آراء

ماذا لو حفرنا في ذاكرة شهر نونبر؟

يشكل شهر نونبر من كل سنة لحظة استلهام لدروس مضت، إلا أن من عادة رواد التاريخ الرسمي التذكير بوقائع دون أخرى، وهو ما يمس في العمق الهوية الوطنية، ويقلل من أهمية الاعتزاز بالمفاخر بداء بتهميش صانعيها.

شهر نونبر تحدث فيه الجميع عن معجزة المسيرة الخضراء، وكيف أن الراحل الملك الحسن الثاني حلم ذات يوم برؤيتها في المنام، ويعتبر حلما من منجزات جلالته، ربما يكون الراحل أيضا عبد السلام ياسين زعيم جماعة والإحسان هو الأخر تنبآ برؤيته المشهورة وبحلم “القومة “، وشاءت الأقدار أن ينتظرها أتباعه، إلا أن تحققت هي الأخرى ولو بصيغة مختلفة كما أراد لها أن تكون في ما بات يسمى “بالربيع العربي”، أو الربيع الإسلامي.

الرؤيتان جديرتان للتمعن الجامع بينهما الحلم السياسي، أو الرؤية الدينية التي هي خاصية الفكر المشرقي، مسيرة الراحل الملك الحسن الثاني اتخذ لها اسم لون أخضر، هناك من يقول أن اختياره للون الأخضر بهدف إعطاء إشارة مسبقة أنها سلمية، خاصة وان مسيرة أخرى قد سبقتها ابتكرها الرئيس الصيني الأسبق ماو تسي تونغ، وسماها المسيرة الحمراء، وربما تكون لدلالة الأسماء معاني تسري على توجه الحاكمين.

وعندما نستحضر علاقة الراحل الحسن الثاني بالمعسكر الشيوعي، أو” الرخو Rojo “، نجد انه القاسم المشترك والجامع بينه وبين فرانكوا ، فإذا كان الملك الحسن الثاني يسانده المعسكر الليبرالي في مسيرته الخضراء اتجاه الصحراء، فان فرنكوا بدوره يؤيد الملك الحسن الثاني باعتباره امير المؤمنين المعادي “للرخو”، ونحن نعلم أن محاربة فرانكوا للشيوعية كانت اشد، وهذه الحرب المفتوحة ضدهم، تلقى فيها دعم خاص بتأجيج عواطف المسلمين في المستعمرات ومنها طبعا في افني والصحراء داعيا إياهم في محاربتهم لأنهم كفار، وهي الوسيلة التي اقنع بها جيوش طوابيره في افني والصحراء لمحاربتهم.

المسيرة الخضراء أيضا ترتبط بالراية الخضراء وهي رمز الإسلام الوهابي، حيث كانت دول الخليج حاضرة بقوة في هذه المسيرة ، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية . وحتى نكون اقرب الى الحقيقية، ونحلل أحداث شهر نونبر بعيدا عن اللغة الرسمية نطرح أسئلة المؤرخ خاصة وان التاريخ لايريد الكثيرون تذكره ، بكل بساطة كما قال أحد المفكرين: “عدو رجل السياسية هو المؤرخ، لأنه يذكر ويتذكر”.، فنحن أيضا سنحاول أن نذكر بتاريخينا الذي وقع عليه التعتيم وكان من الأجدر تعلمه للناشئة ويدرس لأبنائنا في المدرسة.

فالتاريخ الرسمي يحتاج الى تمحيص ، أو ما يمكن أن يسميه المؤرخون مراعاة السياق التاريخي للإحداث، فماذا يعني أن نتحدث عن المسيرة الخضراء في شهر نونبر من سنة 1976، ونحن نتجاهل أن هناك سبع سنوات مضت قبل حدث المسيرة عاش فيها المغرب في حالة الاستثناء، وكيف أن حرب دائرة بافني دامت 12 سنة، وهي من أشد الحروب التي عرفها المغرب قادها اعتد الديكتاتورين الجنرال فرنكوا بدعم من أسلحة هتلر؟

آلا يصح القول أن حدث المسيرة ارتبط بترتيبات إنهاء هذا الحرب؟ ألم يتم فصل ملف افني عن الصحراء بتراضي الطرفين المغربي والاسباني، وحيث أن وزير الخارجية الاسباني أنذاك في شخص بلانكو، ووزير الخارجية المغربي العراقي، أوقعوا اتفاقا في 4يناير 1969؟ قيل حينها أن اسبانيا سلمت افني الى المغرب، وإذا ما تتبعنا طريقة التسليم، ومرافعات المستشارون في “الكورطيس” أو البرلمان الاسباني، دفاعا عن افني لتسألنا عن الصفقة التي سلمت بها اسبانيا سيدي افني الى المغرب، وكيف أن محاوري قبائل آيت بعمران في تلك الفترة لم يتم إحضارهم لأنهم فرضت عليهم الإقامة الجبرية بالجزر الكناري في حين أن البعض الآخر كان مصيره الاعتقال بسجن الداخلة؟

أليس لهذا السياق التاريخي دور في صناعة معجزة الراحل الملك الحسن الثاني؟، وكيف لا و أن الجنرال فرانكوا هو الآخر ينتظر هذه الفرصة لإنهاء كابوس كان يلاحقه الى حين أن قبض على روحه اثر أزمة قلبية، غير بعيد ان يكون سببها خسائره في حرب افني ، الذي قتل فيه خيرة رجال جيشه في معركة يعرفها الإسبان جيدا، ولا تدرس ملاحمها البطولية لأبنائنا في المدرسة.

ماذا لو حفرنا في الأرشيف الاسباني اليوم الذي يحتكره معهد ” أفيلا” بمورسيا باسبانيا، وماذا لو رفعت اسبانيا السرية على الآلاف من وثائق المرحلة، لتأكد اليوم أن هناك حدثا مهما يحتاج الى تقدير أبطال صنعوه بكل مفخرة، وهو صانع أحداث شهر نونبر المتداولة، ولو بشقيه الاستقلالي الشكلي مع فرنسا 18نونبر 1956، أو بالمسيرة الخضراء 6نونبر، إنه حدث لم يعد بإمكان هذا الجيل نسيانه، ويعني الصحراء التي يعاني اليوم إنسانها من أوهام الاستقلال تارة والاستغلال تارة أخرى.

حدث 23 نونبر 1957 ،حدث بارز في تاريخ المغرب لم يحض بعد بقيمته التاريخية ، فتعاقب الحكومات الرباط وسلا وما جورهما مند الستينات القرن الماضي الى حكومة اتحاد الشركات بصيغة إسلامية، وهنا نقصد كيف أن وزير الحكومة الحالي عين في نسخته الثانية مدراء الشركات لإدارة مصالحهم، ولا توجد ضمنهم ذرية من يمثل أولئك الذين استشهدوا في معارك ضارية، مثل ثورة 23نونبر بايت بعمران.

العجيب في أمر هذه الحكومات أن الدين قادوها من المحسوبين على المقاومة، حيث كان رائد حكومة التبادل التي قادها مقاوم من عيار عبد الرحمان اليوسفي لم ينصف أولئك الذين صنعوا منه بطلا من رجال المقاومين الحقيقيين وهم أكثر تضررا، أما الزائفون المفبركون كما تقدمهم أجهزة الدولة واستفادوا من كل صغيرة وكبيرة خاصة في مرحلة عز الاشتراكيين، وهي حالة تسئ الى وطنية المغاربة مادام أن هناك نصب تاريخي.

أما الخطيب، وهو المقاوم الذي ادمج حزب بن كيران في الحياة السياسية، هو الآخر طالما كان يفتخر برموز المقاومة وبصناع الثورة الجزائرية قبل أن يدعمها فرنكوا بدعوى محاربة “الروخو” أو الكفار إلا أن القاسم المشترك بين الحكومتين المستغلتين لرمزية الوطنية والمقاومة، هو أن لاشئ قدم لأولئك الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن.

فماذا يعني أن المائات من الملفات مازالت قابعة في رفوف المندوبية دون فحص وتدقيق، وماذا يعني أن ملفات أخرى للمعطوبين تم رفضها وذنبها في ذالك أن اجل استئنافها قد مضى دون تبليغهم بذالك ؟؟، ماذا يعني أن أرامل المقاومين لا يتقاضين سوى 400 درهم ماذا وماذا…؟

هل مجد هذا المغرب الذي صنعه هؤلاء بوطنية صادقة قد مات ولم يعد له قيمة اليوم أليس من العار أن تعزيز مثل هذه السلوكيات سيزيد فارقا في ذوات شبابنا اليوم، رغم إن استمرار الدولة في مثل هذه السلوكيات سيعمق طبعا معاناة الشعب المغربي الذي ظل عرضت سكزوفرينيا مقيتة، فلم يعد الفرد يستحمل مغربيته ببطاقة التعريف الوطنية فقط، مادام أن الذي خدم الوطن، والذي هو صادق لا يعار إليه الاهتمام أو على الأقل التقدير.

فالمغرب مازال يدفع فاتورة هذا التوجه ولعل العبرة في ظهور تيار “الانفصال” في الصحراء خير دليل عن ذالك، الى درجة اليوم أن الإنسان جرد من إنسانيته وأصبح عبدا، عرضة للبيع والشراء في المناسبات الانتخابية، وعند إدراج مشاريع التنمية وحتى في عرضه..

الاحتفال بأعياد الوطنية لايمكن أن يستثنى فيها ثورة آيت بعمران التي اطلعنا عن أحداثها من الصحافة العالمية، ورغم ذالك لم تحض بقيمتها التاريخية، ولا يتم تقدير صانعي أمجادها . إنها عقدة الاستعمار.

الفرنكوفونيون والاسبانة على حد سواء لايريدون أن يتذكروها، المغرب ملزم بالاعتذار لهؤلاء المقاومين بدءً بإعلان 23 نونبر يوم عيد وطني، فحرب افني درس لفرانكو، كما أنها درس للأخريين ومنهم طبعا أولئك المسترزقون باسم الصحراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *