جهويات

الطالبي يكتب: أحداث السبت الأسود بسيدي إيفني..والذاكرة الانتقائية

“وحده الزمن سيدلك على الصواب، عندما يفقد الآخرون صوابهم. أما التاريخ.. فلا تتوقع في هذه الحالات أن يقول كلمته على عجل. هو أيضاً ينتظر”.
أحلام مستغانمي     

 

تحل الذكرى العاشرة لأحداث السبت الأسود المأساوية،التي وقعت في سيدي افني بتاريخ 7 يونيو 2008، وسط حالة من الجمود والتحجر الذي يشل تفكير الكثيرين ممن يُعتقد أنهم كانوا وراء صناعة مرحلة لها ما لها وعليها ما عليها. والواقع أن من صنع ملحمة التحدي هم مواطنو سيدي افني لا  أحد سواهم. هم من شكل درعا بشريا اوقف زحف الاعتداءات.

 إنه الشلل الذي يقف والى اليوم  حجر عثرة أمام تحرير الذاكرة من الإيديولوجيا، ويضعها الاخيرة بالتالي مادة دسمة تحت تصرف المتلاعبين بالعقول  لفتح شهيتهم الشرهة لمزيد من  المغالطات  و الأكاذيب، و تحويل المعاناة الى ورقة للاستثمار  السياسي والانتخابي في محاكاة لتجربة بني صهيون مع الهولوكوست.

لذلك كان لابد من معالجة القضية في ضوء قراءة موضوعية الى حد ما بغية الانتصار للحقيقة التي وجدت نفسها رهينة الحسابات الشخصية الضيقة، وهو الامر الذي فوت على الناس قراءة مرحلة بعيون ناقدة  للاستفادة من دروسها وعبرها، مرحلة هي في كل الاحوال  جزء من تاريخ المغرب الذي يعج بتجارب اخرى غنية عن التعريف.  

لقد ظلت الكتابة حول هذا الموضوع، هذا إن سميت كتابة أصلا،  تمتح من قاموس ذاتي وأناني محض، يستبعد الحقيقة، بل و يستعبدها في محاولة   للي عنقها كي  تستجيب لنزوات الأنا المتضخمة، ولا أجد في الحقيقة من تفسير لهذا الامر سوى كونه نتاج عقد تشكل المرجع الاساس لسلوكهم غير القويم.

و ظهر هذا جليا في الشهادة المكتوبة، عفوا المكذوبة، التي أدلى بها من أسميه بدوري في هذا السياق  بغوليادكين،حيث  ارتكب هو الاخر، مع  سبق الاصرار والترصد، جريمة الصمت  حين اخفى و اعفى “شهادته” من ذكر اصدقائه المسبحين بشكره ممن تلطخت اياديهم   بدماء الجرحى والمعذبين، بعد أن أداروا   ظهورهم لهم، وتركوهم عرضة للتعذيب في واضحة النهار. وهو بذلك انما يمنحهم “شهادة” البراءة من كونهم شركاء في هذه جريمة السبت الاسود ، ويرفعهم الى درجة  الأبطال، وهم الجبناء ولكن كثيرا من الناس لا يعلمون.

وبذلك فشهادته في النهاية  هي بمثابة شهادة زور ستظل تلاحقه الى يوم الدين.

وغوليادكين، لمن لايعرفه، هو الشخصية المصابة بالنرجسية والبانارويا  في رواية “المثل” للكاتب الروسي الكبير دوستويفسكي، إذ تحكي هذه الرواية جملة من الوقائع التي يعيشها رجل باحث عن الشعبية،  يلتقي بمثله أو قرينه  لتكون النتيجة مذلة بشكل موغل في المأساوية.

 ولعله من الضروري  التأكيد هنا  على أن ما  وقع يومها، أي في 7 يونيو 2008، يعادله في الجرم الغدر الذي غرز مناضلو المزايدات سكينه الحاد  في ظهر الساكنة التي وجدت نفسها امام عدوان وحشي متسائلة في صمت عن موقع هؤلاء الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس بالشعارات والخطابات والبيانات التي كانوا يتباهون بها تحت تأثير العجب والاعتداد بالنفس.  فالعبرة بالخواتيم كما يقال.

لهذا فشخصيا لست معنيا في هذا الزمن الرديء باجترار كلمات الشجب و التنديد بهذه الأحداث، في مرحلة ما بعد الاحداث بعشر سنوات، ولا معني بانتقاء الكلمات المدغدغة للعواطف، تلك التي تدر “اللايكات” بالعشرات، ببساطة لأن وقت التنديد فات قطاره الذي كنت في قمرة قيادته، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولذلك فلا يحق لأي كان أن يغرف من معين الشجاعة اليوم أو غدا، و يفتح فمه للمزايدة على من لم يفوت موعده مع التاريخ،  واختار أن يحول الساحة الى ميدان حقيقي  للمواجهة ، يرد على الهجوم بالهجوم،  دون أن يلتفت الى دعوات الاستسلام والانهزام التي تعددت أشكالها،  و لعل أول بوادرها  وليس اخرها طرق باب الكومسير، و الباشا فيما بعد،  توسلا  لمخرج من الأزمة بعد فوات الاوان. وما خفي لربما كان اعظم.

ولست هنا بصدد الحديث عن رأيي الخاص الذي ادليت به حينها، غير أن ما اثار اشمئزازي من هذه الخطوة، التي كانت مفاجئة حتى للسلطة نفسها، وما تلاها من خطوات في إطار البحث عن خروج آمن من المأزق،  هو تغليب الحسابات الشخصية والايديولوجية على حساب ما يدعونه زورا المصلحة العامة، إذ أسجل على سبيل المثال هنا  الجفاء والرفض الذي قابل به  بعض  قيادات السكرتاريا  وساطة البرلماني السابق  عبد الجبار القسطلاني، متهمينه بكونه رسولا من المخزن، في الوقت الذي فتحوا فيه  الباب مشرعا أمام وساطة المستشار  عبد الوهاب بلفقيه، وهو المخزن بعينه،  وعملوا كل ما في وسعهم لإنجاح هذه الاخيرة التي اصطدمت في النهاية  بجدار الفشل، كنتيجة طبيعة لانعدام أي قيادة فيما سمي بمعتصم   الميناء.

محمد سالم الطالبي 

                                                        [email protected]

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *