مجتمع

بعد الضجة التي أثارتها قضية الفيزازي.. هل يعتبر زواج الفاتحة علاقة غير شرعية؟

ضجة وجدل كبيرين أثارتهما تصريحات شابة مغربية مؤخرا، اتهمت فيها شيخا سلفيا معروفا، بالزواج بها بالفاتحة فقط، قبل أن “يطلقها” شفويا على اعتبار أن الزواج غير موثق، حسب ما صرحت به لمجموعة من وسائل الإعلام المحلية.

هذه القضية جاءت لتجدد النقاش حول موضوع زواج الفاتحة، الذي ما يزال ينتشر في بعض المناطق ولدى بعض الفئات، والذي تؤكد العديد من الجمعيات أنه بمثابة “تحايل” على القانون بغرض “تزويج القاصرات” و”تعدد الزوجات” محذرين من تبعاته على “الزوجة” التي قد تجد نفسها مطلقة رغم أنها لم تكن أصلا متزوجة في نظر القانون، أو أما عازبة في حال تخلى عنها الزوج هي وطفلها.

“علاقة غير شرعية”

رئيسة “جمعية التضامن النسوي” المعنية بقضية الأمهات العازبات، عائشة الشنا، تحذر جميع الفتيات من “زواج الفاتحة”، بقولها “لا تُقمن أية علاقة إن لم يكن هناك عقد شرعي موثق”، معتبرة زواج الفاتحة بمثابة “علاقة غير شرعية”.

“صحيح في السابق كان أجدادنا يتزوجون بالفاتحة، ولكنهم كانوا يقيمون في مجتمع محدود داخل القرية أو الدوار حيث الكل يعرفون بعضهم البعض، الكل يعرفون أن فلان زوج فلانة وأن أطفال فلانة هم من فلان، وحين يتوفى الزوج الكل يشهدون أن فلانة كانت زوجته وأبناءها أبناءه”، تقول الشنا، قبل أن تردف “ولكن اليوم الظروف تغيرت والوقت تغير.. هذا عصر آخر”.

وتشدد الشنا على كون زواج الفاتحة غير معترف به في القانون مبرزة أنه طالما الزواج غير موثق تعتبر الأم أما عازبة، مشددة مرة أخرى على ضرورة توثيق الزواج بعقد شرعي وقانوني، موضحة أن الفاتحة قد تقرأ في الخطوبة ولكنها غير كافية لإثبات الزواج.

الناشطة الجمعوية المعروفة، والتي قضت عقودا في مجال الدفاع عن حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن، حذرت الفتيات من تبعات زيجات غير موثقة إذ قالت “العلاقة الجنسية قد تدوم بضع دقائق، ولكن تلك الدقائق قد تدفع الأم والطفل ثمنا لها طوال حياتيهما”.

ظروف اجتماعية واقتصادية

تتضمن مدونة الأسرة المغربية فصلا (الفصل 16) يتحدث عن إثبات الزواج غير الموثق، ومما ورد في هذا الفصل “تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج” مضيفا أنه “إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة”.

الفصل المذكور أكد أنه “يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمسة عشر سنة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.

غير أنه قبل سنتين تم تمديد الفترة التي خولها ذلك الفصل لإثبات الزواج غير الموثق، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا واستياء عدد من الجمعيات.

منسقة “حركة من أجل ديمقراطية المناصفة”، خديجة الرباح، تؤكد أنها كانت ممن عارضوا تمديد الفصل المذكور، وأوضحت أسباب موقفها بالقول إن ذلك النوع من الزواج غير الموثق “يمس فتيات صغيرات كما أنه يسهم في التعدد”.

وتتابع الرباح موضحة “اكتشفنا خلال عملنا الميداني انتشار زواج الفاتحة والزواج العرفي والعديد من أشكال الزواج بدون وثائق ثبوتية في جوانب المدن وبعض المناطق الهامشية”.

وحسب الرباح فإن الفئات التي ينتشر بينها ذلك النوع من الزيجات هي”الفئات التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وذات المستوى التعليمي المنخفض أو المنعدم”.

وتشدد المتحدثة على ضرورة “مراجعة قانون الأسرة” قبل أن تستدرك مؤكدة “لا يجب الاكتفاء بمراجعة قانونية بل يجب القيام بحملة توعوية تحسيسية كبرى” ينضاف إلى ذلك، حسب المتحدثة “ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الهشة”، وذلك بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية في قبول بعض الأسر زواج بناتها دون عقد، حسب ما توضحه الرباح.

“تحايل على القانون”

المحامي في هيئة تطوان، نوفل البعمري، بدوره يوضح أن “الزواج بالفاتحة كان معمولا به في السابق خاصة في البوادي والمناطق النائية لاعتبارات مرتبطة بالثقافة السائدة في تلك المناطق التي كانت تعترف من الناحية الاجتماعية بهذا الزواج”.

ويتابع البعمري المشاكل التي أصبح يطرحها ذلك الزواج والمرتبطة أساسا بـ”حقوق الأزواج عند الوفاة فيما يتعلق بالإرث، والأبناء الذين يجدون أنفسهم في وضعية إدارية تحرمهم من التعليم و الصحة وغيرهما”.

ينضاف إلى ما سبق أنه “أصبح يعتبر طريقا سهلا نحو التعدد ووسيلة للتحايل على القانون خاصة عند تقييده للعدد” على حد تعبير البعمري.
ويوضح البعمري أن “المشرع حاول من خلال مدونة الأسرة أن يتجاوز هذه الوضعية مراعاة بالأساس لحقوق الزوجة والأطفال”، وذلك على اعتبار أنه “في الكثير من الحالات يصعب على الزوجات إثبات زواجهن وعلى الأبناء إثبات نسبهم”.

وعن طريقة إثبات ذلك النوع من الزيجات، يوضح المتحدث أن “المشرع فتح الباب أمام من يعيش هذه الوضعية لرفع دعاوى قضائية موضوعها ثبوت الزوجية”، بحيث “يكفي أن يأتي المتقاضي بما يثبت وقوع هذا الزواج خاصة شهادة الشهود لتحكم المحكمة بثبوت الزوجية وبالتالي توثيقه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *