آراء

رأس السنة الميلادية وأمازيغ الصحراء

احتفل الملايين من المسيحيين برأس سنة ميلادية عيد نبيهم عيسى عليه السلام ، ونظرا لكون هذا العيد يخص المسيحية دون غيرها من الديانات الأخرى، فان المسلمون يصابون بالسعار خاصة منهم العرب، ويسابقون الزمن، في انتظار و بفارغ الصبر ” bonne année ” ، وإذا بحثنا في السر ، نجد أن هذا السعار نتاج انفصام اعتقادي ، بحيث أن المسيحية تبيح المحضور عند المسلمين ، حسب تفاسير المتشددين ، أما المؤمنون بالتدين والإعتقاد أي المعتدلون منهم يبررون موالاتهم لهدا التقليد السنوي بالآية الكريمة في القران ” لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم…” ، نظرا لنفوذ إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، بحكمها يمثلان اليهود والنصارى اليوم في العالم ويتحكمان في سيادة الدول عبر التبعية الاقتصادية ونظام العولمة بصفة عامة ، الحديث عن رأس السنة الميلادية عندنا في المغرب ، ليس من باب التذكير بسنوات التخلف والإقصاء عبر تعاقب الحكومات كانت آخرها حكومة الإسلاميين ، وإنما في الحديث عن المتغيرات الجديدة التي تضرب في العمق الخطاب ” الديماغوجي ” ” كلوا لعام زين” ، فالتقارير المنظمات الدولية تبين أن هناك اهتزاز في الاستقرار النفسي للمغاربة ، فالشعب المغربي يوجد في قمة التعاسة ، ولم يعد يتذوق الاحتفالات بخصوصيته الموروثة ، ففي الماضي كان لكل عملية ترفيه قيمة إنسانية ، أما اليوم فقد الإنسان ذاته وأصبح سلعة للاستهلاك ولا تهم قيمته الكونية ، ولعلى حالات الإجرام وتفكك الأسري وانتشار المخدرات خير دليل على ذالك.

الحديث عن التعاسة لايعاني منها المغاربة فقط فهناك من يتذكر من النصارى السنة الجديدة بنكهة الأطلال فيصيب هو الأخر بالتعاسة ، وسأكتفي هنا بذكرى رأس السنة الميلادية لسنة 1957 ، ذكرى حرب افني ، وكيف أن أمازيغ الصحراء يحتفلون مع الإسبان دون عقدة التدين ، وفي تعايش لامتيل له ، لكن بعد سنة 1957 ، غاب الجو المعتاد على غرار جو مراكش اليوم مطبخ القرارات .الإسبان خاصة منهم قدماء الطوابير بافني لم ينسوا سيدي افني في ذكرى هذه السنة ، وخصصوا لها بطائق خاصة احتفالا برأس السنة ، لكن ما أثير في هذا الاحتفال الخاص لهولاء الجنود ، والضباط المتقاعدين الذين عاينوا أيام السعادة والتعاسة بافني ، هو أن الصورة الموزعة ” carte postal” المهداة الى الجميع بإسم افني عبر المواقع الالكترونية ، عبارة عن صورة الكنيسة المجاورة لساحة ” بلاسا اسبانيا” ، التي أصبحت اليوم مقر القاضي المقيم في افني ، وهي إشارة ضمنية للود والحب الذي مازال يكنه الإسبان لافني ، ليس كمدينة بخصوصيتها الامازيغية الغارقة في التاريخ ، ولكن باعتبارها مركز” القديسة سنتا كروز”، التي يؤمن بها الإسبان حتى النخاع ، الحكومات المغربية المتعاقبة والمفبركة من الرباط لاتعنيهم افني في شئ ، ولا توجد في هداياهم إشارات للتاريخ ، ولاهم يحزنون ، بخلاف النصارى ، ونكتفي بذكر نموذج من الحكايات عن رأس السنة الميلادية بعاصمة الصحراء ، يتذكر فيها العسكريون الإسبان ، كيف إستقبل سكان سيدي افني بالدموع عيد رأس السنة الميلادية لعام 1957 ، كان عيدا رهيبا في مدينة جميلة . تغيرت مراسيم الإحتفال رأس على عقب كعادة كل رأس سنة مسيحية بالمدينة، فسجلت غياب مشاهير الموسيقى من المغنيين الدين كان يرتادون إليها ، وغيرهم من الجهات الفاعلة التي يمكن أن تخفف من معانات الإسبان… معاناة من قلة الوسائل والموارد كانت مخزية فتقلصت المواد الغذائية ، التي يتم إرسالها من شبه الجزيرة الليبيرية ،الإ أن الحصار المفروض على المنطقة جعل المقاتلين الإسبان يدقون مرارة الحرب فظلوا محاصرين دون أن تصل لهم الإمدادات ، حيث راج بعد ذالك تجميعها في مدريد. ولم يصل منها إلا القليل ، وتم توزيعها في مارس متعفنة . كانت افني المدينة الإسبانية الجميلة التي تم بنائها فوق الصخور الصحراوية الجرداء ، وبتصميم دائري على بعد خمسة كيلومترات حول محيط المنطقة الأمنية المحصنة بالأسلاك الشائكة والخنادق. واستمر الأمر عما كان عليه لمدة 11 سنة، و تشكلت المقاطعات الإسبانية التي وصل عددها 51 .. وبعد استمرار مأساة الإسبان ، وأصبحوا منعزلين تماما، من جراء مقاومة الباعمرانيين العارفين خبايا الجبال والأخاديد، وكانت الضرورة تقتضي وقف حمام دم قد يؤدي إلى المزيد من الخسائر في الأرواح وهوماأدركه حينها وزير رئاسة الجمهورية كاريرو ووضع حد فاصل لمجريات حرب افني نهاية الستينات، لقد تغيرت الأمور صباح يوم 31 يوليوز 1969 ، وسوف تبذل راية إسبانيا بالعلم المغربي وتم ذالك في ساحة إسبانيا المعروفة plaza d espagna التي ظلت تحمل اليوم إسم ساحة الحسن الثاني . وبعدها ببضعة أشهر أبحر برفات القتلى الإسبان الذين سقطوا في معارك ضارية في الحرب،ونتيجة كثرة الضحايا كان يصعب وضع الموتى المدنين في مقبرة إفني التي امتلاءت عن آخرها. لقد بكى بعض الضباط بعد إعلان وقف إطلاق النار ، بل منهم من لم يتمالك نفسه ، فإستسلم لدموع الحسرة ، حدث ذالك بعد ، إنزال العلم الاسباني وتبادل تسليم السلط. أمرت السلطة الإسبانية بعد ذالك جميع المدنيين للخروج من المدينة ، ومن أجل ذالك دفعت مئة ألف بسيطة لكل منهما لإعادة بناء حياته في مكان آخر.

لقد كشفت الأيام أن المدينة كانت مكانا مظلوما في التاريخ الحديث ، ولكن التاريخ يذكر أن حياة التمدن والسعادة والتعاسة أيضا بدأ منها ، وإذا كان التيار السلفي في المغرب كان سبب خلق تعاسة لمكوناتها ، وتسبب في حرب ضارية سفكت الدماء و أهزمت فرانكوا ، فان هذا التيار مازال يحاصر عاصمة الصحراء من خلال حكومة الإسلاميين التي لم تقدم شئ يذكر بل مازالت متملصة من مسؤولياتها على رأسها كشف حقيقة قتلى حادثة لانزروتي ، الاستفادة من الثروات السمكية ، انتشار الفساد الإداري ،…، رئيس الحكومة احتفل هو الأخر بالسنة الميلادية على إيقاع راقصة مغربية كانت تهز أردافها وهي ترتدي ملابس خفيفة خضراء جدا .. بلون الرجاء ، وحيث طبلنا وزمرنا ودفنا في فرح عابر احتفالا بمشاركة الرجاء في ” الموندياليتوا” ، وما دمنا سنعود كل سنة ميلادية الى مذلتنا فسنكون بالفعل شعبا لايستحق أدنى درجة تقدير ، بل سنكون أغبياء جدا وجاحدين جدا لو لم نستفيد من عوامل تكرار تعاستنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *