ملفات

سعيد أيت بعزيز.. مكتشف أول موقع أركيولوجي في قاع البحر بالمغرب

أصبح سعيد بعزيز، وهو شاب من مواليد آسفي (1984)، صاحب أول اكتشاف أركيولوجي في قاع البحر بالمغرب بعد عثوره على سفينة حربية يمتد عمرها، حسب المصالح المختصة بوزارة الثقافة لأزيد من أربعة قرون.

بدأت علاقة هذا الشاب النحيف البنية والهادئ الطباع بالبحر منذ السنوات الأولى من عمره بحكم قرب منزل أسرته من شاطئ آسفي، غير أنه لم يكن يدري أنه في يوم من الأيام أن غوصه في قاع البحر سيمتد إلى الغوص في أعماق الأسئلة الأركيولوجية الخاصة بالمغرب ومنها الأسئلة المرتبطة بالأبحاث الأثرية تحت المائية.

وفي سرده لقصة هذا الاكتشاف لم يستطع بعزيز إخفاء الشعور بالانبهار التي التبست به في اللحظة الأولى لعثوره على قطع هذه السفينة، التي لا تبدو منها، حسب حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء، سوى رؤوس مدافعها الجانبية وكرات حديدية متناثرة وقد تحجرت مظاهرها بفعل عوادي الزمن. أما هيكلها الرئيسي فلا يزال غارقا تحت رمال الموقع.

فالنزول إلى هذا القاع، وإن كان وليد الصدفة، فإنه ليس بالأمر الهين. فقد تطلب الأمر منه سنوات طوال من المعاناة ومن التحصيل الأكاديمي والعلمي بعد توقف عن الدراسة النظامية في سنة 2003 لظروف خاصة كان البحر بالنسبة إليه سيد الموقف.

فهذا البحر الأطلسي الممتد عبر كل الآفاق والأزمنة شكل له لمدة ليست بالقصيرة مصدر عيش، حيث كان يعمل، في البداية وقبل مغادرته فصل الدراسة، على جمع الطحالب لتوفير مصاريف الدراسة ومساعدة أسرته المكونة من ستة أفراد. وستزداد مسؤولية بعزيز بعد وفاة والده قبل حوال عشر سنوات.

استشعر بعزيز وهو بين أمواج البحر صباح مساء أن كسب رهان الخوض في هذا الفضاء الشاسع من المياه المالحة كما هو الأمر في فضاءات الحياة العامة لن يتأتى بالشكل الذي يريده إلا بالحصول على تعليم أكاديمي وعلى شواهد تؤهله لمقارعة المستقبل من الأيام. فلم تكن كل المحاولات التي جربها ناجحة دائما.

فقد كان على هذا الشاب الذي يترأس حاليا لجنة الغطس في النادي الدولي للرياضات البحرية بآسفي، أن يمضي زهاء ست سنوات من الجذب والتجاذب، بين مياه البحر والمدارس المختصة في الغطس بالدار البيضاء، لكي يبدأ في منتصف سنة 2010 في حصد أول دبلوم أكاديمي يعترف له بالمستوى الأول كغطاس محترف، وهو المستوى الذي يخول له الغطس لمسافة تتراوح ما بين عشرة و15 متر تحت الماء له، وحصوله السنة الماضية على دبلوم غطاس محترف من الدرجة الثالثة التي تسمح له بالغطس والاشتغال على مسافة أربعين متر تحت الماء من الفدرالية الفرنسية للرياضة تحت المائية. هذه الشهادات مكنته من الاشتغال مع بعض الشركات المغربية المختصة في البناء والترميم والتلحيم تحت الماء.

وإلى حدود أحد أيام أبريل الماضي لم يكن بعزيز، وهو يواصل سرده لأطوار الاكتشاف البحري الذي نسبته وزارة الثقافة لاسمه الخاص، يتجاوز منطقة الكاب أو راس البدوزة، وهي النقطة الواقعة على بعد 30 كلم شمال ميناء آسفي، والتي تعد أقرب نقطة جغرافية في الساحل الإفريقي من القارة الأمريكية، لكنه في هذا اليوم بالضبط قرر الغطس في اتجاه جنوب الميناء، إنه فقط حدس شخصي يدفعه لمقارعة هذا المحيط الغامض، فكانت اللحظة التي أرعشت جسده تحت الماء، فكتم سرها ولم يبح بها إلا للسلطات المعنية.

وقد اعتبرت المصالح المختصة بالمآثر التاريخية بوزارة الثقافة في تصريح للوكالة أن هذا الاكتشاف الأول من نوعه على الصعيد الوطني والذي قد يعود تاريخه إلى الفترة السعدية، التي كانت تعتمد التسليح قبل حوالي 400 سنة، يعطي صورة مصغرة عن مدينة آسفي وعن مكانتها في المبادلات التجارية والمختلفة مع البلدان الأوروبية المجاورة خاصة بريطانيا والبرتغال والاسبان.

وأوضح نفس المصدر أن هذا المعطى الجديد يطرح العديد من الأسئلة المتعلقة بالبحت الأركيولوجي البحري المغربي وكذا من حيث الحفاظ عليه خاصة من طرف المواطنين ومستعملي البحر مضيفا أن الأمر يفتح المجال واسعا أمام الأبحاث تحت المائية التي أصبح لها اهتمام عالمي على المغرب أن يستفيد منه.

ومن جانبه أكد كمال لمدرعي مهتم بالتاريخ البحري بآسفي أنه إلى جانب الأهمية لهذا الاكتشاف الذي تم على يد الغطاس المغربي بعزيز فإنه يعتبر فرصة لبداية الاهتمام الفعلي بالتاريخ البحري في المغرب خاصة فيما يتعلق بالأبحاث الأركيولوجية.

وحتى يتم التعامل مع هذا الاكتشاف بشكل علمي دقيق وفي غياب مؤسسات وطنية مختصة بهذا الجانب أشار لمدرعي، في تصريح مماثل إلى وجوب اللجوء إلى التعاون الدولي مع بلدان صديقة ذات خبرة واسعة في هذا الميدان، مشددا على ضرورة إشراك الأطر المغربية في عمليات التنقيب من أجل اكتساب التجربة والخبرة في أفق بتطوير القدرات الوطنية في البحث الأركيولوجي المغربي.

وأبرز كذلك أن هذا الاكتشاف يعد حافزا لإعادة النظر في الترسانة القانونية المغربية المنظمة لهذا المجال بهدف تجميع المؤسسات الحكومية والخاصة في مجال البحث الأركيولوجي البحري.

وقد قامت في هذا الإطار بعثة علمية مكونة من قطاعات حكومية تحث إشراف المفتشية الجهوية للمعالم الأثرية والتاريخية بآسفي خلال هذا الأسبوع بزيارة الموقع رفقة مكتشفه، الذي فتح آفاقا جديدة للاشتغال هذا الموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *