طب وصحة

د. سعادة: متى يصبح الخوف من المرض… وسواساً؟

إنّ القلق والخوف من الإصابة بمرض معيّن، أمر طبيعي جداً يمكن أن يصيب أيّ فرد منّا، خصوصاً وأننا نعيش في زمن تغزوه الأمراض الخطيرة التي تكون في كثير من الأحيان قاتلة. لكن، متى يتخطّى الأمر هذا حدوده الطبيعيّة ليصبح أشبه بوسواس مرضي (Hypochondria)؟«بداية يجب التمييز بين الفوبيا أي الخوف غير المبرّر، والوسواس الذي يخلق هاجساً للإنسان يدفعه للعيش بأفكار معيّنة لا يمكنه طردها من ذهنه». هكذا بدأت المعالجة النفسيّة والأستاذة الجامعيّة د. كارول سعادة، حديثها مع «الجمهورية». وأضافت: «إنّ الخوف حالة طبيعية مهمّة كثيراً للحفاظ على كيان الإنسان. فإذا لم يخف، يكون مهمِلاً ومتهوّراً.

لكن عندما يتخطّى القلق المرحلة الطبيعية ويؤثر في حياة الفرد اليومية وصحّته النفسيّة والجسديّة وعلاقاته مع محيطه، ندخل في اضطراب الفوبيا. أمّا الوسواس بالمرض، فهي حالة امتلاك الفرد لأفكار دائمة بأنّه يعاني أمراضاً معيّنة، أو خوفاً مفرطاً من الإصابة بمرض خطير. وبحسب إحصاءات عالمية، فإنّ 2 إلى 5 في المئة من الأشخاص يواجهون هذا الإضطراب».

وتابعت: «عند وصول الأمور إلى أقصى حدّ، يمكن أن يؤدي الوسواس إلى القناعة بالمرض حيث تصبح المشكلة أكبر بما أنّ الفرد يقتنع جديّاً بمرضه، ولكنّ الفحوصات والأطباء يعجزون عن كشفه.

إنّ هذا الإنسان يعيش هاجس صحّته، والموضوع الأساسي الذي يهمّه يتمحور حول صحّته، فيخضع لفحوصات منتظمة»، مشيرة إلى أنّ المريض في هذه الحالة «يعاني بالفعل من أوجاع يمكن أن تنتقل في كثير من الأحيان من جزء إلى آخر في جسمه، ولكنّ مصدرها نفسيّ وليس لديها أي سبب عضوي».

واستكملت د. سعادة حديثها: «توجد ثلاثة أشكال من الإضطراب: الشكل الإعتيادي الذي يشمل القلق والتعب النفسي والخوف، وهي المشاعر التي تدفع المريض إلى استشارة الطبيب بسرعة طارئة للإطمئنان. أمّا النوع الثاني فيتمثّل بالإستسلام للمرض، حيث يتوقّف الفرد عن الطعام ويعاني من التعب المزمن والإنزواء وكأنّه يعيش المرض.

في حين أنّ الحالة الأكثر تقدّماً والمعروفة بالنفاسيّة، ففيها يملك المريض قناعة قويّة بمرضه تأتي على شكل أفكار وهلوسة والشعور بأمور في جسمه هي غير موجودة».

مسبّبات الوسواس

وعن العوامل التي تحفّز نموّ الوسواس بالمرض، أجابت د. سعادة: «إنّ أساس هذه الإضطرابات يأتي من الطفولة والتربية، إلّا أنّها تظهر في عمر المراهقة وتتطوّر مع الوقت، حيث أنّ الصدمة أو موت أحد الأقارب أو أي عامل قديم مثل وسواس الأم على طفلها أو الخوف من مرض وراثي… يؤدي إلى تحفيز نموّ هذا الإضطراب. وكذلك فإنّ كبار السنّ قد يصابون أيضاً بهذا الإضطراب، لكن في هذه الحالة يكون الأمر خوفاً وقلقاً من الإصابة بمرض مرتبط بتقدّم العمر أكثر من مرض متجسّد في الشخصيّة».

وشدّدت على «أنّ وسائل الإعلام والأبحاث المنتشرة على الإنترنت والهادفة إلى التوعية حول أمراض معيّنة، تقوّي هذا الإضطراب، ولكنّها بالتأكيد ليست السبب المباشر وراءه إنّما من الأمور التي تشجّع المريض على الغوص أكثر بهذا الإضطراب»، مؤكّدة أنّ التوعية والحملات مهمّة جداً في أيّامنا هذه ولا يمكن الإستغناء عنها نظراً لدورها الإيجابي الكبير في الوقاية من أخطر المشكلات الصحّية».

أمراض يخافها أكثر من سواها

وأشارت د. سعادة إلى أنّ «مريض الوسواس بالأمراض يخشى المشكلات الصحّية عموماً، والسرطان ومختلف الأمراض الخطيرة المتدوالة في المجتمع خصوصاً.

وعند تسليط الضوء على سرطان الثدي مثلاً أو التصلّب المتعدّد أو حتّى مرض النسيان والألزهايمر، ينتابه خوف شديد. مع العلم أنّ هذا الأخير غير ثابت، إنّما يتجدّد، ومع مرور كلّ فترة يخاف المريض من مرض معيّن وذلك مرتبط بما يسمعه ويعيشه في حياته».

وكشفت عن أنّه وفي حال بلوغ قمّة اليأس والإنزواء والتوقّف عن الطعام، «يصبح الوضع أشبه بحلقة مفرغة. إذ إنّ المريض قد يعاني من اضطرابات في النوم وأوجاع في القلب والمعدة بسبب التعصيب، ومن «دوخة» واضطراب الجهاز الهضمي مثل الإمساك والإسهال.

لكن اللافت أنّ المصاب بوسواس الأمراض، تدوم مدّة حياته بما أنّه يخضع لفحوصات طبية منتظمة ويأخذ أدوية تعالج أي مشكلة منذ بدايتها ولا يسمح لأيّ مرض بالتطوّر».

مراحل العلاج

لكن كيف يمكن مساعدة المريض في التغلّب على اضطرابه؟ أجابت د. سعادة: «بصراحة ما يحصل أنّه ومع مرور الوقت، قد يملّ الطبيب من المريض الذي يتصل باستمرار ويريد الخضوع لفحوصات إضافية. لذا عادة ما يتمّ تحويله إلى طبيب آخر أو حتّى يتوجّه المريض من تلقاء نفسه إلى طبيب آخر بعد التأكّد من أنّ الأوّل لم يستطع كشف مرضه. أمّا الحلّ الأنسب في مثل هكذا وضع، فهو توجيه المريض إلى معالج نفسي.

لكن المشكلة الكبرى أنّه لن يتقبّل العلاج النفسي لأنّه سيعتبر أنّ الأطباء النفسيّين لن يقتنعوا بأنّه مريض جسديّاً، في حين هو مقتنع بمرضه. لذا ما هو مثالي القول له إنّ القلق والكآبة المهيمنين عليه، يعملان على زيادة الأوجاع التي يشعر بها. وبذلك فإنّه سيتقبّل فكرة التوجّه إلى طبيب نفسي».

وأوضحت أنّه «غالباً ما يستغرق إقناع المريض بزيارة طبيب نفسيّ سنوات طويلة. لكن بالتأكيد عند تقبّله الوضع، فإنّ جلسات معدودة قد تساعده على البدء بالإرتياح، وهنا يتمّ الإستعانة بالعلاج السلوكي والمعرفي. وبالتأكيد يحتاج أيضاً إلى علاج دوائي مثل مضادات للكآبة والقلق».

وأنهت د. كارول سعادة حديثها المُثير للإهتمام قائلة: «صحيح أنّ المحيطين بالمريض سيواجهون الكثير من الصعوبات، ولكن من المهمّ عدم موافقته على المشكلات الصحّية التي يدّعي الإصابة بها، وفي الوقت نفسه عدم تركه وإهماله لأنّ ذلك سيؤدي به إلى تدهور صحّته.

الأفضل إذاً محاولة علاجه والوقوف إلى جانبه من دون تصديق الأمراض التي يشعر بها ومن دون الإستهتار بحالته لأنه فعلاً يعاني»، لافتة إلى أنّ «هذا الإضطراب غير شائع كثيراً ومن الطبيعي أن يمرّ الفرد بقلق في حياته يدفعه إلى الوسوسة بالأمراض، ولكن يجب ألّا يدوم ذلك لأكثر من 6 أشهر».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *