آراء | جهويات | هام

غياب جامعة في العيون عائق أمام التّعليم العالي للفتيات

ما هي المعايير التي تنشئ على إثرها جامعة علمية بمدينة ما ؟

إن كان التعداد السكاني أو المساحة؟ فمدينة العيون تزيد نسبة ساكنتها عن 284 ألف نسمة وهي أول نقطة جنوبا بالمملكة المغربية التي تمتد أقاليمها الصحراوية على مساحة تزيد عن الخمسين بالمئة، وتخلو جميعها من جامعة شاملة تكـفل لشباب الصحراء تحصيلا علميا بمراتب عالية، و معاهد بتخصصات مختلفة تضمن مهنيين من أبنائها يعمرونها ويشرفون على تسيير قطاعاتها بدل الرحالين من مدن الشمال والوسط، الذين يعتبرون الجنوب معبرا فقط !.

إن التأثر بخلو مدينة العيون من جامعات، ينعكس بالأساس على الفتاة الصحراوية التي وقعت من جهة ضحية بيروقراطية لا ترى ضرورة من خلق جامعة بالعيون، وبين مجتمع محافظ يرى في هجرة الفتاة لطلب العلم، هجرة لن يحكمها سوى الفشل و الضياع، وفي أفضل الأحوال قد ترغب الأسرة في إرسالها لاستكمال الدراسة إلا أن العوز وضيق ذات اليد يقف بالمرصاد، دون أن ننكر طبعا إقبال نسبة كبيرة من الفتيات على استكمال المشوار العلمي بأقرب النقط الجغرافية كمدينتي أكادير ومراكش وغيرهما من المدن بنسب أقل.

“خديجة” فتاة عشرينية تدرس بالمعهد المتخصص للتسيير والإعلاميات و هو الوحيد المتواجد بمدينة العيون، والذي لا يقدم سوى آفاق مهنية محدودة لا ترقى للكثير من الطموحات العلمية والطبية والثقافية، تحكي بهدوء يخفي مرارة بصوتها، كيف أن تخصصها بشعبة التجارة لم يكن من صميم اختيارها، بل هو اضطرار وذاك لعدم سماح الأهل لها بالسفر لمواصلة الدراسة الجامعية بإحدى المدن، وذلك بدواعي بُعـد المسافة و عدم اطمئنانهم  لضمان سلامتها، الأمر الذي أمال الكفة لحسم أمر عدم سفرها، وإن كان الحلم الضائع بحجم استكمال مشوار علم ! تضيف بعد صمت: “حبذا لو توفرت مدينتي على جامعة، كان الأمر سيكون أهون كثيرا، فلا أنا أحرم من مشواري العلمي، ولا أهلي يتحملون وزر منعي !”

زميلة “خديجة”، “حياة الموساوي” بدت أكثر جرأة، ربما ارتباطا باختيارها الذي وُئد قبل الولادة، مشروع صحفية تدرس التجارة ! تحدثت لنا “حياة” عن حق حلمها في الحياة، مصاريف الدراسة والتنقل حرمها الحلم ” لو كان معهد الصحافة متوفرا بمدينة العيون ما ترددت ثانية واحدة في ولوجه”، عبارتها حسمت وختمت بها تصريحا قصيرا، عينا صاحبته تحمل من التصميم قدر ما تحمل من الألم.

وفي حالة مختلفة وإن لم يكن مصيرها مشابها، الشابة “منايَ” البالغة من العمر 22 سنة، مجازة انقضى صبرها و تحملها لـبُعـد المسافة التي تقطعها بين مدينتي مراكش و العيون و كثرة مصاريف السكن والتنقل، اضطرها للتوجه للمعهد المتخصص للإعلاميات والتسيير، أغراها منبرنا لتمرر رسالة تشغل ذهنها، وهي الرغبة في مواصلة الدراسات العليا .. تقول “منايَ”: ” ألتمس من المسؤولين الذين سيطلعون على هذا المقال، أن يبتدعوا لنا حلا، أنشئوا جامعة هنا، أو اجعلوها جامعة تابعة للقطاع الخاص، أو أي حل، لي رغبة أكيدة في مواصلة الدراسة، إلا أن قطع مسافة تزيد على 800 كيلومتر أصبحت كابوسا مزعجا بالنسبة لي.”

و للوقوف على تحليل مناسب لهذا الوضع، حدثنا الأستاذ “محمد الحبيب” مشرف تربوي و مدرب في التنمية البشرية وتطوير الذات عن أسباب موضوعية مرتبطة أساسا بغياب المؤسسات الجامعية بمختلف مسالكها بمدينة العيون و كذا بُعد المسافة عن أقرب مؤسسة جامعية الذي يجعل من عامل المسافة عاملا حادا من فرص الفتيات في التكوين و في العمل فيما بعد.

أما العوامل الذاتية فقد قسمها أستاذ “الحبيب” إلى مستويين: مستوى يخص الفتيات أنفسهن اللواتي يعاني عدد منهن، من خوف من مواجهة المجهول البعيد، و كذا إحساس داخلي بعدم القدرة على الاندماج، و إحساس بالعجز عن تحمل المسؤولية. أما المستوى الثاني فهو مستوى خاص بالآباء و الأولياء الذين لهم تمثل خاطئ عن بعد بناتهم عنهن و عن مصيرهن بالمدينة الجامعية.

و أضاف الخبير في التدريب والتنمية أن حل هذه المشاكل يتجلى في التكثيف من الحملات التحسيسية للآباء و كذا تدريب أسري للفتيات على تحمل المسؤولية، فتوفير كل المؤسسات الجامعية أمر مستبعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *