المغرب الكبير | هام

Foreign Policy: الجزائر من أكثر 10 دول فسادا في العالم…هل مازال أمامها وقت لإصلاح سياستها التنموية؟

تُعد الجزائر أكبر دولة مُصدرة للنفط في شمال أفريقيا، ولكن لم يحقق لها إنتاجها الثابت من النفط لسنوات عديدة الرخاء أو التنمية. وبدلاً من ذلك، تواجه الجزائر ضغوطاً اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة، بسبب تراجع مستوى الخدمات العامة، والأساسي منها على وجه الخصوص، مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان. وتتسم سياسية الحكومة الجزائرية بعدم الشفافية، ويُتوقع أن تكون الجزائر واحدة من بين أكثر 10 دول “فساداً” في العالم.

وما يزال أكثر من 20% من الشعب يُعاني من البطالة وخاصة فئة الشباب. ويقول كثير من الشباب الجزائري المتعلم إنهم سيتركون البلاد لو أُتيحت لهم الفرصة.
وقد تعرضت بلدان أخرى في المنطقة لتحديات مماثلة؛ أدت إلى سقوط نظام بعد نظام في فترة الربيع العربي عام 2011.

لكن الحكومة الجزائرية استطاعت الهروب من مصير مماثل، بسبب المخاوف المتزايدة من أن اندلاع اضطراب سياسي واقتصادي كبير من شأنه أن يُشعل حرباً أهلية مماثلة لتلك التي اجتاحت البلاد خلال “العقد الأسود” الذي تعرضت له الجزائر في تسعينات القرن الماضي. وتمكنت الحكومة من تهدئة شعبها الغاضب عن طريق الإعلان عن وجود وظائف حكومية شاغرة وزيادة أجور القطاع العام – التي تُمول بطبيعة الحال، من عائدات النفط.

ولكن تغيَّر كل شيء بعد انهيار أسعار النفط في عامي 2014 و2015؛ فقد تراجعت عائدات النفط لأكثر من 50%. كما ارتفع العجز المالي والتجاري، وتراجع الاحتياطي الأجنبي بشكل سريع، وخُفضت قيمة العملة بنسبة 30%.

 

تضخم ميزاينة الدفاع

 

وفي الوقت نفسه، تضخمت ميزانية وزارة الدفاع في الجزائر إلى أكثر من الضعف منذ عام 2004 لتبلغ 10 مليار دولار أميركي، يأتي هذا بحسب المسؤولين بهدف مواجهة عدم الاستقرار الناجم عن النزاع الليبي في الشرق والغارات الإرهابية لمالي في الجنوب. وعلى رأس كل ذلك، سعى أكثر من 270 ألف عامل من أمهر العمال في البلاد إلى البحث عن مصادر رزق خارج الجزائر بداية من تسعينيات القرن الماضي.

اقترحت حكومة بوتفليقة استراتيجية تنمية جديدة لتحل محل استراتيجيتها المعتمدة على النفط، بعد محاولاتها الحثيثة لخلق فرص عمل جديدة والحفاظ على نمو إجمالي الناتج المحلي، الذي من المتوقع أن ينخفض من 3.7% في عام 2015 إلى 1.9% هذا العام. وطرحت الحكومة في يوليوز خطة جديدة بعنوان “نموذج النمو الاقتصادي الجديد”، وهدفها الرئيسي هو تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط والغاز، الذي يُمثل نحو ثلث إجمالي الناتج المحلي، وأكثر من ثلثي الإيرادات الحكومية، وأكثر من 95% من الصادرات اعتباراً من أواخر العام الماضي. ولسوء الحظ لا تزال تفاصيل هذه الخطة غير معلومة بسبب ما أشيع عن وجود صراع داخلي على السلطة في الدوائر الداخلية لحكومة الرئيس الجزائري المريض عبد العزيز بوتفليقة.
ومن بين العناصر الرئيسية للخطة الجديدة، هو إنشاء قانون يهدف إلى تحفيز الاستثمار في القطاع غير النفطي من خلال تقديم إعفاءات ضريبية وتيسير اللوائح. ومن المُؤمل أن تعمل “القيمة المضافة العالية” لقطاعات مثل الصناعات الزراعية والطاقة المتجددة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على جذب الاستثمارات الأجنبية بشكل مباشر.

 

هل ستضمن الخطة الاستقرار

 

ومن المؤمل أن تُقدم هذه الاستثمارات إيرادات ضريبية كافية لتعويض خسارتها الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. ولتقليل الأعباء المُكلفة التي تتحملها ميزانية الدولة، رفعت الحكومة أيضاً أسعار الوقود والكهرباء للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان.

هل ستعمل الاستراتيجية الجديدة على ضمان استقرار الحكومة؟

يُشير التاريخ الجزائري والتجارب الدولية إلى عدم تَحقق ذلك. فالمشكلة الأساسية هي أن هذه الخطة تُطبق في بلد يعتمد على منهج بيروقراطي مركزي للغاية في تحقيق التنمية الاقتصادية، مما لا يترك مجالا لاستخدام الأساليب التشاركية التي من شأنها أن تسمح للمواطنين بمساءلة الحكومة.

وقد طُرحت خطط تنمية مماثلة لتلك التي اقترحتها الحكومة الجزائرية، ونُفذت بنجاح في بلدان أخرى وخاصة في (اليابان وكوريا وفي إثيوبيا ورواندا أيضاً) إذ وُضعت هذه الخطط من قبل حكومة “التكنوقراط” التي تحمل درجة عالية من الكفاءة، وليس لها أي منفعة شخصية من هذه الاستثمارات. لكن لا يبدو الأمر كذلك في الجزائر، فما زالت هوية المسؤول عن الخطة غير معروفة – مثلما لا تُعرَف هوية المسؤول عن إدارة البلاد. بالرغم من أن الرئيس بوتفليقة هو الرئيس الرسمي للحكومة، تظهر القوى الحقيقية وراء الكواليس، والتي يُسميها الجزائريون بـ “Le pouvoir”، وهي دائرة داخلية تتكون من قوات الجيش والأمن في البلاد ويدعمها عدد من رجال الأعمال في الداخل، ومن المقرر أن يستفيد رجال الأعمال هؤلاء من خطة الاستثمارات.

وتشهد الجزائر مرحلة جديدة من التطوير تقوم فيها رشادة الحكم بدور رئيس في تحديد النجاح الاقتصادي، لكن الطريق ما يزال طويلاً لتحقيق الحكم الرشيد. وتحتل الجزائر دائماً مرتبة أقل من بلدان شمال أفريقيا، مصر والمغرب وتونس، في معظم مؤشرات الإدارة الحكومية التي يُجريها البنك الدولي. في الواقع، تقع الجزائر في منطقة الربع الأخير من قائمة البلدان التي يُقيمها البنك الدولي.

ولا تُسيطر الجزائر بشكل قوي على بسط سيادة القانون، والسيطرة على الفساد وكفاءة عمل الحكومة، والجودة الرقابية، وكلها إجراءات بالغة الأهمية من شأنها أن تُساعد في التنمية الاقتصادية الناجحة. وقد شهدت هذه الإجراءات تحسناً ملحوظاً منذ أواخر التسعينيات إلى عام 2004، ولكن منذ ذلك الحين أخذت في الركود والتراجع إلى حد كبير. وأدى عدم سيطرة الجزائر على الجودة الرقابية، إلى ظهور ممارسات تنافسية غير عادلة، مما تسبب في انخفاض تصنيف مؤشرات الحكم في الجزائر منذ عام 2004, إذ تحتل حالياً مرتبة أدنى من هايتي.

ليس هناك ما يشير إلى أن الحكومة لديها أي خطط لمعالجة أوجه القصور هذه، على الرغم من أن نتائج القصور واضحة للعيان. وقد أدى سوء الإدارة الجزائرية إلى عدم قدرة الأسواق على المنافسة في سوق العمل وفي السلع وفي التمويل. وهذا بالطبع مرتبط بشكل أساسي بالفساد المستشري في البلاد والمحسوبية في الوظائف التي نتج عنها عمالة زائدة، تُشكل عبئاً كبيراً على النمو الوطني.

 

الخطة أمر جيد ولكن

 

وتُعد خطط التنمية الاقتصادية أمراً جيداَ إذا تحققت الافتراضات التي بُنيت عليها. وأحد الافتراضات الأساسية في نموذج النمو الاقتصادي الجديد هو قدرته على جذب قدر من الاستثمارات الخارجية. وهذا سيؤدي إلى تحول حاد في الأساليب المُتبعة السابقة، التي تُبين أن الجزائر مُتخلفة كثيرا عن المغرب وتونس.

ووفق تصنيف ممارسة الأعمال الذي يُجريه البنك الدولي، فإن المستثمرين الأجانب يتجنبون البلدان التي يتسم مناخ العمل بها بأنه غير مواتي. وتُعزز الإصلاحات الاستثمارية الأخيرة من هذا التصور، إذ لم تُجرِ تعديلاً على القانون الذي يفرض أغلبية الملكية الوطنية على المشروعات الاستثمارية، ويَحظر السيطرة الأجنبية على أية مؤسسة أو مشروع، على الأقل بالشكل الرسمي.

وعلاوة على ذلك، تُظهر التجارب الدولية أن الاستثمار الأجنبي المباشر سيكون أكثر ربحية عند تزايد الحرية الاقتصادية. لكن في الوقت الحاضر، يُشير مؤشر معهد التراث للحرية الاقتصادية أن الجزائر “غير حرة في الغالب”, وتخلو خطة الإصلاح المقترحة من أية أحكام أو شروط تعمل على إدخال تحسينات في هذا المجال.

يُعد سوء الأوضاع الأمنية عامل تثبيط رئيس آخر للاستثمار. فقد تعرض قطاع الطاقة الجزائري لعدة هجمات إرهابية، الأمر الذي جعل الشركات الأجنبية تضطر إلى نقل موظفيها خارج البلاد. كما أدى استهداف السياحة إلى تراجع الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت تنمية الصخر النفطي في البلاد إلى عدد من الاحتجاجات، إذ سمحت الدولة باستثمار عدد قليل من الشركات القادرة على تحمل مخاطر العمل في هذا المجال.

ويُعَد من قبيل المجازفة أن تحاول الحكومة الجزائرية تعزيز النمو الاقتصادي دون إجراء الإصلاحات اللازمة لوضع البلاد على طريق الديمقراطية. في حال عدم إجرائها للإصلاحات اللازمة التي من شأنها أن تُعزز الاستثمار الأجنبي، سيعتمد نجاح الخطة الجديدة -للمفارقة- على النفط، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى فشلها. وإذا لم تتعافَ أسعار النفط في السنوات القليلة القادمة، لتسهيل الاستثمارات المحلية اللازمة لتنفيذ الخطة على أرض الواقع. فمن المتوقع ألا يستمر معدل النمو الحالي في الجزائر الذي يبلغ 2.7% في السنة – وهو الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على الاستقرار.

كما هو الحال في العديد من الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على النفط، سَمح قطاع النفط والغاز في الجزائر بوجود نظام سياسي استبدادي قائم على المحسوبية. وبمجرد أن تصبح الدولة المنتجة للنفط استبدادية، كما هو الحال بالنسبة للجزائر، فإنه يكون من الصعب توجيه هذه الدولة نحو الديمقراطية، لأن من مصلحة الكثير من أصحاب المصالح الخاصة عرقلة أية محاولة لإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وبما أن أصحاب المصالح في الدائرة المقربة من الحكومة الفاسدة هم من وضعوا خطة الإصلاح الجديدة، على ما يبدو، فإنه سيكون من غير الواقعي أن نتوقع أن تُحقق هذه الخطة سلسلة من الإصلاحات الإيجابية التي تصب في مصلحة البلاد.

أما إذا استمر انخفاض أسعار النفط، ستُقبل الحكومة الجزائرية على مرحلة عدم قدرتها على توفير الموارد اللازمة لدعم خطط الرعاية الحكومية التي تتبناها، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة الاضطراب، مما يمكن أن ينتهي بانتفاضة على غرار انتفاضات الربيع العربي.

ولن يبقى أمام الحكومة إلا خيار واقعي واحد لضمان استقرار البلاد وبقائها، وهو استبدال نموذج النمو الاقتصادي الجديد بخطة تطوير تستهدف مصلحة المجتمع، وتكون خاضعة لرقابة الشعب، على غرار الخطة الناجحة التي نفذتها المغرب.

قد لا تُحرز هذه الخطة مكاسب اقتصادية مماثلة لتلك التي كان يوفرها النفط، لكن يحتمل أن تأخذ الجزائر نحو طريق النمو والإصلاح، بدلاً من حالة التدهور التي تشهدها البلاد. إن الخطة الحالية تقوم على افتراضات غير واقعية، وربَّما لن تجد الجزائر أمامها أي خيار سوى القبول بسياسات تقشفية يفرضها صندوق النقد الدولي، وستكون سياسات مماثلة لتلك التي فُرضت مؤخراً على مصر أو أشد قسوة منها. وإذا حدث هذا، فمن المرجح أن تمر البلاد ثانيةً بـ”عقد أسود” في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *