آراء

سيدي إيفني..حزب الشفوي

تنشغل المعارضة “المدرحة” ، هذه الأيام بشيء واحد هو استجماع كل قواها “الحية”  على أمل  تنزيل المادة  70 من الميثاق الجماعي، وطلب إقالة  رئيس المجلس البلدي لسيدي افني عبد الرحمان فبيان. لا شيء يخطر ببالها سوى هذا الامر بكل تأكيد.

وهكذا عوض أن يتشكل فريق إنقاذ كفؤ، و محصن من تلك الامراض الايديولوجية، من شأنه أن يخلص سيدي افني من واقع الغرق الذي يهدد حاضرها ومستقبلها ، تظل الأنظار وللأسف معلقة على امل “التغيير” ، وممن ياترى ؟ من معارضة  مشلولة، فاقدة للشيء الذي تريد أن تعطيه،  وعاجزة بالمرة عن الوقوف في وجه الرئيس بشكل   يردعه عن الاستمرار في تدمير الشأن المحلي بعد الفشل في  تدبيره. معارضة  تمضي  كل وقتها  في الاجتهاد من اجل استمالة المزيد من المستشارين الى جانبها عبر اساليبها الخاصة جدا، لعلها  تحظى  بالاغلبية المريحة الضامنة لإدراج نقطة المطالبة باستقالة الرئيس  في جدول اعمال الدورة املا في وضع حد لولاية فبيان.

والواقع ان هذه  المعارضة المزعومة ليست افضل حالا من الرئيس الحالي الذي   اختار منذ اليوم الاول تمثيل  مصالح الدولة الاسبانية في المغرب  عوض الدفاع عن مصالح المنتخبين المغاربة الذين صوتوا عليه.

ولعل اول ماقام به بمجرد جلوسه على كرسي السلطة هو الظهور بقميص جمعيته الاسبانية ” أصدقاء افني” اثناء حوار مع الراحلة  “افني 24”  بعث من خلاله رسالة ولاء ووفاء لأحبائه في الضفة الأخرى على حساب سيادة الدولة المغربية التي يمثلها من خلال موقعه.

وبعد  خروج الرئيس “مايل” من خيمة تدبيره، فهم  رئيسه في  جمعية “اصدقاء افني “، لويس رويث غوتيريث،  الرسالة السياسية الخطيرة التي اتته من داخل مؤسسة منتخبة، ليخرج هو الاخر  خلال  مقابلة اذاعية بتاريخ 4 مارس 2016، مصرحا  بأن سيدي افني كانت دائما جزءا لا يتجزأ من الدولة الاسبانية منذ القرن الخامس عشر، في محاولة إضافية منه  لخلق مرجع تاريخي قد  يشكل اساسا “قانونيا” لمطالب انفصالية.

وسواء كانت نوايا فبيان سليمة او عكس ذلك فهذا  يوضح في كل الاحوال الاخطار التي تترتب عن وجود اشخاص في مواقع ذات حساسية مفرطة، كمؤسسة رئاسة المجلس البلدي التي صارت طوال العشرية الاخيرة، على  وجد التحديد، نكتة يتندر بها القاصي والداني، ورغم كل  ذلك فان حزب “الشفوي” لا يزال يملك “السنطيحة”  لاحتراف الضحك على الذقون انطلاقا من مقره الدائم في الفضاء الوهمي.

وكأن كل ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لفبيان ،  فقد بادر  بعدها  الى ترجمة مشاعر الولاء  تجاه الاسبان الى لغة الاقتصاد،  حيث سافر الى جزر الكناري بهدف استيراد الماعز من هناك لتربيته بسيدي افني. ليتأكد بالملموس ان الرجل يضع على رأس اولوياته تحقيق مصالحه الاقتصادية دون ان ينسى طبعا  مصالح اسبانيا الاقتصادية و السياسية على حد سواء.

كل هذا لم يحرك شعرة واحدة في شعر “المعارضة”، بل على  العكس من ذلك، فقد ظلت  تتنقل  من موقع الى اخر حسب أحوال الطقس السياسي ، وما  ان فتح لها الرئيس  المجال “لتسرح”  على سجيتها، و تتغذى على ما يكفيها من الكلأ السياسي حتى غضت الطرف “موضوعيا”،  و حولت وجهة نظرها ذاتيا  نحو تصفية الحسابات السياسية  مع مستشارين اخرين. وبهذا  يتضح أن معارضة سوء التسيير  ليس مبدأ ثابتا  بقدر ما هو “برنامج مرحلي” ينتهي مفعوله بمجرد الاستمتاع بعلاقة القرب من الرئيس، و خصوصا عندما يحضر الطاجين، ويوضع القرآن على مائدة “الزرود” في استغلال فاضح للدين من اجل أغراض سياسية، كما شهدت على ذلك صورة جماعية لطرفي “النزاع”  في خلوة كان فيها الشيطان ثالثهما.

انها الثغرة التي احدثها الرئيس، و استغلها بدهاء ليعزز نفوذه  محركا المستشارين مثل البيادق على رقعة “الضاما” السياسية، و التي ساعدته على ان  يظل “ضايم”  في نهاية كل جولة من  اللعبة،   فيما تتحرك “المعارضة” متثاقلة و متخلفة عن اداء دورها الرقابي. وهكذا نكتشف من حين لاخر ان احد المستشارين فقد موقعه، و  “تكال” على حين غرة،  تماما كما يحدث لكل البيادق  “المنفوخة”.

والواقع ان حل الازمة السياسية  التي تعيشها سيدي افني ليس منحصرا في اقالة  الرئيس و انتخاب آخر  بقدر ما يتمثل في ضرورة الوقوف اولا  عند الاعطاب البنيوية التي تجهض  قيام  تجربة  مختلفة عن  تجارب الفشل  السابقة .

وما لم يبادر زعماء  الاحزاب السياسية الى  تصريف هذا الفعل في الحاضر من اجل مستقبل المدينة، ومغادرة طوعية  لحزب “الشفوي” صوب بناء جماعي لحزب النقد الذاتي من اجل إصلا ح حقيقي،   فما عليهم إلا ان يُحضروا أنفسهم  لأخذ الموقع المناسب لهم  في مزبلة التاريخ. تماما كما وقع لسابقيهم ممن يوهمهم الأنا  المتضخم بأنهم  لا يزالون على حياة.

فالتعرف على سبب الداء وتشخيصه لاشك أنه  سيؤدي الى وضع نهاية   لكارثة تدمير الشأن المحلي. أما زمن المعجزات فقد   ولى الى غير رجعة فاتحا الباب أمام التدبير الدنيوي العقلاني للأمور،  بعيدا عن نبوءات الخلاص الفارغة التي تطلقها بيادق ذات طموح زائد عن حدوده،  لا يهمها  سوى التموقع على رقعة التمثيلية

لالتهام ما تجده في طريقها، قبل ان “تضيم” هي الاخرى وتنسى كل شيء وراءها.

لذلك، لا يجب على عاقل أن يعلق الكثير من  الامال على ما ستقوم به “المعارضة”، ظنا منها أن تحسن فعلا، ولا على فبيان حتى وإن طال عمره السياسي على كرسي الرئاسة، فطرفا هذه الازمة كلاهما جزء من المشكلة لا من الحل،  يحملان  من  العقد الذاتية والموضوعية التي لم  و لن تنفع الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *