مجتمع

المغاربة والعذرية..هل غشاء البكارة مرتبط بالشرف؟‎

يتشبث المجتمع المغربي بمفهوم العذرية كمرادف للشرف، وهو ما تعكسه كثير من الممارسات من قبيل اشتراط بعض العائلات “شهادة العذرية” كوثيقة أساسية لإتمام مراسم عقد الزواج، وحرص آخرين على استعراض الدم الناتج عن افتضاض غشاء البكارة أمام الملأ في ليلة الزفاف وكأنهم بذلك يقدمون للجميع دليلا على شرف العروس.

ولكن هل العذرية تعني الشرف؟ هل غشاء البكارة يعني العذرية؟ وهل ظهور الدم في ليلة الزفاف يعني أن الفتاة ليست لها تجارب جنسية سابقة؟

هذه الأسئلة وغيرها حاول مجموعة من الخبراء والباحثين السوسيولوجيين والأطباء، وغيرهم، الرد عليها.

من البلوغ إلى الزواج

أستاذ علم الاجتماع، عبد الصمد الديالمي، أكد أن الشباب المغاربة صاروا يعيشون حياتهم الجنسية قبل الزواج بشكل أكبر مع مرور الوقت، وهو الأمر الذي أرجعه إلى طول المدة بين سن البلوغ وسن الزواج.

“الفتيات في السابق كن بمجرد بلوغهن يتم تزويجهن” يقول الباحث المغربي المهتم بموضوع الجنسانية، والذي صدرت له كتابات عديدة في الموضوع، مبرزا أن عوامل عديدة أبرزها تمدرس الفتيات وعملهن، مدّدت الفترة ما بين سن بلوغهن وسن زواجهن.

وحسب المتحدث فإن عددا من الشباب تكون لديهم تجارب في تلك الفترة الفاصلة بين البلوغ والزواج، وهو ما استدل عليه بأرقام رسمية، إذ لفت إلى أن إحصاء عام 2014 أظهر أن معدل سن الزواج قد وصل إلى 32 سنة بالنسبة للذكور، و26 سنة بالنسبة للنساء.

وفي مقابل الأرقام التي تهم معدل سن الزواج، أشار الديالمي من جانب آخر إلى أرقام نسبها إلى دراستين أنجزتهما وزارة الصحة عامي 2007 و2013، واللتين، حسب المتحدث نفسه، تكشفان معدل عمر أقل من ذلك بكثير أثناء خوض أول عملية جنسية (16 سنة بالنسبة للذكور و17 سنة بالنسبة للإناث).

عذراء.. ولكن

وبين الرغبة والممنوع، ظهر مفهوم آخر للعذرية، يصفها الديالمي بـ”العذرية العرفية” التي تقابلها، “العذرية القرآنية”، فإذا كانت “العذرية القرآنية تعني انعدام أية تجربة جنسية قبل الزواج كيفما كانت”، فإن “العذرية العرفية” حسب السوسيولوجي المغربي صارت “مختزلة في غشاء البكارة”.

بالتالي، يقول الديالمي، هناك فتيات يعشن حياتهن الجنسية بأشكال مختلفة، “جنس سطحي، فموي، أو من الدبر”، غير أنهن “يعتبرن أنفسهن كما يعتبرهن المجتمع عذراوات لمجرد أنهن مازلن يحتفظن بغشاء البكارة”.

وحتى في حال فقدان البكارة، فإن المتحدث يشير إلى أن هذا الأمر لم يعد يطرح إشكالا في ظل عمليات ترقيع البكارة، البكارة الصناعية أو حتى الشواهد الطبية الخاصة بالعذرية والتي قال إنها قد تكون “مزورة”.

واستنكر المتحدث لجوء الفتيات إلى ما وصفها بـ”الحيل” التي قال إنها تمثل “خيانة مزدوجة”، من جهة “خيانة للأخلاق الأبوية والإسلامية” التي تقول بأنه لا يجب ممارسة الجنس قبل الزواج، ومن جهة أخرى، و”الأهم”، حسب المتحدث، “هي خيانة للحق الإنساني والنسوي”، بحيث يؤكد أن الشابات كما الشبان لهم الحق في ممارسة حياتهم الجنسية “بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية وميولهم الجنسي”.

وفي السياق نفسه، انتقد المتحدث بشدة تضمن القانون الجنائي المغربي ما يجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بحيث قال إنه رغم “دسترة حقوق الإنسان إلا أنه لم يتم تفعيلها على مستوى القانون الجنائي”، مبرزا في السياق نفسه، أنه من حق من يرغبون في الامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج، القيام بذلك، غير أنه في المقابل أكد أن القانون لا يجب أن يمنع العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين.

بكارة بـ300 درهم

الأستاذ المتخصص في الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، شكيب كسوس، بدوره تطرق إلى الاهتمام البالغ الذي توليه المجتمعات العربية للعذرية، مبرزا أن كل فتاة في هذه المجتمعات مطالبة بالحفاظ على عذريتها إلى أن تتزوج، وفي حال فقدتها فإن ذلك يعني “ضياع مستقبلها”.

وفي ظل تمدرس الفتيات، وولوج المرأة سوق الشغل، وارتفاع سن الزواج، وكذا ارتفاع عدد العازبين، فإن الشباب يتعاملون مع رغباتهم الجنسية بأشكال مختلفة.

وهنا يشير كسوس إلى أن هناك من الشباب من “يتجاوزون قوانين الدين والدولة والمجتمع” ويعيشون حياتهم الجنسية وقد ينتج عن ذلك “افتضاض غير مبرمج وغير مرغوب فيه لغشاء البكارة”، في مقابل آخرين يحاولون إقناع أنفسهم بكونهم متوافقين مع متطلبات الدين، وإن كان ذلك لا يتوافق مع قوانين الدولة، وذلك عن طريق “الزواج العرفي”.

هذا واعتبر كسوس أن التشبث بالعذرية يعكس “نفاقا اجتماعيا”، وهو ما فسره بكون “الجميع يعلم بأنه يمكن الحصول على غشاء بكارة” تعود معه الفتاة “عذراء” و”تدفن بواسطته ماضيها الجنسي بالكامل”.

في هذا الإطار ذكر المتحدث نوعين من العمليات الخاصة بترقيع البكارة، إحداهما تعيد الغشاء بشكل تام ودائم، والأخرى تعيده بشكل مؤقت، بحيث تجرى العملية عادة قبل ثلاثة إلى أربعة أيام من ليلة الزفاف.

إلى جانب تلك العمليتين، أشار المتحدث أيضا إلى البكارة الصناعية “fake hymen” التي هي عبارة عن “جيب صغير يحتوي على سائل أحمر يشبه الدم”، وهي البكارة التي قال إن ثمنها لا يتجاوز 300 درهم (نحو 30 دولارا).

جدل شهادة العذرية

عدد من العائلات ما تزال إلى اليوم تشترط على الفتاة المقبلة على الزواج الحصول على “شهادة عذرية”، التي تسلم إثر فحص طبي تخضع له المعنية.

وبهذا الخصوص انتقد عدد من المتدخلين في الندوة حرص البعض على الحصول على تلك الشهادة، التي لا تعتبر من الوثائق الأساسية في عقد الزواج، إنما من الوثائق التي قد تصر بعض العائلات على الحصول عليها ولو ضد رغبة الفتاة المعنية في الخضوع لذلك الفحص، شهادة اعتبر أحد المتدخلين أنها “مخالفة” للقانون في حين لفت آخر إلى أنها قد تكون “مزورة”.

من جانبها أكدت كل من “الجمعية المغربية للعلوم الجنسية” و”الجمعية المغربية للصحة الإنجابية” في ورقة تقديمية خاصة بالندوة، ضرورة “إعادة النظر في شهادة العذرية”، التي أكدت أنها بعيدة عن كونها شهادة طبية.

فالشهادة الطبية، يقول المصدر، “شهادة محررة من طرف طبيب تكشف نتائج تتعلق بالحالة الصحية للمريض”، في حين أن “تحرير شهادة العذرية في الممارسة الطبية الحالية”، ليست لها أية علاقة بالحالة الصحية كما أن تقديم تلك الشهادة “بنتيجة معينة قد يكون في غير صالح الفتاة المعنية”.

ينضاف إلى ذلك، حسب المصدر نفسه، كون الفحص الطبي لغشاء البكارة يخضع لعدة عوامل “قد لا تؤدي إلى نتيجة دقيقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *