المغرب الكبير

حملة تقودها تونسيات يطاردن فيها المتحرشين داخل وسائل النقل

منذ نهاية خمسينات القرن الماضي أصدرت تونس مجلة الأحوال الشخصية، التي كانت تجربة رائدة في ذلك الوقت على المستوى العربي والمغاربي.
غير أن جولة بسيطة على الشبكات الاجتماعية تكشف أن المرأة التونسية ما زالت تواجه جملة من المشاكل بينها التحرش الجنسي في الفضاءات العامة والخاصة على السواء.

وتشتعل وسائل التواصل الاجتماعي بحالات عدة تظهر دخول المرأة التونسية في معارك يومية ضد التحرش والمتحرشين، فما أسباب هذا الوضع؟

​قوانين وعقوبات ولكن!

عكفت الدولة التونسية، منذ مراحل مبكرة بعد الاستقلال، على وضع التشريعات اللازمة لحماية المرأة وتعزيز مكانتها، والحد من العنف المسلط ضدها، وضمن ذلك التحرش الجنسي.

ومن بين آخر التشريعات في هذا الصدد، القانون الأساسي المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة، الذي صادق عليه البرلمان التونسي في شهر يوليو الماضي.

ويعرف المشرع التونسي التحرش الجنسي في الفصل 223 من هذا القانون بأنه “كل ما هو اعتداء على الغير بأفعال أو إشارات أو أقوال ذات طبيعة جنسية من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه، وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الأفعال”.

ويعاقَب المتحرش، وفقا لهذا القانون، بالسجن لمدة سنتين وبغرامة مالية تقدر بـ5 آلاف دينار تونسي، وتكون العقوبة مضاعفة إذا كان الضحية طفلا.

معطيات صادمة

تعرض أكثر من نصف التونسيات إلى العنف بمختلف أنواعه، بما في ذلك التحرش الجنسي في الفضاءات العامة، حسب دراسة لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة الذي يتبع لوزارة المرأة التونسية.

وفي هذا الصدد، قالت المكلفة بالإعلام في المركز، حنان شقرون، إن الدراسة التي أعلنت نتائجها في مارس 2016، وشملت نحو 4 آلاف امرأة مستجوبة، أثبت أن 53.5 بالمئة من النساء التونسيات تعرضن للعنف، وضمنه التحرش الجنسي في الفضاء العام.

وتوصلت الدراسة، حسب شقرون، إلى أن “75.4 في المئة من التونسيات تعرضن للعنف الجنسي، وضمنه التحرش اللفظي والمادي وغيره”.

وتعتبر وسائل النقل المشتركة الفضاء الأكثر ارتباطا بوقائع التحرش، إذ سجلت الدراسة، حسب شقرون، أن نحو 91.2 في المئة من التونسيات تعرضن، ولو لمرة واحدة، للعنف في وسائل النقل والمحطات العمومية.

وقالت المسؤولة بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام إن “ضحايا التحرش شملت جميع أصناف النساء بمن فيهن المحتجبات وغير المحتجبات، وصاحبات المستوى الدراسي العالي واللواتي لم يحصلن شهادات عليا، والشابات فضلا عن النساء الكبيرات في السن، وغيرهن”.

بين القانون والواقع

تعيد هذه الأرقام طرح سؤال بارز: لماذا لا تحد القوانين من التحرش في تونس؟

وفي هذا الصدد، يرى الباحث في علم الاجتماع، فؤاد غربالي، أن “الفضاء العام في تونس هو فضاء رجالي بدرجة كبيرة، والحضور النسوي القوي فيه يستفز العقلية الذكورية المهيمنة”.

ويوضح غربالي، أن “القوانين بمفردها غير قادرة على تغيير الوضع الراهن”، مشيرا إلى “أهمية اعتماد برامج تربوية جديدة تغير المقاربة الحالية في العلاقة بين الجنسين في الفضاءات العامة أو الخاصة وتعيد ترتيب العلاقات وفقا لقراءات جديدة”.

ويشاطر الباحث فؤاد غربالي الطرح الذي يقول إن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير مما تسفر عنه الدراسات التي تجرى في هذا الإطار، بسبب تخوف النساء من التبليغ عما يتعرضن له في الفضاءات الخاصة والعامة لأسباب تتعلق باعتبارات اجتماعية وذاتية.

كما يضيف: “طبيعة المجتمع المحافظ، تدفع جزءا كبيرا من النساء إلى الصمت في مواجهة المضايقات اليومية درءا للفضيحة وفقا لرؤية هذا المجتمع”.

 

بدورها، ترى حنان شقرون أن “ردود الفعل العنيفة التي تتعرض لها النساء من قبل العائلة والمجتمع يدفع العديد من النساء لكتمان حقيقة تعرضهن للعنف بمختلف أشكاله”، داعية، في هذا الإطار، إلى “ثورة في العقليات لتغيير طرق التفكير والتعامل إزاء هذه الظاهرة”.

حملة لمواجهة أزمة

يأتي ذلك، بينما تستعد وسائل النقل العمومية، انطلاقا من صباح الإثنين، لاحتضان حملة توعوية تحت عنوان “المتحرش ما يركبش معانا” (المتحرش لا يركب معنا).

وترتكز الحملة على القيام بجولات تحسيسية داخل وسائل النقل لتسليط الضوء على ظاهرة التحرش.

وعند هذه الحملة تقول المسؤولة بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام: “هدفها بعث رسائل إلى ثلاث جهات أساسية وهي المرأة، إذ نريد أن نشجعها على عدم الصمت إزاء تعرضها للمضايقات داخل وسائل النقل، إضافة إلى ردع المتحرش نفسه عبر الكشف عن سوء ممارسته، وأخيرا بقية الركاب الذين سنحثهم على التدخل واتخاذ مواقف إيجابية تجاه هذه الظاهرة الخطيرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *