متابعات

يونس مجاهد يكتب .. “الجيش الإلكتروني”

مقال رأي*

إذا كان التطور الهائل، الذي تشهده التكنولوجيات الحديثة في مجال التواصل، قد فتح فرصة حقيقية لممارسة حرية التعبير على نطاق واسع، فإن هذه الفرصة قد يتم إهدارها من طرف بعض الذين يستغلون التقدم العلمي، لترويج منتوج يغلّب جانب الإثارة الرخيصة وانتهاك الأخلاقيات أو يناهض العقلانية وحرية الفكر والإبداع.

تلك بعض الأفكار التي يمكن القول إنها من وحي اللقاء الهام، الذي نظم السبت 13 يونيو الجاري، في أكادير حول الصحافة الإلكترونية من طرف فرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمركز الدولي للخبرة الإستشاري ومحكمة الإستئناف، بمشاركة مهنيين وأساتذة جامعيين وقضاة ومحامين، وحضور وازن للطلبة.

من بين الملاحظات التي طرحت في هذا اللقاء، حول أداء بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، هي أن العديد منها تتجلى فيه الحمولة الإيديولوجية، بالإضافة إلى طغيان أساليب التهجم على السياسيين وتبخيس الفعل السياسي، أو تتبع عورات الممثلات والفنانات، أو الإهتمام بالرياضة بشكل سطحي، وكذا التحايل على الجمهور بعناوين مثيرة لاتعكس حقيقة المضون.

من الواضح أن أغلب التجارب في مجال الصحافة الإلكترونية، تعاني من وضع إقتصادي هش، مما يشكل ضغطا رهيبا على أدائها، غير أن الضغط الأكبر يأتيها من ضرورة ترويج منتوجها عبر الشبكات الإجتماعية، ويفرض عليها التأقلم مع توجهات بعض الحاضرين بقوة في هذه الشبكات.

وهنا لابد من إثارة الإنتباه إلى مسألة خطيرة، وتتعلق بما يسمى بـ “الجيش الإلكتروني”، الذي يشتغل على شكل كتائب مجندة لخدمة توجه معين، تنسق أهدافها وتعليقاتها، مستعملة أسماء مستعارة، ومنها من لايكتفي بالدفاع عن رأيه، بل يهاجم الرأي المخالف ويسب ويقذف.

كما ينظم “الجيش الإلكتروني”، حملات سياسية- إيديولوجية، باسم الدفاع عن الأخلاق أو عن “مقومات الأمة”، وغيرها من الشعارات التي تسعى إلى تكييف الرأي العام، الذي قد لا يكون متجاوبا مع هذه الحملات، غير أن قوة القصف عبر الصبيب الإفتراضي، تهدف إلى خلق الإنطباع باكتساح للجمهور، في محاولة للضغط على مختلف الفاعلين.

ويمثل هذا العمل الكتائبي، في الفضاء الإفتراضي، ضغطا كبيرا على الصحافة الإلكترونية، إذ يسعى إلى فرض أولوياته، بالإضافة إلى الضغط التجاري، الذي تفرضه ضرورة رفع مؤشرات الإنتشار، والذي يرغم العديد منها على نشر قضايا الإثارة، بحثا عن المداخيل الضرورية للإستمرارية.

الفرصة الهائلة التي فتحتها ثورة التواصل، تكاد تهدر إذا لم يتم تدارك الأمر، لدعم تجارب فتية في الصحافة الإلكترونية في المغرب، يقف وراءها في الغالب شباب متطلع لخدمة حرية التعبير والديمقراطية، ويحتاج لسياسات عمومية حقيقة لتنمية هذا القطاع، لتخليصه من الضغوط الإيديولوجية والتجارية، لا إلى توصيات تطبع لتعرض في الصالونات.

* نُشِرَ بالإتفاق مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *