آراء

كيف تدبر السلطة السياسية بالمغرب؟

إن أكثر التجارب السياسية بالمغرب، منذ الإستقلال إلى اليوم، تفيدنا تماما أن الكائن السياسي المتحكم في دواليب القرار، ويشارك في العملية السياسية جزء من جماعة أو بالأحرى منظومة عرفت بنظام “المخزن”.

يعني أن كل العمليات التي ترمي إلى الفعل السياسي كيف ما كانت توجهاته لا يمكنها في حال من الأحول، أن ترقى إلى مستوى تطلعاته وطموحاته الفكرية دون أن تخضع لمراقبة أجهزة المخزن ورضاه، وهو عمل لنظام يركز على المقاربة الأمنية في معالجة قضايا المجتمع.

فكل العمليات السياسية التي تم فيها التبادل في إدارة وتدبير الشأن السياسي بالمغرب، عادة ما تتم برضى الدوائر المخزنية، فعندما يتم الاحتفاظ برعاية الطقوس المخزنية العتيقة التي تراعي الظهائر والعائلات المخزنية العتيقة، فهذا ليس له إلا معنى واحد وهو صناعة النخبة المخزنية وشخصيات يقال عنها مهمة حتى تصير محل احترام، بل فبركت قوانين التي من شأنها أن تخلق خللا في النقاش العمومي، وهي وسائل تبريرية أكثر منها إقناع أطراف العملية السياسية التي تمثل مرآة يتقاضى من أجلها الممثل السياسي، ليس فقط في المساهمة في عملية “الديمقراطية المخزنية”، بل أيضا في شرعتنها لدى الرأي العام الدولي.

فالأحزاب السياسية مثلا وهي من الوسائل في الأنظمة الديمقراطية التي يمكن أن توصل الحزب أكثر شعبية إلى القرار السياسي وحكم البلاد وهي عملية مشروعة في علم السياسية، تتم وفق إرادة الشعب وعن طريق انتخابات نزيهة وتنافسية جديرة على المستوى البرنامج السياسي، غير أن المنظومة المخزنية”، أو بالأحرى المرجعية المشرقية، تعتبر الشعب مصدر خطور، ينظر إلى أفراده كرعايا وليس مواطنين وهو الأمر الذي يجعله خاضعا لأجندة إدارة الظل، وليس مخيرا، وتلك المكانيزمات، تخضع لطقوس تعود إلى الفترة الاستعمار الفرنسي ظل فيها الإنسان مسيرا وتابعا، وهي حالة الزوايا، والأحزاب السياسية اليوم التي أفرغت من محتواها كخصوصية غربية، فتحولت في منظومة الشرق أشبه بالدكاكين، يتم الترويج لمنتوجها الانتخابي في كل موسم، دون أن تعتمد على آليات العمل السياسي المعروفة في البلدان الديمقراطية كالتأطير ووضع البرامج.

في حين يتم خلق بدائل يستغل فيه الوضع الاجتماعي للأفراد، حيث أن اغلب تجمعات الأحزاب عبارة عن ولائم يتم الإعداد إليها بمنطق إطعام مسكين، الغرض منها الإمساك بهذه الفئات الإجتماعية المقهورة، وأحيانا تقدم لها وعودا كاذبة ومظللة وتارة أخرى يتم إخضاعها أو ارشائها أو بغيرها من العمليات الدنيئة التي تجعل الفعل السياسي بعيدا عن البرنامج ومصلحة الأمة.

إجمالا، فصناعة الأحزاب والرموز في المغرب، ما تزال خاضعة لمنطق المخزن ومازال يتصرف بعقلية الغنيمة في مواقع المسؤولية ووظفت في تنفيذ املاءات إدارة الظل وتحريكها لقضايا تراها مصيرية لمصالحها، هذه آليات وان كانت تبدو للعموم بديهية إلا أن في عمقها تخضع لقواعد قانونية، رعاية لكل طارئ ولكل احتمال، فهي التي تخضع لوصاية وزارة الداخلية، وتخوض الانتخابات بواسطة الأعيان بواسطة نمط اقتراع خاص وتقطيع مفبرك، كما تم إعداد قانون الأحزاب السياسية الذي يستثنى فئات تمنع في تأسيس الأحزاب كالأحزاب الجهوية.

إنها آليات التعامل مع الفعل السياسي، والتنظيم السياسي الساعي إلى الوصول إلى دواليب القرار، وهو الأمر الذي ظل قائما، منذ الإستقلال إلى حكم محمد السادس، هذا هو في شكله العام، الواقع الاجتماعي للسلطة بالمغرب، ومنها السلطة السياسية، وعلى ما يبدو فإن رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران استوعب هذا المفهوم متأخرا بعد استفراده بالمفاوضات وموافقته على مطالب مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار الذي تسلم مفاتيح بيت المال المغاربة، وكان تبريره في ذالك أنه يرغب في إنجاح تشكيل الحكومة، وأن تستمر التجربة الحكومية الى نهايتها.

وهنا نتساءل لماذا تم الإبقاء على بن كيران على رأس الحزب البيجدي؟ هل إرضاء للمنظومة المخزنية؟ أم لشعبيته داخل الحزب؟، وهل فعلا يتخيل لمريدي الشيخ أن تجربة حكومتهم ستستمر الى نهايتها؟ خاصة إذا استحضرنا صراعها المرير مع صديق الملك وهو مستشار ملكي اليوم؟

أسئلة كثيرة والقائم أن حكومة بن كيران توهم المغاربة بمحاربة الفساد والإستبداد وهي غير قادرة على ذالك إطلاقا، هي حكومة تصريف أعمال المخزن استطاعت أن تقمع الشعب، وأن تمرر قوانين لم يكن بمقدور حكومات سابقة تمريرها، فخالفت وعد الناس في ظل فرصة الإستقرار وحتما مصيرها مزبلة التاريخ.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *