متابعات

يجمع بين مسؤوليتين ثقيلتين “الشرطة والمخابرات”.. فمن يكون الحموشي؟

في عمق المغرب توجد مدينة صغيرة اسمها تازة. ليست معروفة بقدر شهرة مدن مغربية أخرى. بيد أن اسم هذه المدينة صار مرتبطا باسم شخص هو الذي يملك الآن مفاتيح الشرطة والمخابرات بالمغربK عبد اللطيف الحموشي، مدير جهازي الأمن ومديرية مراقبة التراب الوطني.

من يكون هذا الرجل؟ ما سر تكتمه الشديد واختفائه الدائم عن الأنظار وعدسات الكاميرات؟ لماذا توضع فيه كل الثقة التي تجعله القابض بزمام الأمن بالمغرب؟

كاريزما أم غموض؟

​صور عبد اللطيف الحموشي قليلة جدا. جلها صور يظهر فيه نصف وجه الرجل، والنصف الآخر يخفي ظل قبعته الأمنية. صوته أيضا لم يخرج مرة من مذياع أو تلفزة.

المغاربة إذن لا يعرفون صوته. وصوره النادرة ترجع إلى سنوات مضت. هل تلك مواصفات رجل صارم؟

غموض الحموشي، حسب الخبير الأمني، القسطالي الدامون، هو مؤشر على الصرامة. “منضبط، ومعقول وله شخصية متزنة، تجعله في مستوى الأمانة التي وضعت بين يديه”، هي الكلمات التي يصف بها الدامون، المتقاعد برتبة ضابط شرطة ممتاز من صفوف الأمن الوطني، شخصية المسؤول عن الجهاز الذي كان يشتغل فيه سابقا.

في سن لم يتجاوز الـ40 عاما، دخل عبد اللطيف الحموشي تاريخ الأجهزة الأمنية المغربية باعتباره أصغر مدير عام لجهاز المخابرات الداخلية المعروف بمديرية مراقبة التراب الوطني، والمشهورة اختصارا باسم “الديستي”.

كان ذلك قبل 10 سنوات، وبعد واقعة ملفتة في تاريخ المغرب: الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء سنتي 2003 و2007.

لكن قبل هذه اللحظة، كان الحموشي، البالغ من العمر 51 سنة، يتلقى تكوينه بداية من فاس، حيث درس الحقوق، ثم لاحقا في القنيطرة حيث تعلم الأبجديات الأمنية، ليصير ضابطا ثم عميدا للأمن سنة 1993، ثم جاء التحول إلى العمل المخابراتي، عندما صار موظفا في المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي كان يشرف عليها أحمد الحراري.

حساسية المنصب الجديد بدت ملائمة لرجل مثل الحموشي، الذي يفضل الصمت على الكلام والاختفاء على الظهور. بروزه يكون لماما وفي مناسبات قليلة تقتصر على حضور أنشطة رسمية، مثل توديع الملك محمد السادس قبل سفرياته أو تسلم وشاح ملكي.

مهام مزدوجة

في خطوة أثارت الانتباه، عين الملك محمد السادس الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني سنة 2015. صار الرجل يجمع بين مسؤوليتين ثقيلتين: إدارة الشرطة والمخابرات.

“كفاءة الرجل هي التي خوّلت له الجمع بين هذين المنصبين الحساسين جدا”، يقول الباحث السياسي محمد زين الدين، الذي يرى أن الحموشي قادر على الجمع بين المنصبين لكونه يضطلع بمهام استراتيجية وليس بالتدبير اليومي.

هكذا صار الحموشي حارس أمن المملكة بامتياز، والرجل الذي رأته الدولة مناسبا لتنزيل استراتيجية أمنية جديدة عنوانها الشمولية خاصة مع اقتراب إحداث المجلس الأعلى للأمن، يضيف زين الدين.

وإذا كان زين الدين والقسطالي يعتبران أن تجميع مهام أمنية ثقيلة في يد الحموشي دليلا على كفاءته، فإن للناشطة الحقوقية، خديجة الرياضي، رأيا آخر، إذ تقول: “أكيد أن تجميع أكثر من مسؤولية أمر سلبي وغير مقبول في البلدان الديمقراطية، وهذا من بين الأعطاب التي نعاني منها ببلادنا”.

ما سر الصعود؟

يصير هذا السؤال ملحا أكثر عندما يعرف الباحث في سر صعوده السريع أن الرجل ابن الجامعة المغربية، وبالضبط، جامعة “ظهر المهراز” بمدينة فاس، معقل أكثر الفصائل الطلابية اليسارية والإسلامية نشاطاً.

هل ساعد مرور الحموشي عبر هذا الفضاء واحتكاكه بالمد الإسلامي في ضبطه لأسرار التعامل مع المتشددين وبالتالي تملكه لمفتاح النجاح في عالم الأمن والمخابرات؟

“مثل هذه النوعية من الأشخاص التي يمكن أن تعتمد عليها الدولة باطمئنان قليلة جدا، إن لم تكن نادرة”، يقول الخبير الأمني الدامون، قبل أن يضيف: “نكران الذات وتحمل المسؤولية والنجاعة هي العناصر التي رجحت كفة الحموشي وجعلته حارس الدولة الأمين”.

وراء سحابة الغموض

قاعدة ابتعاد اسم الحموشي عن الأضواء كسرها قاض فرنسي سنة 2014، عندما أصدر مذكرة لإحضاره إلى محكمة فرنسية من أجل التحقيق بشأن اتهامات بالتعذيب في حق مواطنين فرنسيين من أصل مغربي.

“بعض تلك الاتهامات صحيحة.. أنا تابعت إحدى الحالات التي ظهر فيها اسم الحموشي كمتهم بارتكاب جرائم تعذيب، ويتعلق الأمر بقضية زكرياء المومني”، تقول الرياضي خديجة، في إشارة إلى القضية التي تقدم بها المومني لدى المحاكم الفرنسية يتهم فيها رجل الأمن الأول بالمغرب بتعذيبه.

هل هذا يعني أن غموض الحموشي ليس مصدر قوة بقدر ما هو وسيلة لإخفاء جانب مظلم؟

لا أحد استطاع الإجابة عن هذا السؤال، فالقضاء الفرنسي تراجع عن اعتقال الحموشي، بعد أن تحولت القضية إلى أزمة دبلوماسية دامت شهورا بين المغرب وفرنسا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *