متابعات

تأملات في نفاق حكومة البيجيدي .. محضر 20 يوليوز نموذجا‎

مقال رأي:

“حكومتنا ستظل وفية لالتزاماتها إزاء مواطنيها …”

تصريح لرئيس الحكومة في يناير 2012

الكل يجمع أن حزب العدالة والتنمية كان من ضمن لائحة الأحزاب السياسية التي عقد عليها المغاربة أملا كبيرا، فهو الحزب الذي صنف أنه شد انتباه معظم المواطنين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وصوتوا لصالحه في ظروف وصفت بالحرجة، ووسط سخط عارم وغليان شعبي شديد طالب بمحاربة الفساد والاستبداد.

وهي ثقة كان منطلقها الرئيسي فيما كان ينشده هذا الحزب ويعد به المواطنين والمعطلين والأجراء عندما كان في صف المعارضة، من شغل وصحة وتعليم وسكن ومحاربة للفساد واهتمام بالطبقات الشعبية .. بل إنه الحزب الذي أخد شعار حركة 20 فبراير وطمأن الجميع بأنه لن يدير ظهره لمطالب الحراك الاجتماعي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

لكن بقدرة قادر، تغير سريع للأفكار والمرجعيات والقناعات والمبادئ تحت ذريعة أن (أخوك مكره لا بطل – الإصلاح ليس بالسهولة التي نتوقعها – الاستقرار أولا …)، وغيرها من العبارات الفضفاضة التي ترتب عنها نفور وغياب الثقة في السياسة والسياسيين على مختلف انتماءاتهم، وخصوصا بعد التراجع الغير المفهوم عن تنفيذ العديد من الالتزامات الاجتماعية، وعلى رأسها التزام ملف المعطلين المعروف بقضية محضر 20 يوليوز 2011 الموقع مع تنسيقيات المحضر المذكور (الأولى – الوطنية – الموحدة – المرابطة) باعتبارها دفعة ثانية للمرسوم الوزاري الاستثنائي 2.11.100 و دلك من أجل إدماج أكثر من 3000 إطار في أسلاك الوظيفة العمومية بناء على المناصب المالية المدرجة في قانون المالية لسنة 2012.

فكما يعلم الجميع أن التوقيع والمصادقة على المرسوم رقم 2.11.100 تمت بالمجلس الوزاري المنعقد يوم الخميس فاتح أبريل 2011 برئاسة صاحب الجلالة و الذي جاء في غمرة ما سمي بالربيع العربي، والذي يؤذن بموجبه بصفة استثنائية وانتقالية إلى غاية 31 دجنبر 2011، للإدارات العمومية والجماعات الترابية بتوظيف حاملي الشهادات العليا في الأطر والدرجات ذات الترتيب الاستدلالي المطابق لسلم الأجور رقم 11 مباشرة دون الحاجة إلى تنظيم مباريات.

هذا المرسوم قال عنه بن كيران و وريث سره عبد الله باها ما لم يقله مالك في الخمر، بأنه مرسوم باطل وأكبر خطأ ارتكبته الدولة في شخص صاحب الجلالة، بل إن الدولة نصبت على أبناء الشعب بهذا المرسوم الملكي الاستثنائي، انتهى كلام بن كيران وصحبه.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تمت عملية تمديد فترة المرسوم بإجراء انتقالي قانوني ولبه اجتماعي إنه محضر 20 يوليوز 2011، الذي تم بدوره توقيعه بإرادة من صاحب الجلالة من أجل الطي النهائي لهذا الملف، كما صرح بذلك العامل السابق الملحق بوزارة الداخلية السيد محمد ركراكة إبان التوقيع.

ولن أعود إلى تصريحات الوزراء بهذا الخصوص، سواء لحزب العدالة والتنمية أو الأحزاب الأخرى المشكلة للإتلاف الحكومي، والتي عبرت عن إلتزامها بتنفيذ التزامات الدولة وذلك احتراما لمبدأ استمرارية المرفق العام، بحيث يكمن فقط كتابة محضر 20 يوليوز على الموقع الاجتماعي ” فيسبوك” أو يوتوب أو تويتر ” لتكتشفوا مدى زيف التصريحات التي أطلقت على عنانها و أبرزت من خلالها نفاق وانتهازية السياسي في تعامله مع الملفات الاجتماعية الإنسانية .

فولاية الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية، لم يرى فيها معطلو قضية محضر 20 يوليوز رغم عدالة قضيتهم وخصوصا بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط أكثر من 1000 حكم لصالح تسوية وضعيتهم الإدارية والمالية وذلك بإدماجهم في أسلاك الوظيفة، لم يشاهدوا من هذه الحكومة سوى مزيدا من نفاق التصريحات اللامسؤولة والتعنيف غير المبرر، وتدخلات أمنية تذكرنا بسنوات الجمر والرصاص، وذلك من أجل كبح أشكالهم النضالية وإصرارهم عن الدفاع عن ملفهم الذي أصبح قضية حياة أو موت.

لم يكتفي رئيس الحكومة برفض تفعيل مقتضيات محضر 20 يوليوز ، بل تمادى في تعنته حتى في تنفيذ الأحكام القضائية المؤكدة لشرعية هذا الالتزام الاجتماعي ، مفضلا الاتجاه عكس ذلك بممارسة تأثير غير مشروع على المسار القضائي للملف المعروض الآن على أنظار قضاة محكمة الاستئناف الإدارية و الذي يرجح أن جلسة المداولة و النطق بالحكم ستكون في الأيام القليلة القادمة .

لكل ما سبق ذكره جاز لنا أن نطرح سؤالا عريضا :

هل بعد هذا النفاق السياسي والعناد غير المفهوم والأذان الصماء وسحل المعطلين في شوارع الرباط و قهر المواطنين بالزيادات في الأسعار، هل يمكننا الحديث عن ثقة في الأحزاب السياسية والعمل السياسي برمته؟

إن الحصيلة الإجمالية لحكومة العدالة والتنمية فيما يخص تدبير ملف المعطلين، تعطي انطباعا باديا للعيان تؤكد من خلاله فشل برامج التشغيل (تأطير – إدماج – مبادرة) وتمادي في صراعها الشخصي مع اطر عليا درست واجتهدت، فاكتشفت أن لها شواهد عوض أن تخولهم الشغل والكرامة منحتهم البطالة المستدامة في بلد لا يعير اهتماما للرأس مال البشري.

إن جل التقارير الوطنية والدولية ومطالب الفئات الاجتماعية والهيئات السياسية، من معطلين وأحزاب وصحافيين ونقابات وجمعيات حقوقية ومختلف الهيئات، كلها الآن تطالب الحكومة بالرحيل أو إيقاف نزيف الارتجالية في تدبير الشأن العام وسياسات الاإجتماعية والسبب بسيط، إنه أخلف بما وعد و”قلب الفيستة ” وأصبح همه الوحيد هو التمسك بكرسي رئاسة الحكومة ولو كان المنقذ اليوم هو عدو الأمس.

يجب على حكومة العدالة والتنمية أن تعلم جيدا أن سياسة العناد التي تمارسها اتجاه ملف المعطلين لن تزيد الأمر إلا تعقيدا وتكريسا لوضع أكثر احتقانا، وما شهده بحر هذا الأسبوع بمناسبة إيقاف القطار المتوجه إلى مدينة القنيطرة من قبل جمعية المكفوفين المعطلين، ليس سوى نقطة في بحر من المعاناة، التيي يجب على هذه الحكومة أن تجد لها حلا عاجلا عوض استهلاك الوقت في الصراعات الدونكيشوتية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

لقد نفذ صبر المواطنين إزاء حكومة لا تعرف من أمور تدبير الشأن العام سوى الزيادة في أسعار المواد الأساسية وتقليص فرص الشغل، وإغراق كائل الدولة والمواطنين بمديونية خارجية فاقت كل التوقعات.

إن استمرار الحال على الوضعية الراهنة التي تسير نحو المجهول، فإننا يمكن القول انطلاقا مما سبق ذكره أن منسوب الثقة في التجربة الحكومية لحزب العدالة والتنمية ستتساقط مثل أوراق الخريف، بحيث لم يعد مقبولا من السلطة التنفيذية أن تتهم الآخرين بأنهم نزعوا عنها رداء الثقة.

لكن لنكن أكثر صراحة وواقعية، من يزرع الريح والوهم لا يحصد غير ما يشابهه، فإذا عدنا قليلا إلى الوراء، سنرى كيف أهدر حزب السيد رئيس الحكومة كل الفرص التي كانت متاحة أمامه مباشرة من أجل رفع منسوب الثقة، ولاسيما ثقة فئة الشباب من حاملي الشواهد العليا، لأنه اهتم بشيء واحد هو العناد والكلام المباح على عواهنه، ومن يتكلم كثيرا لا يفعل إلا القليل.

* باحث في الدراسات السياسية والقانونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *