آراء

محمد سالم الطالبي يكتب: الاستبداد المُقنع

تماما كما توقعت لم يلتفت الفرع المحلي لجمعية الاعمال الاجتماعية للتعليم ناحية رئيس المجلس البلدي لسيدي افني، عبد الرحمان فابيان،  الذي وقع على قرار مكتوب  يتراجع فيه عن قراره السابق بالترخيص لاستعمال  قاعة المسيرة الخضراء.  مضت الجمعية إذن في طريقها غير مبالية بما جرى وكان الامر لا يعني أي شيء بالنسبة لها.

وهكذا تجرع الاطار الجمعوي “العتيد” الاهانة التي لحقت به مكتفيا ببلاغ يتيم نشره على الفيسبوك لم ترد فيه   بالمناسبة  اي اشارة لرئيس المجلس البلدي. وما فهمت شخصيا أن الناسكتشوف زعما  ” بعيد متهمة المخزن بالوقوف وراء هذا القرار ،بمعنى انها “عايقة،  وتفهم جيدا من خلال نظاراتها الايديولوجية من يحكم في  البلاد والعباد.

وكأن هذا القرار الاستبدادي، الذي لا يستهدف في الحقيقة الجمعية فحسب بل يتعداه لكونه تهديدا صريحا للحقوق المكتسبة للمواطن،  لايستحق رد فعلمن جانب هؤلاء الذين يصدعون رؤوسنا، عبر ذراعهم النقابية، خصوصا  حينما يتعلق الامر بالدفاع عما يرونه مساسا بحقوق الاطر  التعليمية.

اما وقد تم الدوس هذه المرة  على حق من حقوق الانسان الافناوي  من طرف رئيس اختار السير  ضد عقارب الساعة، فيبدو ان الامر بالنسبة لهم ليس سوى معركة هامشية لا ينبغي ان تلهيهم عن القضية الكبرى المرتبطة بهوس الايديولوجيا.

وهذا يعكس في العمق احتقارا للسكان، إذ كان  من المفروض ان يتحمل هذا الاطار الجمعوي المسؤولية،وينوب عن الناس باتخاذ قرار حازم يعيد الرئيس لحجمه الحقيقي، تماما كما كنا نفعل جميعا،مشنفين اسماعه بوابل منالقصوحي” على اعتبار ان هذا هو الرد الحضاري الطبيعي على تجرؤه على منع المواطنين من حضور لقاء ثقافي محض. فالجمعية والحالة هذه هي التي وقعت على طلب استعمال القاعة، وليس احد سواها من الناس.

قد يقول احد  “القافزين” في الجماعة  ان السلطة هي التي كانت وراء قرار المنع، واختارت ان تاكلالثوم مرتاحة بفم الرئيسوهنا يجب ان اشير الى مسالة على قدر كبير من الاهمية وهي ان السلطة في العالم كله، مهما كان حجم نفوذها، لا تتردد في استعادة هامش الحرية المفقود متى تسنى لها ذلك،و خير مثال على ذلك التقارير الدولية التي تضع  دولا عريقة في الحريات  ضمن لائحة الانتهاكات و التراجعات. ما يعني ان المغرب، حيث يجب ان لانستغرب ،  لا يمكن ان يشكل استثناء في هذا المجال، وهو الذي ما يزال يزحف منذ مدة على طريق الانتقال الديمقراطي،   ولا شيء يشي في الافق بأننا  سنصل قريبا الى محطة الوصول، لا لشيء سوى لان الاستبداد هنا ، كما اشرت الى ذلك اكثر من مرة، هومرجع ثقافي” يتعهده بالرعاية كل قادم بمشروع اديولوجي وسياسي في مجتمعاتنا المتخلفة، لتبرير ممارسته اللاديمقراطية في تدبير السلطة

ولست هنا بصدد  التذكير بالتجارب التي تتالت تحت شعار التغيير والعدالة الاجتماعية، بما فيها تجربة العسكرتاريا عفوا السكرتاريا التي شمل استبدادها بالسلطة مجال التدبير الحزبي والجماعي، والتي تؤكد في مجملها على اننا نحن  “كحل الراس” لسنا ديمقراطيين،  غير ان   ألسنتنا مع ذلك تطول عند المطالبة بتطبيق  الديمقراطية.

إن الاستبداد يُقرأ بشكل واضح من خلال هذه الرسائل القصيرة التي تخفي بداخلها إرادة التسلط و التواطؤ، سواء خدمة لأجندة معينة، أو حرصا على مصالح غير معلنة، هذا دون الحديث عن الرغبة في تحقيق تعبئة ايديولوجية حتى لو كان ذلك على حساب  الحقيقة.

لذلك كان من الواجب ان تتسلل الصحافة الى هذا المعترك السياسي الملغوم بقنابل الاستبداد الموقوتة  كسلطة رقابة مستقلة تأخذ مسافة امان من الايديولودجيا، وترفض في عناد مستميت القراءة السلفية للنص السياسي، و تعمد الى اعمال العقل في الخبر وماوراءه بحثا عن تفاصيل يراد لها في الغالب ان تظل بعيدة عن الرأي العام.

فدعونا نعود و نقبل للحظة ان السلطة هي التي كانت وراء قرار المنع، او لم يستحق الامر القيام بوقفة احتجاجا ، وبعث رسالة تنديد بهذا الهجوم غير المسبوق على حق من حقوق التعبير، خصوصا وان هذا الاخير  حدث في سيدي افني التي كانت سباقة في توسيع هامش الحركة والحراك حتى قبل ان يستفيق الكثير من “البراهش” من نومهم في مغرب مابعد  20 فبراير؟

والواقع ان الجمعية  بهذا السكوت انما توجت نجاح الرئيس بإنجاح مخطط  يهدف الى قياس درجة حرارة الشارع، بمعنى انه من خلال قرار المنع هذا فقد ضربت السلطة عصفورين بحجر واحد، من جهة استعادت مساحة واسعة من هامش الحركةالمفقود في اطار الضبط السياسي 

“political order”

 و من جهة ثانية نجحت بدهاء  في النأي بنفسها عن مسؤولية المنع، حيث لم تتراجع عن الترخيص بتعليق لافتة الإعلان و تحويل الرئيس مقابل ذلك الى اداة تنفيذية لرغبتها، استنادا على مايبدو  الى فهمها  لطبيعة العلاقات المنسوجة محليا بخيوط السياسة السرية والعلنية.

كل هذا للأسف ما كان ليحدث لو لم يتم  تعريض دماغ المجتمع المدني للصدمات المتواصلة، وتخريبه بمهيجات اديولوجية  لا تنسجم مع دوره الطبيعي في المساهمة في الرفع من مستوى الوعي و العمل الجمعوي النبيل بعيدا عن المزايدات السياسيةالتافهةوالنتيجة مجتمع بدني فقد روحه ولم يعد يستجيب

لأي فعل مستفز !

والواقع ان كل من يبرر صمته هذه الايام و قبلها،ويختبئ وراء الاعتقاد بان السلطة هي التي كانت وراء قرار المنع، انما يثبت بانه “حقار” ليس إلا ،لماذا اقول هذا الكلام ياترى؟ ببساطة، لان هؤلاء جميعهم، بمن فيهم كاتب هذا المقال، كانوا لايفوتون فرصة دون الاحتجاج على الراحل ابوالحقوق، رحمه الله، إذ كان هذا الاخير يتحمل في بياناتنا  مسؤولية ما وقع وما سيقع، والحال ان الرجل مع اختلافنا معه كان رغم كل شيء مسالما لا ماكرا ،  ولم يكن يتقن لسوء حظه  اللغة التيصارت وسيلة تفاهم و  تواصل فعال بين من تبعه و مناضلي قاعة الضيافة السخية بما لذ وطاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *