آراء

بوشطارت يكتب: طريق افني -لخصاص من زاوية أخرى

تداولت مواقع اخبارية في الاونة الاخيرة خبر مشروع انجاز طريق افني لاخصاص واسم الشركة التي ظفرت بالصفقة. ويعتبر هذا المشروع من بين المشاريع الاستراتيجية في المنطقة نظرا لحيوية المسلك الطرقي الذي يربط عاصمة الاقليم بعمقه القبلي والاجتماعي والجبلي. هو طريق شرق / غرب يربط العديد من المناطق والدواوير بمدينة إفني من جهة وبلدية لاخصاص من جهة ثانية .
وجدير بالذكر أن هذا الطريق له عدة دلالات أخرى تاريخية وثقافية وحتى انثروبولوجية في الوظائف الاخرى التي يقوم بها الطريق غير الوظائف المعروفة في التنقل والتنمية الاقتصادية والتجارية …هو طريق يربط بين منطقتين لهما خصوصيات كثيرة. بين لاخصاص التي عقد فيها اتفاق الهنا التاريخي بين فرنسا وايت باعمران والقبائل الجزولية الاخرى حول مسألة ترسيم الحدود الاستعمارية والخطوط البينية بين تحركات القبائل والادارة الفرنسية التي دخلت الى لاخصاص وبيزكارن وتزنيت وما اليها من جهة السهل والجبل. مع مدينة إفني التي عرفت توقيع اتفاق امزدوغ ( امزدوغ اسم الدوار الاصلي لمدينة افني ) سنة 1934 والذي أفضى الى دخول الاسبان ووضع الحجر الاساس لبناء مدينة إفني من طرف الاسبان. ما معنى هذا ؟ معناه أنه بعد أكثر من 80 سنة ظهر طريق اقليمي اسمه افني _ لاخصاص يربط منطقة ذات نفوذ اسباني مع منطقة ذات نفوذ فرنسي بعدما اصبحتا تنتميان إلى نفس الاقليم . وهما منطقتان شهدتا توقيع اتفاقيتين أو معاهدتين مختلفتين كلها في شأن ترسيم الحدود. حيث كانت فرنسا واسبانيا تتصارعا على المنافذ والخطوط والمعابر وتشهد معركة تيزي بشكل واضح على ذلك الصراع .
بهذا المشروع ستتصل قبائل لاخصاص لأول مرة في التاريخ بساحل ايت باعمران …ويبقى السؤال المطروح هو إلى أي حد يستطيع هذا المسلك الطرقي في تفكيك البنيات الذهنية القائمة بين مجال النفوذ الفرنسي سابقا ومجال النفوذ الاسباني سابقا ؟ وهذا توجيه للباحثين للاشتغال حول التمثلات والذهنيات في هكذا مواضيع.

النقطة الثانية التي أريد الاشارة إليها هي دور مركز ايت باعمران أو ما يسمى حاليا بالخميس أو تيوغزى الذي يمر(المركز) وسطه هذا الطريق . فلاشك أن مركز الخميس بدأ مؤخرا يستعيد حيويته ككارفور تجاري واقتصادي ولكن على المستوى الرمزي والاجتماعي باعتباره عاصمة لايت باعمران فإنه فقد هذا الدور التاريخي بعد ظهور التقسيم الاداري والحضري بعد سنة 1969 وانتقلت العاصمة والثقل إلى مدينة إفني التي خلقتها اسبانيا أساسا كبديل اداري وسياسي لتجميع ايت باعمران وتذويبهم في مدينة بيروقراطية وعزلهم عن محيطهم القبلي ومقر قيادتهم، ومراقبة موظفيها في الصحراء. على اعتبار أن المدينة هي فكرة مقابلة للقبيلة من أجل الاستحواذ والاحتواء والمزيد من التحكم والضبط. وهو الشيء نفسه قامت به فرنسا في لاخصاص وبيوزكارن وقبلها فعل المخزن في تأسيس تزنيت كبديل عن مدينة اليغ بتازروالت ….
بهذا المشروع سيكون الخميس نايت باعمران هو نقطة الوسط والمرور بين لاخصاص وافني وهذا دور مهم جدا سيساعد الخميس كمركز في اعادة التموقع اجتماعيا واقتصاديا وحتى في جانب المواصلات . ولكن هل سيؤدي ذلك الى استرجاع الدور التاريخي والرمزي كمركز لقبائل ايت باعمران ؟ أم أنه سيبقى تجمعا اسمنتيا يربط فيلاج ب فيلاج آخر.
لاشك أن ظهور شبكة طرقية معبدة ساهمت بشكل كبير في قتل مناطق كثيرة وإحياء مناطق أخرى بديلة ومصطنعة. وإن كانت الطرق لها ادوار تنموية مفيدة للغاية الا أنها تشكل إحدى الوسائل الناجعة التي تستعملها الدولة كجهاز في مخططاتها لتفكيك المنظومات المجالية والقبلية واعادة صناعة خريطة ترابية بديلة للضبط والتحكم والمراقبة عبر ادارة ترابية موازية لشبكة طرقية ذات اهداف مرسومة من قبل الدولة المركزية. وهذه خطة تركتها فرنسا في المغرب حين كانت تتوغل في الدواخل والهوامش وتزحف على اراضي القبائل فكانت تؤسس مراكز ادارية في مناطق خالية أو صغيرة جدا، كانت تبني فيها مركزا عسكريا صغيرا بجانبه بريد وبعض المساكن الاخرى على شكل شارع واحد وبعد مرور الوقت اصبحت هذه المراكز التي كانت للمراقبة الاستعمارية اصبحت بعد الاستقلال مراكز حضرية وشبه حضرية على شكل شارومصطنع طويل توجد به ادارات عمومية …ثم تأتي الطرق لكي توسع مجال الضبط وتفكك المنظومة الاصلية وتفتح أفقا أخرى لصناعة شخصية مجالية وترابية جديدة ذات مقومات أخرى وهوية أخرى وتسميات جديدة جلها هجينة ومفركة الخ. مثلا كانت لاخصاص كمجال وكقبيلة تاريخية مهمة واصبحت اليوم تطلق على بلدية محدودة جغرافيا او كسوق محدد زمانيا وانتهى اسم تداول ايت باعمران كمجال جغرافي وتم تعويضه باسماء جماعات ترابية محدودة اغلبها غير معروف كما ظهر اسم مدينة سيدي افني وهو ما لم يكن معروفا من قبل بهذا الاسم . عرجنا على هذه النماذج بسرعة فقط لكي نبين أن فتح مسلك طرقي له وظائف اخرى مثل التي نصادفها في حالة فتح ادارة ترابية جديدة. فالطريق أداة سياسية وإدارية لممارسة السلطة.

النقطة الثالثة التي أرى أنها ذات أهمية بالغة في كلامي هذا حول طريق لاخصاص إفني وهي مدخل لفهم هذه الافكار البسيطة التي طرحتها هنا . أفضل أن أطرحها على شكل تسائل وليس سؤال وهي لماذا ترفض الدولة المغربية الى حد الان تدريس اللغة الاسبانية لابناء آيت باعمران كما هو منصوص عليه في معاهدة فاس 1969 التي بموجبها خرجت اسبانيا من إفني ؟ اكثر من ذلك لماذا ترفض حتى ادراجها كمادة اختيارية في مرحلة الثانوي الاعدادي على الاقل في مدينة افني على غرار مدن أخرى ويكون الحل الوحيد لمن أراد تدريس اللغة الاسبانية الانتقال الى تزنيت أو أكادير ؟
ما علاقة مشروع طريق لاخصاص افني في سنة 2018 باتفاقية الهنا ومعاهدة أمزدوغ سنة 1934 وبمعركة تيزي وبتدريس اللغة الاسبانية ؟ من حقك كقارئ طرح هذا السؤال ومن واجبي أن أعذرك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *