ملفات

من له المصلحة في أن يظل ملف الصحراء عالقا؟

إلى متى سيستمر هذا الغموض الذي يلف ملف الصحراء؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في استمرار ملف الصحراء عالقا من غير حل؟ ومن له المصلحة في أن يظل هذا الملف عالقا؟ وهل يعتبر التعاطي السلبي أو غير الفاعل والمؤثر لبعض الأطراف الفاعلة في الملف هي التي أبّدت أزمة قضية الصحراء؟

في هذا السياق، تؤكد المواقف المعلنة تجاه قضية الصحراء أن حلها يقتضي إخضاعها لمقاربات تاريخية وجغرافية وإيديولوجية، بالإضافة إلى المقاربة الدولية، باعتبار أن هناك أطرافا دولية أصبحت معنية بالقضية، خاصة بعدما أصبح هذا الملف بيد الأمم المتحدة، حين بلغ التقاطب الحاد بين المغرب والجزائر الراعية الرسمية لجبهة البوليساريو أوجه بعد المسيرة الخضراء إلى الآن.

وتصاعد هذا التقاطب بعدما أصبحت الجزائر منزعجة كثيرا من وجود عدة عوامل “تلعب” لصالح المغرب، والتي تؤسس لكسب معركة خضوع منطقة الصحراء للحكم المغربي. وأبرز هذه العوامل المزعجة للجزائر هو الرصيد التاريخي في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة التي يتمتع بها المغرب في مقابل الغموض التاريخي الذي تعيشه الجزائر، ثم تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي الموسع الذي لقي إشادة دولية.

وساهم الخلاف الحدودي بين المغرب والجزائر في تعقد مسار حل قضية الصحراء، أيضا، إذ أمعنت الجزائر في الدفاع عن حدودها كما تركها الاستعمار الفرنسي، في مقابل المغرب الذي يطالب بحدوده كما كانت قبل مجيء هذا الاستعمار والتي تُمثل معاهدة لالة مغنية 18 مارس 1845 إطارا مرجعيا لها، إلا أن هذه المعاهدة أبقت منطقة تيندوف في وضعية غامضة، مما أزم الحل أكثر.

ونجم عن هذا الخلاف الحدودي مواجهات عسكرية بين البلدين، عُرفت بحرب الرمال في شهر أكتوبر 1963، حيث تقدم المغرب نحو منطقة تندوف، وفشلت المفاوضات التي تمت في بداية شهر أكتوبر بين المغرب والجزائر، وحضرها عن الجزائر عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي لها، وتم احتواء النزاع بعد تدخلات عربية وأفريقية.

كما عالج لقاء مصغر في القمة العربية بالقاهرة عام 1964 بعض أسباب النزاع، إلا أن المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية بقي عالقا، خصوصا بعد اكتشاف الحديد بها، وتجدد المطالب المغربية بضرورة تسوية المشكلة، ليكتسي النزاع بعدا دوليا، حيث اصطبغ بصراعات الحرب الباردة واصطفاف المغرب لجهة الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل اصطفاف الجزائر لجهة الاتحاد السوفياتي، ولا سيما بعد انقلاب بومدين في 1965، كما أكدت ذلك دراسة سبق أن أصدرها، مصطفى الخلفي، المتخصص في الشؤون الصحراوية.

وبعدما تعقد ملف النزاع بين البلدين سعى المغرب إلى عرض النزاع على الأمم المتحدة، خاصة بعدما صعب استغلال الحديد المكتشف إلا إذا تم نقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي أي عبر المرور على المغرب، باعتبار الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تندوف إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال، وهو ما فرض على الطرفين الدخول في مفاوضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تيندوف، كان من ثماره مفاوضات إيفران في 15 يناير 1969 ثم مفاوضات 27 ماي 1970 وبعدها مفاوضات 15 يونيو 1972، والتي انبثقت عنها معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تيندوف، والمشاركة في إنتاج وتسويق حديد تيندوف، ودعم الجزائر لمغربية الصحراء.

وتلا ذلك تصريحات جزائرية مؤيدة للحق المغربي في الصحراء، منها تصريح الرئيس الجزائري بومدين في مؤتمر القمة العربي بالرباط في أكتوبر 1974 بأن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا، وأن الجزائر مع الدولتين وتؤيد تحرير كل شبر من الأرض بما فيها سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال الإسباني، يقول الخلفي في ذات الدراسة، قبل أن يحصل تغير في الموقف الجزائري المنحاز كليا لصالح أطروحة تقرير المصير وقيام دولة صحراوية، وهو ما برز بوضوح بدءا من 1975، حين تبين لها قرب تمكن المغرب من حسم النزاع لصالحه الذي يعني خروج الجزائر بدون مكاسب.

ومما زاد الطين بلة في قضية الصحراء، هو تحكم فاعلين دوليين في المنطقة المغاربية والتي ارتكزت على التحكم في العلاقات المغربية الجزائرية، والموازنة بين طرفي هذه العلاقات، سواء أثناء الحرب الباردة أو ما بعدها، وذلك بحسب الأولوية المحددة من طرف القوى الأجنبية والتي ترى في المنطقة خزانا نفطيا (الجزائر) وموقعا استراتيجيا (المغرب) فضلا عن كونها سوقا للسلاح بامتياز. بالإضافة إلى ذلك، “يرى المغرب أن الجزائر ساندت البوليساريو لتضمن إشغال المغرب عن المطالبة بمنطقة تيندوف الجزائرية، وأن إسبانيا اختارت موقفا لا يخلو من مساندة الصحراويين حتى لا يتحرك المغرب للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر المحتلة من طرف إسبانيا”.

بل إن فاعلين آخرين يرون أن التحكم في قضية الصحراء دوليا وعدم تذليل عقبات الحل والإبقاء على الوضع الحالي مهم في حلبة الصراع الدولي أولا باعتبار مساحتها الجغرافية وثرواتها الطبيعية، ثم باعتبار دورها في تعميق تبعية دول المنطقة أيضا، بالنظر إلى أن المنطقة المغاربية هي منطقة حيوية للأمن الاستراتيجي ولأوروبا ولحوض المتوسط، ورغبة أطراف أخرى التحكم في الممرات المائية.

ويرى عدد من الخبراء، أن التعاطي مع موضوع الصحراء سيظل إحدى الوسائل الهادفة إلى إطالة عمر المصالح الأجنبية في شمال إفريقيا خصوصا وعموم القارة، وهو ما جعل التعاطي الدولي يخضع لسياسة اللاحسم لفوائدها الأمنية والاستراتيجية ولخدمتها لخيار التجزئة والاستنزاف والتبعية لدول العالم الإسلامي على أساس توازن دقيق بين الجزائر والبوليساريو من جهة أولى والمغرب من جهة ثانية، مارسته في مرحلة أولى فرنسا وبدرجة أقل الولايات المتحدة، وفي مرحلة ثانية أخذت الولايات المتحدة الزمام واستمرت به حتى الآن، تقول الدراسة التي أنجزها الخلفي.

ومع وصول مسلسل التسوية الأممية للأزمة، أخذت الأمم المتحدة تدفع في اتجاه مشروع حل سياسي متفاوض عليه، وهو ما أدى لتعيين جيمس بيكر كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة يضطلع بوظيفة رعاية التفاوض حول هذا المشروع وتقريب وجهات النظر إزاءه،

إلى جانب هذا التحول الاستراتيجي في تدبير الأمم المتحدة لنزاع الصحراء المغربية، انضافت كل من قضيتي فتح الحدود (مطلب مغربي) وقضية تفعيل الاتحاد المغاربي وعقد القمة الرئاسية له (مطلب جزائري)، ليشكل كل ذلك المحاور الأساسية للخلاف المغربي الجزائري في الظرف الراهن والتي أدت إلى إحياء الملفات القديمة، وعلى رأسها ملف ترسيم الحدود بين البلدين والتعاون الأمني بينهما، والتضارب في السياسات إزاء المشاريع الأوروبية والأميركية للمنطقة لا سيما بعد السعي الجزائري للاندماج في المنظومة المتوسطية عسكريا واقتصاديا، والحرص الجزائري على إبعاد المغرب من المجال الأفريقي بعد الدعم الذي قدمته الجزائر للمبادرة الليبية المتعلقة بالاتحاد الأفريقي والتي أعلن عنها في إطار القمة الأفريقية الاستثنائية سرت الثانية، وهو تفاهم كان من آثاره حضور البوليساريو في تلك القمة، مما أعاق إمكانية عودة المغرب للمنظمة الإفريقية والتي أصبحت بدءا من هذه السنة تدعى بالاتحاد الإفريقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *