ملفات

باحث يسلط الضوء على تقرير غوتيريس قبل قرار مجلس الأمن

لا شك أن أي متتبع بشكل دقيق لتحركات البوليساريو المسنودة من الدولة “الشقيقة” الجزائر، في السنوات الأخيرة، يدرك أننا أمام عمليات تكتيكية متسلسلة ومتنوعة (سياسية، عسكرية، قانونية، اقتصادية) ضد المصالح العليا للمملكة المغربية. على سبيل المثال “تحرك عناصر من ميليشيات البوليساريو بمنطقة المحبس وبئر لحلو أو تيفاريتي أو الكركرات سابقا، وكذا قرار محكمة العدل الأوربية”.

البوليساريو تهدف من وراء هذه العمليات التكتيكية إلى أهداف إستراتيجية، أهمها التموقع في قرارات مجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة. والهدف أنها تريد أن تكون الطرف الأساسي في النزاع، خاصة بعد القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، الذي يحمل الدولة الجزائرية المسؤولية، ويعتبرها إلى جانب موريتانيا الطرف الأساسي في حل نزاع الصحراء؛ إذن هي تريد أن تقوض هذه المقاربة الأممية لتكون هي الطرف الوحيد والأوحد بالنسبة للصراع، وهذا يخدم النظام الجزائري.

لكن، ورغم المكر الدبلوماسي والمناورات السياسية والتضليل الإعلامي المفرط للجزائر وجبهة البوليساريو ضد المغرب، جاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر يوم الأربعاء 04 أبريل 2018 مخيبا لآمال وتوقعات خصوم المملكة.

تقرير أنطونيو غوتيريس المرفوع إلى مجلس الأمن تضمن حيثيات غاية في الأهمية، وجب استثمارها من طرف الدبلوماسية المغربية في أفق التأثير الإيجابي على قرار مجلس الأمن الصادر الأسابيع المقبلة.

ولهدف تقريب القارئ من هذا التقرير، سنحاول استعراض أهم مميزاته وخلاصاته.

تقرير غوتيريس لسنة 2018 جاء عملا بقرار مجلس الأمن رقم 2451 لعرض ما جد من تطورات، ووصف الحالة على أرض الواقع، ووضع المفاوضات السياسية المتعلقة بالصحراء والتقدم المحرز فيها والصعوبات الراهنة التي تواجه البعثة الأممية، والخطوات المتخذة منها من 30 أبريل 2017 إلى 30 أبريل 2018؛ كما أنه جاء نتاج مناقشات وملاحظات تلقاها من الدول، إذ وصلت المسودات إلى حوالي خمس كان يتم تنقيحها بناء على ما يستجد إلى أن وصلنا للصيغة النهائية التي تم تقديمها لمجلس الأمن، والتي ستكون الأرضية التي سيعد من خلالها قرار المجلس.

-1 – الهندسة الشكلية للتقرير

تميز التقرير بلغة دبلوماسية بوليميكية ذكية. وهو من الناحية الشكلية لم يعرف تغييرات جوهرية مقارنة بتقرير أبريل 2017. ويتكون هذا التقرير من ثمانية محاور: (1 مقدمة، 2 عرض مفصل حول التطورات الأخيرة حول الصحراء، 3 تقديم مفصل حول الأنشطة السياسية، 4 وصف مفصل لأنشطة البعثة، 5 عرض مفصل حول الأنشطة وحقوق الإنسان، 6 فقرة مختصرة حول الاتحاد الإفريقي، 7 تقديم مفصل حول الجوانب المالية، 8عرض الملاحظات والتوصيات التي سترفع لمجلس الأمن الدولي).

-2 – قراءة لأهم المحاور والفقرات في تقرير غوتيريس

تضمنت المحاور نقطتين أساسيتين؛ أولهما “تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء هو الألماني كوهلر، وأيضا الكندي كولن ستيوارت ممثلا خاصا للأمين العام للصحراء رئيسا للبعثة”. ثانيا تحديد رؤية ومرجعية التقرير.

* التطورات الأخيرة بالصحراء

نص التقرير في فقرته 5 على أن مجلس الأمن الدولي أقر بالأزمة الأخيرة بالمنطقة العازلة بسبب خرق ميليشيات البوليساريو للاتفاق، وتأكيد المغرب أن الاتفاق العسكري رقم 1 مازال صالحا ويشكل ضمانة للحفاظ على وقف إطلاق النار. كما أقر التقرير بحدوث تدخل لميليشيات البوليساريو في منطقة الكركرات، والذي اعتبره خرقا لاتفاق إطلاق النار الموقع سنة 1991.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المحور تضمن 3 فقرات مهمة جدا (5 و7 و8)، حيث اشتمل على نقاط أثبتت تواطؤ النظام الجزائري وفضحت ميليشيات البوليساريو بالمنطقة العازلة، نجملها في ما يلي:

– نزاع الصحراء يقع ضمن الاختصاص الحصري لمجلس الأمن الدولي؛ وبالتالي تم قطع الطريق على محاولة اقحام الاتحاد الإفريقي في النزاع.

– تعرية الواقع المأساوي الإنساني والحقوقي بمخيمات اللاجئين تندوف.

– عدم تعرض التقرير لحكم محكمة العدل الأوربية. وهذا أمر غاية في الأهمية.

– إشارة التقرير في الفقرة 11 إلى خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السنوية 42 للمسيرة الخضراء، الذي حدد فيها 4 مبادئ “ثابتة” كشرط أساسي لتعاون المغرب مع المبعوث الشخصي للأمين العام والالتزام بالمشاركة في العملية السياسية.

* الأنشطة السياسية

تطرق هذا المحور إلى أنشطة المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، والتي تدل على إرادته استئناف العملية السياسية بروح ودينامية جديدة، مشيرا إلى تشبث جلالة الملك محمد السادس بمرجعية التفاوض وفق مبادرة مشروع الحكم الذاتي، واعتبار الجزائر طرفا أساسيا في الصراع.

كما أشار التقرير الأممي إلى خطورة الوضع الأمني على الحدود الجزائرية التي تتواجد بها البوليساريو بعد تحويلها إلى مرتع للإرهاب؛ وهذا أمر يثير قلق الأمم المتحدة وكل القوى العظمى.

هذا المحور أشاد بدور الجيش المغربي في الإجراءات المتعلقة بالألغام، إذ ذكر التقرير أن الجيش المغربي قام بتطهير أكثر من 144770000 متر مربع غرب الجدار الرملي، وتدمير 1121 صنفا من الألغام، بما في ذلك 1008 من الذخائر غير المتفجرة، إضافة إلى 56 من الألغام المضادة للدبابات، و56 من الألغام المضادة للأفراد.

* أنشطة البعثة

إقرار السيد الأمين العام من خلال الفقرة 36 بكون ميليشيات البوليساريو خرقت المنطقة العازلة بكيفية متكررة بين 30 أبريل 2017 و21 مارس 2018، وأكد أن عناصر جبهة البوليساريو موجودة في منطقة الكركرات حتى فاتح مارس 2018، منوها بالجيش المغربي الذي لم يرتكب أي انتهاكات لحرية التنقل خلال الفترة المشمولة للتقرير، مقابل أزيد من 192 انتهاكا للبوليساريو.

– تأييد الأمم المتحدة لموقف المغرب حول حدود مهام البعثة الأممية “المينورسو”، إذ يرفض المغرب إدراج ملف رصد حقوق الإنسان أو التواصل مع السكان المدنيين بغرض إعداد تقارير سياسية ضمن اختصاصات بعثة المينورسو؛ وهو الأمر الذي يمثل ضربة لمخططات الجزائر وجبهة البوليساريو.

* الأنشطة الإنسانية وحقوق الإنسان

ربما يمثل هذا المحور إحدى النقاط السلبية في التقرير بالنسبة للمغرب، بشكل نسبي؛ لذلك فالمغرب مدعو بشكل ملح إلى تدارك الأمر.

كما وصف التقرير الأممي الوضعية المزرية لمحتجزي تندوف بـ”الوضع الخطير”، حيث يواجه الآلاف من المحتجزين خطر الموت جراء سوء التغذية في ظل تراجع المساعدات الدولية واستغلالها من لدن قادة البوليساريو والجزائر. ولقد دقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ناقوس الخطر في تقريرها سنة 2015، حيث رصدت أن شبابا من مخيمات تندوف أصبحوا ينخرطون في الجماعات الإرهابية نتيجة اليأس والحرمان الذي يعانون منه.

* الملاحظات والتوصيات

يعتبر هذا المحور أهم جزء من تقرير غوتيريس، إذ يتشكل من 13 فقرة ستعتمد كمرجعيات لقرار مجلس الأمن الدولي ليوم 30 أبريل الجاري؛ نجمل أهم خلاصاته في ما يلي:

– رغبة السيد الأمين العام في إعطاء دينامية جديدة بتيسير مفاوضات مباشرة دون تحديد شروط.

– دعوة الجزائر إلى المشاركة في عملية التفاوض، وتحميلها مسؤولية عودة التوتر إلى المنطقة بدعمها المالي والسياسي والدبلوماسي والعسكري واللوجستيكي لميليشيات البوليساريو. وهذا يشكل انتصارا كبيرا للمغرب وجب استثماره.

– إشادة التقرير بحكمة المغرب في التعامل مع أزمة الكركرات. وتشديده على خطورة الوضع الأمني بالمنطقة العازلة.

– تجديد الأمين العام للأمم المتحدة قلقه وتخوفه من إمكانية ارتماء محتجزي تندوف في أحضان الجماعات الإرهابية.

-عبر الأمين العام عن قلقه عن مصير المساعدات الإنسانية المالية التي توجه إلى محتجزي تندوف (الفقرة 87). يرتقب أن تتجاوز سنة 2018 مبلغ 58.5 ملايين دولار، ما يستدعي فتح تحقيق.

-الحفاظ على أدوار البعثة الأممية بالمنطقة دون توسيع صلاحياتها لتشمل حقوق الإنسان، وهذه صفعة قوية للجزائر والبوليساريو.

ختاما، يظهر جليا أن تقرير السيد الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 2018 يعد أكثر التقارير الأممية انصافا للمغرب، إذ تضمن تنويها مهما باقتراحات ومبادرات البلاد أسابيع قبيل تبني مجلس الأمن لقرار جديد حول النزاع، وهو ما يمثل صفعة قوية للجزائر والبوليساريو، ويؤشر على إمكانية قوية تجاه قرار لصالح المغرب، إذا أحسنت الدبلوماسية المغربية استثمار مضامين التقرير.

لكن أمام المغرب تحديات على مستوى عدة أصعدة، خصوصا المجال الحقوقي الذي هو في حاجة إلى مجهودات جبارة. كما أن على المملكة المغربية ترسيخ مقاربتها الجديدة لإدارة ملف نزاع الصحراء، إذ وجب انتهاج مقاربة هجومية، وهذا يمر عبر الجهة الشرقية للجدار والجهة الجنوبية؛ فهذا جزء لا يتجزأ من التراب الوطني ومن الوحدة الترابية والوطنية.

في السياق نفسه يجب على الأحزاب السياسية والإعلام المغربي وممثلي سكان الصحراء أن يكثفوا تحركاتهم على مستوى أكثر من واجهة لإعطاء المقاربة الدبلوماسية الجديدة للمغرب بعدها الاجتماعي والإعلامي والسياسي والشعبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *