آراء

مول الطاكسي

في رحلة لي إلى جامعة ابن زهر، قررت وذلك بعد عقدي لقمة طارئة مع نفسي، لدواعي أمنية لا يعلمها إلا من ضاق مرارة “الأوتوبيسات بمدينتنا”، أن أرفه عن نفسي قليلا بركوبي “الطاكسي” بدل “الأوتوبيس”، بعد حصولي على منحتي السنوية من السيد المحترم والدي. وفي أثناء ركوبي جلست إلى جوار سيدة أوجعت رأسي بكلامها عن “فضيحة الناظور” المتعلقة بالصورة التي قام أحدهم بنشرها على الموقع الإجتماعي “الفايس بوك”، والتي تضمنت مشهدا مخلا بالحياء العام، والتحريض على الفساد ما عرف باسم ” قبلة الناظور”.

فتظاهرت بالنوم كي لا أخوض معها في الكلام لكني سرعان ما استسلمت له، وكأن شيئا سد أذني بالقطن، ووضع ترباسا على فمي، ودق مسمارين في مقعدي. فلم أكن أتحرك يمينا ولا شمالا. حاولت السيدة مرات تلو المرات، إيقاظي بكلامها سائلة حضرتي عن كوني على اطلاع بفضيحة، “قبلة الناظور”. لكني تمسكت بموقفي، وكل نكتة جاءت في رأسي شنقتها فورا. وكل محاولة للتعليق على الموضوع أخمدتها حينها. وتخيلت نفسي بطلة تخوض معركة ضد الكلام، ونجحت في أن أسكت نفسي لكون لا الزمان ولا المكان يصلحان لمناقشة مثل هذه الترهات، حيث يلزمها غرفة مغلقة “للنساء فقط”. عوض مناقشة الأمر في “الطاكسي”. فيستمتع “مول الطاكسي” بكلام السيدة حول الموضوع. فمرة يرد على كلامها بتعليق دسم. ومرات يكتفي بالقهقهة، التي ما فتئت أن تهزني هزا. فرب قائل “مصائب قوم عند قوم فوائد”.

ولا يستقيم يوم “مول الطاكسي: بدون النقرات على زر تغيير الموجات بجهاز الراديو في “الطاكسي” الخاص به. فكانت النقرة الأولى على صوت الإعلامية “شروق”. على راديو “أطلنطيك”. في برنامجها “نوضح ليك”. فكانت المفاجأة تزامن موضوع حلقة ذلك اليوم مع نفس موضوع سيدة “الطاكسي”. لكن في سياق مغاير. بنكهة “للكبار فقط” “وليس لكل الكبار”. مع الدكتور أبو بكر حركات. ما زاد من حدة النقاش. وزادت معه قهقهات “مول الطاكسي”.

فسألت نفسي حينها هل تمت فعلا للإعلام المغربي يد في الأمر. ومع نفسي قلت طبعا: وحتى ولو كان ظني في محله، فهناك ألف وسيلة ووسيلة، فالإعلام الغربي يتربص بنا في كل مكان، والعربي يعيش ونتعايش معه. والشبكة العنكبوتية تستيقظ وإيانا، والتي أضحى الكل يعرف لها طريقا اليوم، فكل الطرق تؤدي الى “السيبير كافي”. درهمان فقط و”شوبيك لوبيك” الأنترنيت في خدمتك بعيدا عن رقابة الأبوين. تساءلت وتساءلت وما لي من جواب !!

شخصيا أعجبني الأمر، وفي نفس الوقت آلمني ذلك بقدر ما أسعدني، وتعذر علي فهم ما يجري حولي. فما تلك الصورة التي نشرت على الموقع الاجتماعي “الفايس بوك”. سوى واحدة من تلك الصور الحية التي نراها في كل ركن، قرب الإعداديات والثانويات في الجامعات وأحياءها، وكان من ضمن ما حيرني، ما قامت به شرطة الناظور باعتقالها للقاصرين وحرصها المفاجئ هكذا على احترام الآداب العام، وحرية المواطن، بتجنب رؤيته لمثل تلك التصرفات الطائشة، التي تمسنا كشعب مسلم محافظ. أظهرت من خلاله شرطة الناظور همة وتفانيا في العمل يثير الإعجاب والاستغراب في آن واحد. فهذا ليس بالجديد فشرطتنا دائما في خدمة المواطن. فإذا افترضنا أن الأمر كذلك. فماذا تفعل أوكار الدعارة المنظمة وغير المنظمة في أحيائنا الشعبية، والراقية في فنادقنا. فلتقم تلك الشرطة بجولة في الشواطئ المغربية ليلا لترى بأم عينيها ما آل إليه الوضع، ولتقم بنزهة في الحدائق العمومية لترى الطامة الكبرى، فلا أحد ينكر أن ما قام به القاصران خطأ لكن على الشرطة أن تنظر حولها بعينين جاحظتين حتى لا تفاجئ بما هو أشد. وإذا كانت الشرطة فعلا تسعى لخدمة المواطن كما تدعي، فثمة أعداد من المواطنين يستنجدون بها يوميا، ولا أحد يستجيب. حتى ولو كان العكس، فهم يصلون متأخرين بمعية من أحدهم. وإلا فلن يكترث لك أحد.

ما أدهشني فعلا مناداة البعض بضرورة إطلاق سراح القاصرين، باسم الحرية الفردية. فعن أية حرية تتحدثون. والمواطن المغربي ليس باستطاعته التجول لوحده في مدينته في عز النهار. إلا وبادروا بالاعتداء عليه من “الكريساج” أليست هذه حرية فردية، لكل مواطن الحق في أن يتمتع بها، والتي على الأمن الوطني أن يحفظها ويصونها، أليست حرية فردية أن أتجول في الشارع العام بكل حرية وبدون مضايقات.

ما نؤمله فعلا أن تكون فضيحة “قبلة الناظور”. التي هزت الرأي العام، عبرة لكل أسرة فشلت في تربية فلذات أكبادها. وتكون بداية لعهد جديد، لولادة شرطة اسمها “شرطة الأخلاق” في بيوتنا لا في الشارع. فلا أحد يستطيع أن يربي أبنائنا إن لم نكن نحن القدوة لهم، فموضوعنا ذو شجون. لكن لا يسعنا في هذا المنبر إلا أن نقول “لا حول ولا قوة إلا بالله”.

على طول المسافة المتبقية يأتي دور الموجة الثانية، وعلى إيقاعات أغنية “ست الحبايب” على راديو “مول الطاكسي” أكملت الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *