ما جاء على لسان الممثلة السامية للشؤون الخارجية وسياسة الأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن هذا الاتحاد يدعم جهود الأمم المتحدة من اجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين لهده القضية التي عمرت طويلا مشيدة بالجهود المبداة من طرف الأمم المتحدة في ما يخص ملف قضية الصحراء.

وعلى ضوء هده التصريحات أصبحت الجزائر وربيبتها البوليساريو تعيش ارتباكا واضحا في حين أن عدد من المتتبعين بدؤوا من الآن يترقبون ردود الفعل الانفعالية الدائمة تبعا للاسطوانة المشروخة التي يرددونها علينا منذ أكثر من عقود بالتلويح بحمل السلاح تارة وذلك لإخماد النار الداخلية التي تلتهب موشكة الإتيان على الأخضر واليابس داخل المخيمات و تارة باتهام الجار المغربي كونه وراء كل مشاكل الجزائر السياسية و الاقتصادية وحتى انخفاض أثمنة المحروقات و إنحجاب تهاطل الأمطار، المهم هو الهاء وتحويل أنظار الشعب الجزائري المسكين عن ما يقع داخل بلده من نهب و سرقة و تهريب للأموال إلى الخارج.

إن محاربة أصدقاءنا حكام قصر المرادية للأوهام و الهلوسة تذكرنا بمحاربة “دون كيشوت دي لامانشا” للطواحين في عالمه الافتراضي ودعاءنا لهم بالشفاء من مرض عضال اسمه “المغرب فوبيا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *