ملفات

ما الذي يمنع السياسي المغربي من كتابة مذكراته؟

بدأت حالة ترقب لإصدار الوزير الأول الأسبق المغربي، عبد الرحمان اليوسفي، مذكراته، بعد مدة من اعتزاله السياسة سنة 2002.

قبل اليوسفي، نشر سياسيون مغاربة مذكرات تحدثوا فيها عن تجاربهم السياسية، أبرزهم المحجوبي أحرضان وعبد الرحيم بوعبيد وبنسعيد آيت يدر، بالإضافة إلى عبد الواحد الراضي، أقدم نائب برلماني في المغرب، والذي أصدر مذكراته خلال العام الماضي، وحملت عنوان “المغرب الذي عشته”.

لكن، في المقابل، يرحل سياسيون عن الحياة أو يتوارون عن الأنظار دون أن يفصحوا عما يوجد داخل علب أسرارهم، فهل يخاف السياسيون بالمغرب من كشف مذكراتهم؟

منجب: يخافون أن يمسوا السلطة

يربط الباحث المغربي في مجال التاريخ، المعطي منجب، بين ندرة تأليف المذكرات وبين واقع الكتابة بشكل عام في المغرب. فمنجب يرى أن الكتابات في المغرب “قليلة”، سواء تعلق الأمر بكتب التاريخ أو الروايات أو غيرها.

“نحن ننشر 100 مرة أقل من الفرنسيين، والكتابة قليلة ولا تخص مذكرات السياسيين فقط”، يقول منجب موضحا أن هذه المذكرات ليست منعدمة، على كل حال.

وفيما يشير إلى أنه توجد 40 مذكرة لمقاومين سابقين بالمغرب، يرجع منجب مسألة قلة كتابات السياسيين في المغرب، إلى “عدم وجود ديمقراطية وحريات كاملة”، إلى جانب رغبة هؤلاء السياسيين في عدم المس بمن هم في السلطة، كالملك أو المقربين منه.

ومع “انعدام حريات النشر والحريات الأكاديمية”، وفق تعبير منجب، “يكون الإنسان محرجا من تدوين مذكراته، خصوصا إذا تعلق الأمر بمراحل سياسية قريبة”، على حد قوله.

“فبنكيران، مثلا، يمكنه الحديث عن مرحلة الحسن الثاني، ولكن تصعب عليه الكتابة عن فترة رئاسته للحكومة، لأنه لا توجد حرية سياسية”، يردف الباحث المغربي.

شقير: هذه أبرز التخوفات

في عدد من الدول الغربية، يُقدم السياسيون على تدوين أجزاء من تاريخهم السياسي على شكل مذكرات، تُسلط الضوء على تجربتهم السياسية، أو حتى على تاريخهم الشخصي، على غرار مذكرات الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.

تسليط الضوء على تجربة سياسية لسياسي معين، قد لا تكون مرتبطة بالضرورة بمجمل هذه التجربة، بل قد يقتصر الأمر على فترة محددة.

هذا حال مذكرات المرشحة السابقة للرئاسيات الأميركية، هيلاري كلينتون، والتي نشرت، قبل سنوات، مذكراتها “خيارات صعبة”، والتي تحدثت من خلالها عن تجربتها في الخارجية الأميركية، قبل أن تنشر مذكراتها “ماذا حدث”، والتي سلطت فيها الضوء على خسارتها للانتخابات الرئاسية أمام المرشح الجمهوري، دونالد ترامب.

لكن، لماذا لا يُقدم سياسيون مغاربة على كتابة مذكرات يكشفون من خلالها جوانب لم تكن ظاهرة خلال فترات نشاطهم السياسي؟

يعتقد المحلل السياسي، محمد شقير، أن من أهم أسباب عدم اهتمام وإقبال الساسة المغاربة على كتابة مذكراتهم، هو “طبيعة الصراع السياسي منذ الاستقلال في المغرب”، موضحا أن هذا الصراع يجعل العملية السياسية محاطة بالكثير من الحذر، كما أنها لا تضمن للسياسيين الاستمرار لكي يكتبوا مذكراتهم.

ويوضح شقير، أن كل سياسي في المغرب يعتبر أن مذكراته ستؤثر على مسار زعيم آخر، ما يجعله متحفظا في سرد روايته للأحداث، كما أن “كل زعيم يعتبر أن كتابة مذكراته هي بمثابة إعلان عن تقاعد أو موت سياسي”، حسبه.

وفي هذا السياق، يشير المحلل السياسي المغربي، إلى أن كتابة المذكرات تعد، بالنسبة للزعماء والسياسيين، مسألة غير متعود عليها، وحتى من يقبل على كتابة مذكراته يقوم بذلك خلال نهاية مساره السياسي، مستشهدا ببوعبيد وأحرضان وآيت يدر والراضي.

كتابات كل هؤلاء كانت، حسب شقير، “نوعا من التكفير عن صمت السياسيين خلال فترة معينة”.

ويعتبر شقير أن مسألة كتابة المذكرات، يجب أن تكون تقليدا إجباريا، نظرا لأن من يشتغل في السياسة ليس شخصية عادية، وإنما “شخصية وطنية تجعل أنه من حق المواطنين أن يعرفوا ما حدث”، حسبه.

ويتابع المتحدث ذاته قائلا إن هؤلاء السياسيين ليسوا أحرارا وإنما ملزمون بتوثيق ما حدث، سواء كان ذلك على المدى القصير أو الطويل، “لأنهم كانوا مؤثرين وتوثيقهم لتاريخهم يخدم الأجيال الحالية والقادمة، ويساعد الباحثين على الاطلاع على التاريخ السياسي في بلدهم”، وفق قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *