آراء

بوشطارت يكتب: الحسين الملكي :مالك للمعرفة وملك للجميع

توفي المرحوم المحام الاستاذ الحسين الملكي بمدينة الرباط يوم 2 ابريل 2018 ودفن جثمانه في مقبرة الشهداء يوم 3 ابريل بعد صلاة العصر.
كان سي الحسين قيد حياته انسانا استثنائيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى. كان رجلا عالما في القانون وتفقه فيه إلى أبعد الحدود، حتى وإن لا توجد حدودا للعلم والمعرفة. شخصيا تعرفت على الاستاذ المرحوم بعد قدومي إلى الرباط منذ سنة 2006 في لقاءات خاصة وندوات ثقافية متفرقة، وتوطدت المعرفة أكثر بعد منع الحزب الديموقراطي الامازبغي المغربي، حيث كثرت لقاءاتنا تقريبا كل أسبوع، وتحمس كثيرا للدفاع عن الحزب في المحكمة وضرورة إعداد ملف قانوني وترافعي محكم ومضبوط ضد دعوى وزارة الداخلية لإبطال وحل الحزب.
كان المرحوم الاستاذ الحسين الملكي عضوا بارزا ضمن هيأة الدفاع عن الحزب الامازيغي التي تتكون من 12 محاميا ومحامية. وتقدم الاستاذ الملكي بثلاث مذكرات وهي :
– مذكرة جوابية لاثارة دفوع شكلية أولية ( الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية ) ، سجلت بمحضر جلسة 17 يناير 2008.
– طلب ادخال الغير في الدعوى (الفصل 103 من قانون المسطرة المدنية ، جلسة 17 يناير 2008. المطلوب ادخاله في الدعوى : المعهد الملكي للثقافة الامازيغية في شخص ممثله القانوني عميده.
-مذكرة جوابية/أولية في موضوع الدعوى مسجلة في محضر جلسة 13 مارس 2008.
وساهم الاستاذ الملكي كذلك بمعية اساتذة آخرين في مذكرات تعقيبية لفائدة الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي ضد السيد وزير الداخلية الذي كان ينوب عنه الاستاذ عبدالجليل التهامي الوزاني .
الاستاذ الحسين الملكي، بالرغم من أنه يعرف ان المحاكمة سياسية صرفة إلا أنه اجتهد وتحمس كثيرا لكي تكون المعركة القانونية لصالح الحزب الامازيغي داخل المحكمة ويبين مدى بطلان دعوى وزارة الداخلية .
وقد جمع المرحوم كل أوراق وسندات ملف محاكمة الحزب الديموقراطي الامازيغي من مذكرات الاساتذة ومرافعاتهم ودعوى وزارة الداخلية …في ملف /كتاب سماه المرحوم “قضية الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي في مواجهة : دعوى التمييز العرقي والعنصري ” وهو كتاب ضخم ضم أزيد من 300 صفحة وسلمه الاستاذ الحسين الملكي لامغار الحزب الاستاذ احمد الدغرني .
حقيقة بذل المرحوم الحسين الملكي مجهودا كبيرا جدا وانجز عملا توثيقيا صعبا وشاقا استغرق فيه وقتا طويلا وأجهد فيه كل طاقاته. وذلك لجمع ملف الترافع لصالح الحزب الامازيغي ضد دعوى وزارة الداخلية، وكان يدرك الاستاذ المرحوم تمام الادراك أنها دعوى فيها الكثير من التمييز والحيف والظلم..
كان يدافع عن حق الحزب في الوجود بكل تواضع وفي صمت ولم يفعل ذلك حبا في منصب أو تموقع أو تسلق. يشتغل بهدوء وبجد قل نظيره.
هكذا إذن تعرفنا على الاستاذ سي الحسين وتعرف علينا هو كذلك، وتوالت لقاءاتنا وجلساتنا بمعية صديقه الاستاذ أحمد الدغرني، عادة ما نجلس في المقاهي المجاورة لمنزله بزنقة مالي بحي المحيط..ونتناقش قضايا كثيرة و الامور المستجدة وغير المستجدة….
للاستاذ الملكي الحسين فلسفة خاصة في الحياة وسلوك خاص في التعامل، وطريقة شيقة في الحديث. استفدت منه أشياء كثيرة جدا، استمرت صداقتنا بعد محاكمة الحزب، ففي كل مرة نلتقي فيها لابد أن يسألني عن الحزب الامازيغي ومصيره…
الاستاذ الملكي قاد معركة قانونية هادئة حول سياسات نزع اراضي القبائل والمجموعات السكانية، وكان الدليل القانوني الوحيد تقريبا الذي لا يبخل في نشر مقالات واجتهادات قانونية لتنوير عموم المواطنين في كيفية تقديم التعرضات القانونية ضد مساطر التحديد الملك الغابوي وفي هذا السياق قمت باستجواب تلفزي سنة 2012 معه في مكتبه بحي ديور الجامع بشارع الحسن الثاني بالرباط ضمن برنامج مبعوث خاص في حلقة خصصت لما يسمى بتحديد الملك الغابوي، وكان هو الذي شجعني على تناول هذا الموضوع، و قمت بتصوير الحلقة في منطقة آيت باعمران لانها كانت تعيش صراعا بين المياه والغابات والساكنة المحلية حول مسألة التحديد. وقد تحدث الاستاذ المرحوم للبرنامج عن القوانين التي يتم بها التحديد باعتبارها قوانين استعمارية وعن امكانية التعرض ومسطرتها …. الخ…
وعند نهاية تسجيل التصريح. قال لي الاستاذ ” ايس رايزري غاياد لي س نيغ ” اجبته ” لوقتنا رايزري البرنامج راداكت نيغ اوستاذ اوكان تزرت “. وفعلا جل الافكار التي قالها الاستاذ في تصريحه شاهدها وسمعها أثناء بث البرنامج، حيث كانت تلك الافكار والتصريحات التي تنتقد إدارة المياه والغابات غير مسبوقة في الاعلام العمومي آنذاك.
الملكي الحسين يتميز بذكاء نادر ويؤمن بالتدرج والانفتاح والتعامل مع الجميع، ويستمع للجميع.. بغض النظر عن المواقف المسبقة، والتموقعات الحزبية والايديولوجية ، ينشر مقالاته القانونية واجتهاداته على جريدة العلم، بحكم صداقاته الكثيرة مع اساتذة في حزب الاستقلال، يؤمن بالقضية الامازيغية ومتشبث بروح الارض والانتماء إلى المحلي بقبيلة لاخصاص، فهو يشكل في الحقيقة حلقة ضمن سلسلة علماء سوس..سيمتهم العلم الغزير والتواضع الكبير.
لم يأبه بصالونات الرباط ولم تستهويه مظاهرها ولا الاحياء البورجوازية للعاصمة . و شاءت الاقدار والصدف أن نكون جيران المرحوم سي الحسين نتقاسم معه نفس العمارة في ملتقى زنقة فاطمة الفهرية مع زنقة مالي من سنة 2010 إلى 2012 تقريبا
معروف داخل أوساط المحاميين في الرباط بالجدية والاجتهاد والحنكة المهنية إلى حد أن محاميي الرباط يتوجسون من إسم الحسين الملكي حتى لا يكون موكلا مرافعا لصالح الطرف الآخر، في قضية من القضايا المعروضة في المحاكم، لانهم يعرفون اجتهاداته القانونية ودقته في قراءة النصوص والملفات المعروضة، قارئ متبصر ومجتهد مؤول ….
لم يكتف الاستاذ بعمله كمحامي داخل المحاكم فقط، وإنما جعل نفسه شمعة تحترق من أجل ايصال المعرفة القانونية والقضائية والعرفية لعموم الناس، إنه يمارس مهمة المتنورين . أخرج نصوص العرف الامازيغي من الاندثار والنسيان واختار قضية الحقوق المالية للمرأة كما هي منصوص عليها في عرف تامزالت واخرجها ونشرها في جزأين تحت عنوان الكد والسعاية لكي يستفيد منها المجتمع ويقدم بها اجابات لاشكاليات قانونية عويصة كقضية المرأة، وقد استفاد من اجتهادات الاستاذ الملكي المجتمع والدولة على حد سواء. ألم يكن هذا رجلا تنويريا.؟

كذلك فعل الاستاذ في قضية الحقوق الجماعية للاراضي السلالية ألف فيها عدة أجزاء، تضم مجهود جبار ونفس توثيقي هائل في جمع وتصنيف وترتيب النصوص والاحكام ودراستها. يقوم بتلك الاجتهادات ويطبع تلك المؤلفات من ماله الخاص لأنه يعرف جيدا أن اغتصاب الاراضي ونزع ملكيتها يتم عن طريق القانون والتلاعب به…. وبذلك يتطوع الاستاذ المرحوم في جعل المعرفة القانونية والمسطرية في متناول الجميع.
في جنازة المرحوم الحسين الملكي مشى الامازيغي بجانب القومي العربي والعلماني بجانب الاسلامي والمتحزب بجانب غير المتحزب …الاستاذ بجانب التاجر المناضل بجانب المثقف والفقيه …مشا وراء جثمانه جمهور غفير من النخبة والمحامين والمحاميات والمناضلين والمناضلات من شتى الحساسيات الايديلوجية والفكرية ….
هو المرحوم الاستاذ الحسين الملكي كان يشتغل في صمت وفي الظل وكسب قلوب واحترام الجميع.
قبل شهور على وفاته اقترح علي الاستاذ انجاز حلقة تلفزية حول موضوع التحفيظ العقاري، وقبلت اقتراحه …ونرجو أن ننجز ذلك الاقتراح في مستقبل الايام وفاء للعهد وروح استاذنا الجليل المرحوم سي الحسين الملكي رحمه الله.
ع. بوشطارت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *