المغرب الكبير

جمعويون:الممنوعات التي حُرم الجزائريون من استيرادها تعكس حجم تهريب الأموال

صدم العدد الأخير للجريدة الرسمية الجزائريين بعدما كشف النقاب عن المواد الممنوع استيرادها، عملاً بإستراتيجية الدولة لدعم المنتج المحلي، وذلك لما ضمته القائمة من مواد غريبة جداً، لم يكن يتوقع الجزائري يوماً أنها كانت تدخل موانئ ومطارات بلاده بالعملة الصعبة.

المواد التي شلت عقول الجزائريين

وكشفت الجريدة الرسمية الجزائرية في عددها الأخيرة، وبالتفصيل قائمة المواد التي منع استيرادها منذ 1 يناير 2018. بعض المواد كان من المعقول تقبل فكرة منع استيرادها كالحلويات وأنواع من الأجبان ومواد التجميل، فإن هناك مواد أصابت الجزائريين بكثير من الدهشة.

وتبدأ قائمة المحظورات الغريبة، بدودة الأرض المستوردة بغرض الاستهلاك، والتي كان لها ترقيم استيراد وطني (0106.90.92.00).

ومن المواد التي أثارت غرابة الجزائريين أيضاً ما تعلق بلالحوم الحيوانية من فصيلة الحمار أو البغال، طازجة أو مبردة، والتي جاءت في الصنف الـ 45، بترقيم استيراد وطني (0205.00.12.00).

كما ضمت القائمة مادتين من فصيلة لحوم الخنازير، منها أحشاء صالحة للأكل من فصيلة الخنازير، طازجة أو مبردة، في الصنف الـ 56، وكذا كبد من فصيلة الخنازير مجمدة وغيرها في الصنف الـ 57.

الجزائريون اكتشفوا أيضاً بأن بلادهم كانت تستورد أفخاذ الضفادع المجمدة، والتي جاءت في التصنيف 198، تحت رقم استيراد وطني.

القائمة ضمت أيضاً دقيق ومسـاحيق اللحوم والأحشاء الـصالحة للأكل من الـزواحف، بما فيهـا ثعابين وسلاحف البحر، في التصنيف الـ 218.

30 %لحوم أغلبها أجنحة ورقاب

القائمة الواردة في الجريدة الرسمية ضمت منع استيراد 851 مادة، كانت تدخل الجزائر بشكل عادي، منها 228 مادة متعلقة باللحوم ومشتقاتها، أي ما نسبته 30% من مجموع المواد الممنوعة.

ومن الغرابة أن من مجموع اللحوم التي منع استيرادها بحسب قائمة الجريدة الرسمية والتي تسجل ما يزيد عن 25% من اللحوم المستوردة، كانت تتعلق بأرجل وأجنحة ورقاب الدجاج والبط والإوز المستورد من غينيا، بالإضافة إلى لحوم الأرانب والجمال والماعز بكميات كبيرة.

والى جانب ذلك تضاف نسبة أخرى لا يستهان بها، وتتعلق بدهون، وشحوم ومساحيق حيوانية غريبة، دخلت في قائمة اللحوم الممنوع استيرادها.

نشير إلى أن المواد المحظورة، جاءت وفق مــرسـوم تـنــفـيـذي بتاريخ 7 يناير 2018، ويتضمن تعيين البضائع موضوع التقييـد عنـد الاستيـراد، ووضعت في 44 صفحة من الجريدة الرسمية الأخيرة.

موجهة للاستهلاك وعرضها نادر

على الرغم من أن المرسوم الصادر بالجريدة الرسمية الجزائرية الأخيرة لم يصنف إن كانت المواد الممنوع استيرادها هي في الأصل موجهة للاستهلاك، واكتفى بوصفها بالبضائع موضوع التقييد عند الاستيراد، إلا أن الخبراء يرون بأن استيرادها سابقاً كان لغرض الاستهلاك.

رئيس المنظمة الجزائرية للمستهلكين مصطفى زبدي، يرى أن ما أدرج ضمن فئة اللحوم والأجبان ومشتقاتها، كانت موجهة أصلاً للاستهلاك، أكان استهلاكها وفق نظام غذائي معين أو عن طريق تحويلات أو تصنيع مواد أخرى.

ويؤكد أن هناك بعض الشحوم تدخل إلى الجزائر على أنها لحوم حيوانية، لكنها توجه لتحويلات صناعية لاستخلاص مواد تجميل مثلاً، أو كإضافات غذائية.

ويؤكد أن العشرات من المواد التي تضمنها جدول المواد الممنوع استيرادها في الجريدة الرسمية الأخيرة لم تعثر عليه المنظمة الوطنية للمستهلكين في الأسواق او محلات البيع، خاصة ما تعلق بدودة الأرض، أفخاذ الضفادع وأحشاء الخنازير والثعابين.

ورجح زبدي أن استيرادها إن كان “فلغرض توجيهها إلى مطاعم وفنادق معروفة، أو بطلب من الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، خاصة في مجالات الأشغال العمومية والمحروقات”.

من أدغال إفريقيا والأمازون وجنوب شرق آسيا

لم يذكر قانون منع الاستيراد الأخير في الجزائر، مصدر تلك المواد كانت قارة أو دولة، باستثناء غينيا التي كانت تستورد منه الجزائر، الدجاج بما فيها حتى الأحشاء، الرقاب والأجنحة.

الخبير الاقتصادي فارس مسدور، يرى بأن البحث عن مصدر تلك المواد الغريبة والتي كانت تستوردها الجزائر على مر السنوات الفارطة، سيكون كمثل البحث عن إبرة في كومة قش، بسبب الكم الهائل لها.

وقال إن هناك دولاً معروفة في توريد تلك المواد الاستهلاكية التي هي في الغالب لحوم، وتتموقع بأدغال إفريقيا مثل الغابون وأوغندا وغانا، إضافة إلى جنوب شرق آسيا كالصين والهند، وأمريكا اللاتينية، كالبرازيل، الأرجنتين والبيرو”.

وأضاف أنه حتى الدول الأوروبية تصدر بعض تلك المواد التي يراها الجزائريون فائقة الغرابة، كلحوم وشحوم الخنازير والبغال، وهي مواد طبعاً لها ترقيم في القانون المواد المسموح استيرادها دولياً.

في عز السنين العجاف

مصطفى زبدي رئيس المنظمة الجزائرية للمستهلكين، لم يهضم القائمة الواردة في الجريدة الرسمية، واعتبرها صادمة حقاً.

وقال زبدي إنه في الوقت الذي كان فيه الشعب متخوف بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، على طول السنين العجاف التي أرغمت دخول نفق التقشف، “نجد هذه المواد الغريبة تدخل البلاد وبالعملة الصعبة”.

المنظمة، كما قال زبدي، “تندد بشدة بوجود مواد فاقت الغرابة، وأخرى محرمة أصلاً، ضمن المواد التي كانت تستوردها الدولة في السنوات الأخيرة، ملحاً على ضرورة منطقة الاقتصاد، بين ما يقال وما يفعل”.

وأردف قائلاً “منظمة المستهلكين نددت في وقت سابق باستيراد الكثير من المواد الكمالية على غرار المياه المعدنية والخبز، ولم تكن تعلم باستيراد أحشاء الخنازير وأفخاذ الضفادع والديدان ولحوم الحمير الموجهة للاستهلاك وأحشاء الزواحف وغيرها من مشتقات اللحوم التي تتعارض مع عقيدة وعادات الجزائريين”.

القائمة مرآة عاكسة لحجم تهريب الأموال

الخبير الاقتصادي الجزائري فارس مسدور، يضع القائمة في خانة الطرق الملتوية التي اعتمد عليها أباطرة المال والأعمال وبعض المسؤولين في تهريب العملة الصعبة نحو الخارج.

وقال فارس مسدور إنه أصيب بالصدمة بعدما اطلع على القائمة المنشورة في الجريدة الرسمية، “أعدت قراءتها مرات عديدة، لأن استيراد الدود وأفخاذ الضفادع وأحشاء الخنازير والسلاحف والثعابين أمر محير للغاية”.

ولا يمكن تحليل ذلك، كما قال، إلا أن هناك مسؤولين ورجال مال وأعمال، كانوا يختارون الأروقة السهلة والموجزة لتهريب العملة إلى الخارج وتضخيم الفواتير، بداعي استيراد مواد هي أصلاً غير موجودة في واقع الاستهلاك أو التصنيع”.

واتهم المتحدث مسؤولين بقطاع التجارة في الجزائر، بالتقصير والتسهيل الفاضح في تعاملات التصدير والاستيراد.
وأضاف أنه لا يمكن أن نهضم أن الجزائر كانت تستورد اللفت، الجزر والخس، رغم أن أراضيها تنتجها بمئات الآلاف من الأطنان سنوياً.

ملايين الدولارات على الورق

الحديث عن أسعار تلك المواد في السوق الجزائرية غير ممكن بتاتاً في نظر الخبير الاقتصادي فارس مسدور، لأن أغلب تلك المواد يتم استيرادها لغرض تضخيم الفواتير وتهريب العملة.

ويقول في هذا لشأن “نجد تلك المواد مستوردة حقاً في الوثائق والفواتير والتعاملات البنكية في تحويل الأموال، لكن في المحلات والأسواق فهي غير موجودة أصلاً، وان وجدت فهي بشكل نادر، وبعضها يوجه للتحويلات الصيدلانية والتجميل”.

وأردف أن عملية استيراد المواد التي منعت مؤخراً، كلفت الخزينة العمومية ملايين الدولارات سنوياً، دون أن يظهر لها أي اثر، وأعتقد أن صراع بارونات المال والأعمال هو ما كان سبباً في صدور القانون الأخير في الجريدة الرسمية، أو بالمختصر هو صراع مصالح لا غير.

وأضاف أنه حتى وإن كان القانون له نظرة مستقبلية لإصلاح أخطاء الماضي، لكن ذلك أيضاً جاء لإملاءات الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، ومن حق الشعب أن يسأل عن ماله ويحاسب من كان وراء تلك التعاملات على مر السنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *