متابعات

إحصاء صحراويي تندوف .. ورقة التوت التي ستعري عورة الجزائر والبوليساريو

بعد أن حققت الديبلوماسية المغربية الرسمية والشعبية مكتسبات كبيرة على درب تنوير الرأي العام الدولي بحقيقة قضية الصحراء، وبعد أن أفلحت هذه الديبوماسية في تسليط الأضواء في مختلف المنتديات الدولية على المناورات الفاشلة للسلطات الجزائرية، ينتظر أن تشهد قضية الصحراء منعطفا حاسما من خلال دفع الجزائر إلى السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالقيام بإحصاء شفاف لصحراويي المخيمات.

وتأتي هذه التطورات الحاسمة بعد توالي فضائح السلطات الجزائرية ومعها القيادة المتنفذة للبوليساريو فيما بات يعرف بفضيحة بيع المساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة مخيمات تندوف وهي الفضائح التي وقفت عليها أكثر من منظمة دولية وحكومية ومدنية كان آخرها البرلمان الأوروبي الذي سيناقش مقترح قرار تقدم به عدد من البرلمانيين الأوربيين إلى رئاسة البرلمان الأوروبي بهدف وقف تقديم المساعدات الإنسانية الموجهة لمخيمات تندوف.

حيث طالب النواب البرلمانيون الذين ينتمون إلى عدد من دول الاتحاد الأوربي، من خلال هذا المشروع، المفوضية الأوروبية بالوقف الفوري لمنح هذه المساعدات لمخيمات تندوف، خصوصا بعد اكتشاف عمليات بيع هذه المساعدات التي تعرض في المحلات التجارية بالجزائر وموريتانيا ومالي.

كما أوصى المشروع بتوقيف هذه المساعدات طالما أن إحصاء ساكنة هذه المخيمات لم يتم إجراؤه من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وطالب هؤلاء البرلمانيين بإحصاء اللاجئين الذين ترفض الجزائر لحد الآن السماح للمفوضية بإحصائهم.

وحسب خبراء في القانون الدولي فإن إحصاء سكان مخيمات تندوف يستجيب لضرورة انسانية ملحة بالنظر الى معاناة المحتجزين في هذه المخيمات، الذين يعيشون في غياب تام لأبسط شروط الكرامة الانسانية، ومن تم فإن عملية الاحصاء لاتختزل في مجرد كونها عملية تقنية، ولكنها تنطوي على أبعاد أساسية أخرى، من بينها البعد الإنساني الذي يتجلى في كون ضبط عدد اللاجئين يعتبر آلية لتمكين المفوضية العليا للاجئين من تقديم المساعدة الانسانية للمقيمين في المخيمات بناء على تقديرات متحكم فيها.. بما يكفل تلبية الحاجيات الحقيقية للمستفيدين.

وأمام انعدام تعداد رسمي لسكان المخيمات سبق لكل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي سنة 2005 أن قدر عدد هؤلاء السكان في 90 ألف شخص، وهي تقديرات مبالغ فيها مقارنة مع مختلف التصريحات الصادرة عن العائدين من تندوف الى أرض الوطن، والتي تجمع على أن هذا العدد هو في حدود 40 ألف شخص ، بينما تدفع كل من البوليساريو والجزائر بأن هذا العدد يتجاوز 164 ألف شخص بهدف تضخيم العدد من أجل تحويل المساعدات وبيعها.

ويتمثل البعد السياسي في كون عملية الاحصاء تسمح بتحديد الأشخاص ذوي الأصول الصحراوية والأشخاص المنتمين لبلدان أخرى ويقيمون في المخيمات، وهو ما يساعد المفوضية الأممية على القيام بدورها المؤسساتي، المتمثل في فتح حوار فردي مع الأشخاص ذوي الأصول الصحراوية حول مدى رغبتهم في البقاء بالمخيمات أو الإلتحاق بالمغرب، أو الإستقرار في دولة أخرى خارج تندوف. ومن شأن هذه العملية أن تفتح المجال لخيارات سياسية جديدة لحل النزاع في احترام تام لإرادة المعنيين بالأمر.

أما البعد الثالث فهو ذو طابع قانوني ويرتبط بما تتيحه عملية الإحصاء من إمكانيات لتحديد العدد الحقيقي للسكان الذين تتم المطالبة باسمهم بتقرير المصير، ومن تم فهذه العملية تشكل مدخلا قانونيا ضروريا لضمان ممارسة حق تقرير المصير لكونها تمكن من معرفة الحجم الحقيقي للمطالبين بهذا الحق، ومن شأن عملية الاحصاء أن تساهم في الالتزام بممارسة هذا الحق من خلال التعبير الحر عن إرادة كل شخص في إطار عملية الاستجواب الفردي من طرف المفوضية الأممية، كما تسمح هذه العملية بتوفير حماية دولية فعلية لسكان المخيمات، وبالتالي إلزام الجزائر باعتبارها البلد المضيف بتحمل المسؤولية الدولية عن حماية هؤلاء اللاجئين وذلك طبقا لمعاهدة 1951 حول اللاجئين.

وتتجلى خلفيات الرفض الجزائري للإبقاء على حالة الغموض فيما يخص أعداد المقيمين بمخيمات تندوف، في كونها لا ترغب في حصر هذه الأعداد حتى لا يتم الكشف عن تناقضات أطروحتها الخادعة القاضية بالدفاع عن حق تقرير المصير، فالجزائر تعلم أن العدد الحقيقي للمقيمين فوق ترابها في مخيمات تندوف هو في حدود 40 ألف ، أكثر من ثلثهم جزائريون أو ينتمون الى دول مجاورة ، إذ أن الاقتصار على هذا العدد للدفاع عن أطروحتها سيشكل لها حرجا كبيرا ، لذلك فإنها طالما رفضت احصاء هؤلاء.

كما لم تتردد في تضخيم عدد سكان المخيمات ، ومنذ مدة طويلة و هي تروج لما قدره 164 ألف شخص حتى تعطي لدعايتها السياسية حول اللاجئين فوق ترابها تعاطفا دوليا، هذا دون إغفال أن تضخيم عدد سكان مخيمات تندوف له عوائد انتفاعية مادية بالدرجة الأولى، فتقديم أعداد مبالغ فيها إلى المنظمات الانسانية يدفعها إلى مراعاة ذلك في عمليات توريد المساعدات الانسانية.

هذه المساعدات التي تعرف تلاعبات كبيرة وفق عدد من التقارير المتخصصة، فقد كشفت تقارير الاتحاد الأوروبي أن الهلال الأحمر الجزائري يعتبر المستفيد الرئيسي من تحويل المساعدات الانسانية الموجهة لسكان مخيمات تندوف، كما تفضح هذه التقارير عمليات الاتجار في هذه المساعدات في دول مجاورة لفائدة قيادة البوليساريو وعدة جهات جزائرية.

لذلك فإن الضغوطات الدولية على الجزائر للسماح بإحصاء صحراويي المخيمات سيشكل ضربة قاضية لمسلسل التعنت الجزائري، وسيفضح فراغ الدعاية الجزائرية، وسيسقط ورقة التوت عن عورة السلطات الجزائرية وقيادة البوليساريو، كما سيفتح أعين العالم على حقيقة الصراع بالمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *