المغرب الكبير

بالجزائر .. شاحنات القمامة لتوزيع قفة رمضان

في الأسبوع الذي يسبق رمضان من كل سنة، يترقب “حفيظ” وعائلته، من قرية البردية بمنطقة بني وسين (شرق الجزائر)، إطلالة مصالح البلدية؛ لإعطائهم سلة من الإعانات الرمضانية من مواد غذائية وبقوليات ومواد تنظيف وغيرها.

وتسبق هذه الإعانات جملة من الإجراءات، يصرح حفيظ (58 عاماً)، وهو أب لـ5 أولاد، لـ”عربي بوست”، بأنها “تصل لحدّ التحقيق في مدخول العائلة الشهري، وعدد المرضى وطبيعة المرض، مع تقديم وثائق وبطاقات توثق تلك الوضعيات”.

كل هذا الحرص والعراقيل في بعض الأحيان، يضيف، “تأتي من أجل قُفَّة لا تتعدى قيمتها في أحسن الظروف 3000 دينار جزائري (35 دولاراً)، ويتم توصيلها بشكل مهين”.

شاحنة القمامة لنقْلها!
قضية توصيل سلة الإعانات الرمضانية للعائلات الفقيرة والمعوزة في الجزائر أثارت جدلاً واسعاً، يضاف إلى كل ما أثير في قضية “من يستفيد، وقيمة الاستفادة وغيرها”. وأصبحت الشاحنات الخضراء اللون، التي خصَّصتها الدولة عبر مختلف البلديات لنقل القمامة والقاذورات، تحمل أكياساً وسلالاً بها مواد غذائية موجَّهة لاستهلاك المواطنين. ويؤكد محدِّثنا أنه استقبل مساعدات هذا العام عبر شاحنة، كانت تزورهم قبل سنوات لجمع القمامة، وحينما سأل عن القضية قيل له إن الشاحنة مغسولة ومفروشة.وكانت القضية قد أثارت جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، لما انتشرت صور الشاحنة وهي تجوب شوارع مدينة بني وسين، وتقوم بتوزيع الإعانات على العائلات المعوزة.

رئيس بلدية بني وسين، عباس لوصيف، أكد لـ”عربي بوست” صحة المعلومة، وقال: “نعم، تم في غيابي توزيع القفف الرمضانية بالاستعانة بشاحنة كانت تنقل القمامة”. الشاحنة، يضيف، “هي حالياً مسخَّرة لأغراض أخرى، ومهمتها في جمع القمامة انتهت منذ 3 سنوات، بعد تكفُّل شركة خاصة بعملية الجمع، لكن المواطن ما زال مرتبطاً بفكرة أن الشاحنة هي للقمامة”.

بالغرب أيضاً
لا يختلف حال توزيع قُفة رمضان بين الشرق والغرب الجزائريَّين؛ ففي منطقة مسرغين بولاية وهران 450 كم غرب العاصمة الجزائر، استقبل المواطنون مساعداتهم عبر شاحنات رمي القمامة. وأكدت تقارير إعلامية محلية، وبالصور الموثقة، قيام مصالح البلدية بتسخير شاحنات جمع القمامة لتوزيع الإعانات، كما تظهر عمال البلدية وهم يقدمون تلك المساعدات على المواطنين. وكانت جريدة “الخبر” الجزائرية قد أوردت القضية في صدر صفحتها الأولى، واعتبرتها فضيحة تهز مدينة مسرغين في وهران، وقد تجاوب مع منشور الجريدة على فيسبوك الآلاف من المتابعين.

من الإعانة إلى الإهانة
انتقد بشدة، سوالم رشيد عضو جمعية حقوق المستهلك الجزائري، في حديثه لـ”عربي بوست”، الطريقة التي تتم بها مساعدة المحتاجين في رمضان، واعتبرها مسيئة أكثر منها مساعدة. وقال في هذا الشأن: “الدولة أرادت مساعدة المحتاجين والفقراء كما عودتنا كل عام، لكن تحولت تلك المساعدات ببعض الولايات إلى إهانة صريحة لكرامة الإنسان، جمعيتنا تندد بشدةٍ، تلك الطريقة التي اعتمدتها البلديات في توزيع قُفة رمضان”. وأجمع المواطنون، ومن ضمنهم محدِّثنا “حفيظ” من قرية البردية ببني وسين، على أن تلك المساعدات أصبحت رمزاً لإهانة الفقير قبل استفادته منها وبعدها.

“قُفة العار”
الحقوقي والخبير الاقتصادي فارس مسدور انتقد بشدة، قيام رؤساء البلديات بتوزيع المساعدات الاجتماعية لشهر رمضان من خلال شاحنات مخصصة لرمي القمامة، ووصف ذلك بالإهانة. وتساءل “مسدور”، في حديثه لـ”عربي بوست”: “لا ندري كيف يفكر مسؤولونا المحليون؟ وكيف يرون هذه الفئة من الفقراء والمعوزين؟ وهل حقاً هم يتعاملون مع البشر؟!”. وأضاف أن “الطريقة التي رأيناها بأمّ أعيننا في توزيع قفة رمضان ببعض ولايات الوطن لا يستطيع أحد تكذيبها، ولا حتى فهمها، فتلك العائلة التي اجتمعت لانتخاب هذا المسؤول، أصبحت تهان بشاحنات رمي القمامة”. ويرفض المتحدث إطلاق قفة رمضان على تلك المساعدات؛ لأنها لا تحمل تلك الأوصاف الكريمة التي تحفظ للمرء كرامته عبر أحياء وأزقَّة المدن الفقيرة بالجزائر؛ بل هي -كما قال- “قفة العار التي أساءت إلى العائلات والجزائر”. فبالإضافة إلى إيصالها للمعوزين على متن شاحنات القاذورات، يضيف، “فقفة رمضان باتت فرصة للاستغلال من قِبل البعض، ويستفيد منها الأغنياء أيضاً، وأحياناً تحتوي مواد منتهية الصلاحية، وغيرها من الأشياء التي تجعل منها قفة العار بحق”.

لماذا لا تكون عبر إيصالات وصكوك؟
إزالة الإهانة التي يتعرض لها المواطنون بما يسمى قفة رمضان، في نظر الحقوقي والمحلل الاقتصادي فارس مسدور، تكمن في عقود شراكة بين البلديات وبعض الأسواق والمحلات. بحيث يتم تقديم إيصالات للعائلات المعوزة والفقيرة، وهي تتوجه إلى تلك الأماكن لاختيار ما تحب شراءه من المواد الغذائية والفواكه والخضراوات، بالقيمة المحددة في ذلك الإيصال. وبهذه الطريقة، يضيف، “يتم القضاء على المهازل المسجلة كل سنة، وتحفظ للمواطن كرامته، من خلال إعطاء قيمة في الحرية والاختيار، وبعيداً عن الأضواء والصور المسيئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي”. لكن وبأسف، كما قال، “هناك مسؤولون لا يحبذون هذه الطريقة، وسيقفون صفاً ضدها؛ لأنها ستغلق عليهم أبواب التلاعب في صفقات التعامل مع المموَّنين”. الإعلامي بالتلفزيون الجزائري كريم بوسلام، ومن خلال تغريدة عبر التويتر، انتقد بشدةٍ طريقة تعامل السلطات مع الإعانات الرمضانية. وكتب يقول: “أتمنى أن تتوقف مهزلة قفة رمضان ويتم اللجوء إلى الصكوك؛ حفظاً وصوناً لكرامة الناس”.

تحقيق
إطار بولاية وهران -يرفض الكشف عن اسمه- يؤكد لـ”عربي بوست” أن وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية قد باشرت في التحقق بشأن طريقة توزيع القفف الرمضانية بالولاية. وتضم البرقية التي وصلت للولاية، كما قال، “كلاماً شديد اللهجة، يكلف لجان التضامن والشؤون الاجتماعية والمديريات، وكذا البلديات، النظر في طريقة توزيع قفة رمضان، خاصة ببلدية مسرغين التي انطلقت منها القضية”. أما رئيس بلدية مسرغين، فقد أكد خلال التحقيق معه من طرف لجنة خاصة شكَّلها المحافظ، أن الشاحنة ليست لرمي القمامة، وإنما كانت مخصصة لحمل البضائع والأغراض، واتهم بعضَ الإعلاميين بمحاولة تشويه وإثارة قضية وهمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *