مجتمع

نساء إملشيل.. هكذا يلدن في وسط تغيب عنه أبسط شروط السلامة الصحية

“تعب كلها الحياة”.. تلك هي المقولة الأقرب إلى وصف حياة النساء في دواوير المغرب العميق. المرأة هنا تعمل ساعات طويلة داخل البيت وخارجه، وكل ذلك لا يتوقف إن كانت حاملا، بل تستمر في إنجاز الأشغال التي اعتادت القيام بها وإن بلغ حملها الشهر التاسع.

أما إذا حان موعد الوضع، فستكون مع ساعات طويلة من المخاض الذي قد ينتهي بوضع مولودها بسلام أو بفقدانها حياتها.

طبيبها حبل ودواءها الدعاء

قد يعتقد البعض بأن من أسوأ ما قد تعانيه المرأة الحامل في القرن الحادي والعشرين عدم التمكن من الولادة في مستشفى تحت رعاية طبية، واضطرارها لأن تنجب فوق سرير بيتها على يد قابلة قد لا تكون لها دراية بما يمكن فعله في الحالات المتعسرة.

ولكن في دواوير نواحي إملشيل في الأطلس، هناك ما هو أسوأ مما سبق، هناك ما زالت نساء تعتمد طرقا بدائية في عملية الولادة قوامها الوحيد.. حبل.​

فإذا اقترب موعد الوضع، يقوم أحد الأشخاص بربط حبل طويل في سقف إحدى غرف البيت أو في المطبخ، وإذا باغت المخاض الحامل توجهت إلى ذلك الحبل وتمسكت به وظلت على تلك الحال تصارع الوجع أحيانا لساعات طويلة قد تنتهي بوضع مولودها كما قد تنتهي بوفاتها.

في هذه الدواوير البعيدة، لا يوجد مستشفى ولا طبيب. في بعضها توجد قابلة قد تساعد الحوامل في الوضع، ولكن مع ذلك تبقى الطريقة الأساسية المعتمدة في الوضع هي طريقة الحبل.

“بري”، من بين نساء كثر، أكدن أنهن وضعن أكثر من طفل لوحدهن وهن متمسكات بحبل المربوط في السقف، بينما يضع الجميع أيديهم على قلوبهم ويكتفون بالدعاء حتى تمر الولادة بسلام.

“نلد كالماعز” تقول بري وهي تصف الطريقة التي تضع بها النساء موالديهن في المنطقة، مبرزة أنها وضعت خمسة أطفال بتلك الطريقة وإن كانت قد مرت العملية بسلام بالنسبة لها فإن هناك من فقدن حياتهن وهن على ذلك الوضع.

قد تلد وحيدة في الخلاء

يقترن اقتراب موعد الوضع عادة لمعظم نساء العالم بالتخفيف من المجهود والتزام الراحة، إلا أن الأمر يختلف كثيرا بالنسبة لنساء دواوير المغرب العميق.

سواء أكانت المرأة هنا حاملا أو غير حامل، فهي تبذل مجهودا كبيرا لا يسهم في تخفيفه اقتراب موعد الوضع. فهي تستمر في المشي لساعات بحثا عن الحطب وحمله على ظهرها، كما تستمر في أشغال البيت، وإذا حل موعد الولادة تصارع الألم أينما كانت إلى أن تلد.

ومن القصص التي يرويها الناس في هذا الإطار قصة إحدى السيدات التي خرجت لجمع الحطب وهي في شهرها التاسع، فإذا بالمخاض يباغتها وهي فوق الجبل، وبعد ساعات من الوجع وضعت طفلها لوحدها وعادت بعدها إلى البيت وهي تحمله بين ذراعيها.

رئيس فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان بإملشيل، باسو ألتو، يؤكد أن 15 امرأة حامل فقدن حياتهن خلال السنة الماضية، مبرزا أن نساء المنطقة يعانين الكثير لاضطرارهن للولادة في غياب أدنى شروط السلامة الصحية والرعاية الطبية.

الرجال في هذه الدواوير بدورهم، أبدوا أسفهم لأنهم يجدون أنفسهم عاجزين أمام تلك الأوضاع، مشيرين إلى أن غياب طريق سالك نحو المستشفى يجبر زوجاتهم على الوضع بطريقة تشكل خطرا على حياتهن، بينما الكل لا يملكون غير الدعاء والبكاء وهم لا يدرون ما قد تنتهي إليه عملية الولادة تلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *