ملفات

إمارة المؤمنين.. مادورها وكيف تساهم في التصدي للتشدد؟

“الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”، هذا ما تنص عليه الفقرة الأولى من الفصل 41 من الدستور المغربي.

وإن كان دستور 2011 قد قسم بين اختصاصات الملك الدينية بصفته أميرا للمؤمنين وباقي اختصاصاته السياسية، وذلك بأن جعل الأولى في فصل منفصل هو الفصل 41 خلافا لما كان عليه الحال في الدستور السابق حيث كان الفصل 19 يجمع بين الاختصاصات السياسية والدينية للملك، إلا أن محللين يرون أن لمؤسسة إمارة المؤمنين، جانبين أحدهما سياسي والآخر ديني، وفي هذا السياق يشدد الكثيرون على الدور الذي تلعبه هذه المؤسسة في التصدي للتشدد الديني.

فما هي إمارة المؤمنين؟ ما هي أدوارها؟ وكيف تساهم في التصدي للتشدد؟

مؤسسة قديمة

لتعريف إمارة المؤمنين، علاقتها بنظام الحكم في المغرب، وتوضيح أدوارها، يغوص المحلل والباحث السياسي المغربي، محمد شقير، في تاريخ تلك المؤسسة الذي يرجع إلى قرون مضت.

“إمارة المؤمنين مؤسسة قديمة، مرتبطة بالتاريخ القديم للحكم بالمغرب” يقول شقير الذي يشير إلى أن “يوسف بن تاشفين حين فتح الأندلس عُرضت عليه هذه التسمية ولكنه اختار فقط إمارة المسلمين”، قبل أن يأتي عهد الموحدين الذين تبنوا هذه التسمية نظرا لأنها تضفي شرعية سياسية على الحاكم، حسب شقير.

تعتبر المملكة المغربية ثاني أقدم ملكية بالتاريخ بعد ملكية بريطانيا، ولازالت قائمة لوقتنا هذا، فعلى امتداد 12 قرن، حكم المغرب الملوك فقط دون انقطاع وتحديدا سنة 788م حين تم الإعلان عن إمارة المؤمنين على يد خامس أحفاد علي بن أبي طالب.

بالتالي، يقول الباحث المغربي فإن “هذه المؤسسة قُعدت تقريبا منذ الموحدين واستمرت وتكرست مع السعديين، وبحكم انتمائهم إلى السلالة النبوية كانوا يفترضون أنهم أحق بتلك التسمية من باقي السلاطين”.

تلك الصفة “تكرست أكثر مع العلويين بحكم انتمائهم أيضا إلى البيت النبوي” يقول شقير، الذي يشير إلى استمرارها في عهد الحماية، ذلك أنه بالرغم من أن معاهدة الحماية “قلصت من صلاحيات السلطان من الناحية السياسية إلا أنها حافظت على السلطة الدينية له”.

بين السياسي والديني

الصفة التي اختص بها سلاطين المغرب لقرون، ستتضمن في أول دستور تعرفه المملكة المغربية، عام 1962، حسب ما يوضحه شقير، الذي يضيف أن “إمارة المؤمنين مؤسسة قائمة الذات وتعتبر حجر الأساس للنظام السياسي المغربي”.

وحسب المتحدث، فإن الملك الراحل، الحسن الثاني، “لجأ إلى الفصل 19 (الفصل الذي كان يتحدث عن إمارة المؤمنين في الدستور السابق) في مجموعة من الإجراءات سواء في تقليص دور مؤسسة العلماء أو في مواجهة المعارضة السياسية”.

ومما يشير إليه شقير في ذلك السياق، أن “المعارضة الاتحادية حين كانت تريد أن تخرج من البرلمان، لجأ الملك إلى ذلك الفصل لتنبيهها بأنها قد تخرج عن الجماعة وبأنه كأمير للمؤمنين يمكن أن يتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الإطار”.

من ثمة يبرز الباحث المغربي أن إمارة المؤمنين في المغرب “ليست مجرد تسمية” بل هي “مؤسسة قائمة الذات توفر للملك التحكم في النظام السياسي بالمغرب سواء في مواجهة القوى العلمانية أو الإسلامية”، مضيفا أن “هذا تكرس خاصة في الثمانينيات بعد الثورة الإيرانية، حين كفر الملك الخميني بهذه الصفة”.

التصدي للتطرف

وفي تعريفه لمؤسسة إمارة المؤمنين، علاقة بدورها في التصدي للتشدد، يوضح الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، أن المقصود بإمارة المؤمنين في المغرب “مجموعة من المؤسسات التي تشرف على تدبير الشأن الديني في البلاد والتي تخضع جميعها لإمارة المؤمنين”.

ويتابع المتحدث موضحا أن “الشأن الديني في المغرب هو من شأن إمارة المؤمنين، أي من شأن الملك الديني وليس الملك المدني”، مضيفا أن “الملك كممثل أسمى للأمة أو كما تقول وزارة الأوقاف بصفته من يمثل الإمامة العظمى، يفوض تدبير الشأن الديني لمجموعة من المؤسسات ولكن تبقى تابعة له وتسترشد به”.

وحسب المتحدث فإن “كل هذه المؤسسات الدينية لديها تصور مندمج في ما يتعلق بمحاربة التطرف ولا نقول الإرهاب لأن الإرهاب تحاربه الأجهزة الأمنية” يوضح الكنبوري قبل أن يردف “ولكن مؤسسة إمارة المؤمنين تحارب التطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب”.

ولكن كيف تقوم تلك المؤسسات بمحاربة التطرف؟

الكنبوري يجيب بالإشارة إلى كونها “تعمل على إصلاح الخطاب الديني، ومراقبة منابر الخطابة في المساجد حتى لا يقع أي انزلاق أو انحراف عن الخطاب الرسمي، والتأكيد على ما يعرف بالثوابت في المغرب: الملكية، الأشعرية، والتصوف السني…” مردفا أن “كل هذه المقومات تمنع المغرب من أن يسقط في فخ التطرف”.

وعلى اعتبار أن “التطرف فيه جانب تاريخي”، حسب ما يوضحه المتحدث فهو يشدد على أهمية قدم مؤسسة إمارة المؤمنين، في هذا الإطار، مبرزا أن قدم مؤسسة إمارة المؤمنين وكذا “الاختيار الخاص بالتوابث حال دون انتشار التطرف والعنف كثقافة”.

تكريس “الأمن الروحي”

رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، منتصر حمادة، من جانبه، يشدد على ضرورة “الأخذ بعين الاعتبار أن مؤسسة إمارة المؤمنين في المجال التداولي المغربي، تُجسّد سلطة زمنية حاكمة يتداخل فيها البعد السياسي بالبعد الديني”، وبهذه الصفة “يعتبر الملك راعي حقل المجال الديني باعتباره مجالا استراتيجيا خاصا به”.

و من ثمة “لا يُسمح لأي مواطن أو جماعة أو هيئة بالحديث باسم الدين”، وذلك “حفاظا على وحدة الأمة في مذهبها المالكي وفي عقيدتها الأشعرية من جهة، وحفاظا على وحدة مواطنيها مسلمين كانوا أو يهودا من جهة أخرى” يقول المتحدث الذي يضيف أنه “لهذا السبب تتحدث الوثيقة الدستورية عن إمارة المؤمنين، ولا تتحدث عن إمارة المسلمين، لأنه شتان ما بين المقامين” على حد تعبيره.
وحسب، حمادة وهو منسق تقرير “حالة الدين والتدين في المغرب”، فقد “تأكدت مرجعية وأهمية مؤسسة إمارة المؤمنين بشكل جلي في عدة محطات خلال العقدين الأخيرين”، مشيرا كمثال إلى “محطة اعتداءات الدار البيضاء في 16 ماي 2003″ و”محطة الثورات العربية”.

وفي السياق نفسه، يورد حمادة أحداث اعتداءات الدار البيضاء عام 2003 “والتي أكدت أن أحد أهم أسس التدين المغربي، وأحد مفاصله البنيوية، تكمن تحديدا في الدور الديني والسياسي والتاريخي لمؤسسة إمارة المؤمنين” وذلك “ليس في سياق تلاحم العامة وجزء كبير من النخبة بالمؤسسة، ولكن أيضا في سياق إطلاق عدة مشاريع تروم التصدي النظري والعملي لظاهرة التطرف، ومنها ما اصطلح عليه بإعادة هيكلة الحقل الديني”.

وهي العملية التي تهدف، “ضمن أسباب أخرى” يقول الباحث المغربي “تكريس ما اصطلح عليه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (الأمن الروحي للمغاربة)”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *