مجتمع

“الراكد”.. هل يؤمن المغاربة بفكرة “الجنين النائم”؟

“الراگد” أو “الراقد”، مصطلح مغربي منتشر في الأوساط الشعبية، يعني “الجنين النائم”. هذا التمثل قديم وقد ارتبط بقصص وحكايات غريبة لنساء أنجبن بعد أشهر طويلة، بل وبعد سنوات من الحمل.

ولأنه لم تكن هناك من وسائل تؤكد أو تنفي حقيقة ذلك الأمر، فقد انتشرت فكرة “الراكد” وانتشرت معها القصص الغريبة لنساء وضعن حملا كان يدعى أنه عاش داخل البطن أشهرا وسنوات.

اليوم، ونحن في عام 2018، رغم التقدم العلمي والطبي، ما تزال فكرة “الراكد” حاضرة، وما يزال هناك من يصدقونها، وهو ما ظهر عقب انتشار قصة سيدة مغربية، تنحدر من مدينة آزرو، وسط البلاد، تم تداولها على نحو واسع خلال الفترة الأخيرة.

هذه المرأة ظلت تقول إنها حامل منذ تسع سنوات، وهو ما تبين عدم صحته لاحقا.

فما هو أصل فكرة “الراگد” المتداولة؟ هل هناك من سند طبي وعلمي لها؟ ولماذا ما يزال المجتمع إلى اليوم يصدقها؟

رأي الطب

الطبيب المختص في أمراض النساء والتوليد، شفيق الشرايبي، يحسم النقاش حول فكرة “الراكد” منذ البادية، إذ يؤكد أنه “من غير الممكن إطلاقا أن يستمر حمل المرأة لمدة تفوق التسعة أشهر ونصف الشهر”.

الشرايبي يوضح بأنه في حال لم تضع المرأة حملها بعد تلك المدة، كأقصى حد، فإن الجنين يموت في بطنها.

ويتابع الشرايبي موضحا، أن “مدة الحمل لا تزيد عن 42 أو 43 أسبوعا”، مشددا على عدم إمكانية ولا صحة الفكرة السائدة في الأوساط الشعبية عن الحمل لأشهر طويلة أو حتى لسنوات في إطار ما يصطلح عليه بـ”الراكد”.

في المقابل، فإن “العلمي والممكن” حسب تعبير المختص المغربي، هي حالة يصفها بـ”الحمل العصبي”، وذلك “حين تكون لدى المرأة رغبة كبيرة في الحمل ولم تحمل، وهنا تعتقد أنها حامل وتتوهم كثيرا من الأمور التي تجعلها تقتنع، هي ومن حولها، بأنها حامل”، وهي الحالة التي يقول الشرايبي إنها “نادرة ولكن موجودة”.

هذه الحالة يوضحها الخبير والباحث في التحليل النفسي، جواد مبروكي، أكثر، إذ يقول إنها “تحدث بالخصوص للنساء حديثات الزواج حين تكون لديهن رغبة كبيرة في الحمل أو تخوف كبير من عدم القدرة على الحمل”.

وحسب ما يوضحه مبروكي، فإن تلك الحالة المسماة بـ”الحمل العصبي” تتسم بأعراض شبيهة، إلى حد كبير، بأعراض الحمل الطبيعي.

وعلاقة بفكرة “الراكد”، يوضح المحلل النفسي أن ما كان يحدث هو أن “المرأة قد تكون حاملا حملا عصبيا وتعتقد، هي والناس المحيطين بها، أنها حامل، وبعد مدة، قد تحمل حملا طبيعيا بيولوجيا”.

هذا الأمر يفسر، حسب مبروكي، اعتقاد الناس أنها كانت بالفعل حاملا منذ مدة طويلة، وذلك عندما تضع مولودها.

بين الحيلة والخرافة

بدوره، يتحدث الباحث في علم الاجتماع، حسن قرنفل، عن حالة الحمل الوهمي، التي يرى أنها قد تفسر حالة المرأة التي جرى تداول قصتها على نطاق واسع وتدعي فيها حملها لسنوات.

ويوضح قرنفل، أن “الأشخاص الذين تكون لديهم رغبة قوية في تحقيق شيء معين ينتهون إلى تصديق وهم تحققه”.

وفي حالة الحمل، يوضح المتحدث، يحدث أن “الجسم قد يتفاعل، على الصعيد البيولوجي، مع ذلك الوهم”، بحيث تشعر المرأة بأعراض شبيهة بأعراض الحمل رغم أنها ليست حاملا.

مع ذلك، يشدد الباحث في علم الاجتماع، على أن أمرا مماثلا للقصة التي جرى تداولها مؤخرا “من المفترض ألا يحدث اليوم”.

السبب هو توفر “الفحوص الطبية والأشعة وغيرها من الإمكانيات الميسرة للجميع وبأثمنة ليست مرتفعة جدا” على حد تعبيره، فبهذه الوسائل يمكن التأكد من الحمل أو عدمه.

وبغض النظر عن حالة المرأة التي تداولت وسائل إعلام محلية قصتها مؤخرا، وبعيدا عن حالة “الحمل العصبي” أو “الحمل الوهمي”، هناك فكرة أخرى يتحدث عنها كثير من المختصين في تفسير أصل خرافة “الراكد” وسر انتشارها.

فحسن قرنفل يوضح أن فكرة “الراكد” كانت تعكس نوعا من التواطؤ المجتمعي للتغاضي عن بعض السلوكات المشينة، ومن خلالها “ترسخ فكرة إمكانية بقاء الجنين في رحم المرأة أكثر من المدة المعروفة”.
وكمثال، يشير المتحدث،  إلى أن تلك الفكرة “كانت تبرر حمل المرأة بعد وفاة زوجها بمدة تفوق التسعة أشهر”، واصفا الأمر بـ”الحيلة” التي كان لها سياق معين، ولكن “لم تكن تحدث كثيرا”، على حد تعبيره.

العقم.. لماذا يربطه المغاربة بالمرأة دون الرجل؟

الطبيب المختص في أمراض النساء والتوليد، شفيق الشرايبي، يلتقي مع قرنفل في هذه الفكرة، إذ يؤكد هو الآخر أنه كان يتم اللجوء إلى ذلك المعتقد لـ”تفسير حمل وإنجاب المرأة بعد مدة طويلة من ترملها أو طلاقها من زوجها”.

“كان يقال إن الجنين كان نائما في بطنها طوال تلك المدة”، يقول الشرايبي مشددا على أن هذا الأمر “غير ممكن نهائيا”.

أسباب استمرار الفكرة

رغم أنها تتعارض مع العقل والعلم، ورغم أنه صارت تتوفر اليوم كثير من الوسائل لإثبات الحمل من عدمه، ما يزال هناك من يصدقون فكرة “الراكد”، وهو ما تعكسه قصة “حامل آزرو”، فما هي أسباب استمرار هذا التمثل الاجتماعي؟

المحلل النفسي، جواد مبروكي، يشير إلى مجموعة من العوامل التي يرى أنها تسهم في انتشار “خرافات” من قبيل “الراكد”، أولها، حسب المتحدث، “غياب ثقافة طبية”.

وهنا يشير مبروكي بأسف إلى أنه حتى المجال الصحي لا يفسر، كما يجب، بعض الحالات والأمور الطبية، ما “يسهم في انتشار الخرافات”، على حد تعبيره، مشيرا إلى سبب آخر يتمثل في “ارتفاع نسبة الأمية”، إذ يؤكد أنه “كلما انتشرت الأمية انتشرت الخرافات”.

توظيف الدين بدوره يلعب دورا في هذا الإطار، وفق مبروكي الذي يؤكد أن “استغلال الدين يؤدي إلى انتشار الخرافات تحت مسمى المعجزات”، إذ قد يتلقى الإنسان أفكارا تبدو غير منطقية ولكنه مع ذلك يتقبلها، كما يقول

“لم لا؟.. إذا أراد الله أن تحمل لتلك المدة فستحمل!”، هكذا وبهذه العبارة، حسب ما يوضح مبروكي، قد يتلقى الشخص فكرة حمل المرأة لأشهر أو حتى لسنوات، وهي العبارة التي تعكس تقبله تلك الفكرة، أو بالأحرى الاستسلام لها من منطلق ديني واعتبار الأمر “معجزة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *