آراء | متابعات

الرجواني: المقاطعة ..رأي في ما يقع

يعيش الرأي العام المغربي هذه الأيام على وقع حملة مقاطعة شركة افريقيا غاز وسانطرال للحليب وسيدي علي، وهو حدث استأثر باهتمام شعبي واسع وبتغطية إعلامية قوية، وأثار بالفعل نقاشا ، وأحيانا، جدلا لا يخلو من تشنج، بين مؤيدين ومعارضين، ذهبت كل طائفة منهم مذهبا في قراءة الحدث وتأويله بما يسوغ موقفها ورؤيتها.
والواقع أن الحدث في ذاته قابل لقراءات مختلفة، من عدة زوايا، ضمن سياق وطني يشوبه التباس سياسي، واحتقان اجتماعي واتساع الهوة بين النخب السياسية وعموم المواطنين، وتراجع حقيقي للمنظمات الجماهيرية النقابية والمدنية.
من حيث الموقف العام والمبدئي، لا يمكن لأي ديمقرادي أن ينكر حق المواطنين في التعبير عما يستشعرونه من غبن اقتصادي، وقهر اجتماعي، نتيجة قسمة غير عادلة للثروة أدت إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية لحد لا يطاق ،جعل الناس ” الغلابة” في الهوامش يسكنهم شعور ب”الحكرة”.
أمام تراجع الفعل النقابي والسياسي الملتزم بقضايا الجماهير من جهة، وما يسرته تكنولوجيا المعلومات، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، من فرص التواصل الافتراضي، وبث المعلومة وانتشارها من جهة ثانية، كان من الطبيعي أن يبدع الناس أشكالا جديدة للاحتجاج على ما يضر بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ويحط من كرامتهم.
نعم، اختبر المغاربة ، عبر تاريخنا المعاصر، كل صيغ النضال، من إضرابات قطاعية وعامة، ومسيرات، واعتصامات، وإضرابات، وعرائض، لتحقيق مطالب سياسية ونقابية وحقوقية، ومن حقهم اليوم، أن يبدعوا أساليب أخرى للاحتجاج على الفساد، وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وتجميد الأجور، وتدمير البيئة، وتدني الخدمات بجل المدن المغربية، واتساع رقعة البطالة، وما إليها من تجليات تداعيات نموذج تنموي، بعترف اليوم الجميع بإفلاسه، وهو النموذج الذي عارضته القوى السياسية التقدمية منذ بداية الستينات، لما عملت القوى الرجعية على فرض اختيارات لا شعبية، وغير ديمقراطية، من خلال مؤسسات مغشوشة تؤثثها أحزاب مصطنعة.
غير أنه من غير المقبول أن يتسم موقف المقاطعة هذا بانتقائية واضحة، لا يسندها أي مبرر واقعي، اللهم إذا كان الراي العام يشتغل وفق أجندة سياسية لم يقدر أصحابها على الكشف عن هوبتهم. هناك بالفعل أسئلة تفرض نفسها: لماذا شركات بعينها دون أخرى تنتج وتوزع نفس المواد وتبيعها بنفس الأثمان إن لم تكن أثمانا أعلى؟ لماذا استهداف شركات مغربية مثل “إفريقيا غاز” و”سيدي علي”، وإغفال شركات ذات رأسمال فرنسي أو انجليزي ؟ ليس تساؤلاتنا هاته دفاعا عن أحد، كما سيعتقد بعض ” الفهماء”، وإنما هي مساءلة لمدى سداد ” التكتيك”، إن صحت الاستراتيجية أصلا. أليس من الأنجع أن تشمل المقاطعة كل الشركات المنتجة أو/ والموزعة للمواد المعنية، ولفترة محدودة، من اجل الضغظ في اتجاه مراجعة الأثمان ومراقبتها بتدخل من المصالح المختصة ومن الحكومة؟ أليس من الأجدر المطالبة بمحاربة الاحتكار وفصل المال عن السياسة، بدل أن نجعل من الخصومات والمنافسة السياسية معولا لهدم الاقتصاد الوطني؟
ما يقع اليوم هو تحول نوعي في صيغ الاحتجاج، يسائل بالتأكيد علاقة الدولة بالمجتمع، ومسؤولية الأحزاب والنقابات في القبض على نبض الشارع والتفاعل معه إيجابيا. ويسائل بنفس القدراقتصاد الريع الذي يعد الوجه الأبرز للنموذج التنموي التبعي والمتخلف، وعلاقته بالسياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *