مجتمع

“خميسة”..قصة تميمة تحفظ صاحبها من الشر وتتقاسمها البلدان المغاربية

تتقاسم المنطقة المغاربية استعمال تميمة، عبارة عن يدٍ مفتوحة تُسمى “خمسة” أو “خميسة” أو “يد فاطمة”، ويتفق المُؤمنون بـ”المفعول السحري” لهذه التميمة على أنها “تطرد عين الحسد وتحفظ صاحبها من الشرّ والسحر”.

ويحرص المغاربيون على تعليق ما يعتقدون أنه “رمز ديني” على مداخل بيوتهم، أو يستعملونه عقدا يعلقونه في رقابهم، أو داخل سياراتهم.

أقدم من الديانات

يشير القس والكاتب الأميركي هنري كلاي ترمبل، في مؤلفه “عتبة العهد أو بداية الطقوس الدينية”، إلى أن “اليد المفتوحة كانت تسمى عند بعض اليهود في أوروبا يد موسى، وكانوا يعلقونها على بيوتهم لتحفظها، وهي شبيهة بتلك التي يعلقها المسلمون أيضا على بيوتهم وتسمى عند البعض “يد الرسول”، كما إن مسيحيين في سوريا يسمونها كفّ مريم”.

ويغوص الكاتب الأميركي في حضارات وشعوب قديمة جدا في التاريخ، ليخلص إلى شواهد عديدة، تدلّ على أن هذا الطلسم ليس وليد الأديان السماوية “ختمُ اليد الحمراء كان علامة مميزة على أبواب المنازل وأوراك الحيوانات في بابل القديمة، وكان هذا الطقس تكريسا من أصحابه لعهد مقدّس يربطهم بممتلكاتهم من عائلات وحيوانات”، يضيف المصدر.

حضارات مصر القديمة اعتمدت اليد ذات الأصابع الخمس الممدودة أيضا “اليد الممدودة المنحوتة على حجر أو حديد أو عظام، ظهرت في مصر القديمة للحماية من الشر أيضا، وهذا موجود في آثار مصرية في متاحف أوروبا”، ويسترسل المؤلف “اليد المرتفعة البارزة لتمثّل آلهة في بابل وأشور وفينيقيا ومصر، كانت رمزا لآلهة الحياة والخصوبة، وعند الكلدانيين هي تشخيص لآلهة القمر”.

وقاد البحثُ القسَّ الأميركي إلى اكتشاف وجود هذا الرمز في أميركا اللاتينية وعند الهنود الحمر في أميركا الشمالية “وجدت هذه اليد على خيام الهنود الحمر في أميركا وعلى آثار في أميركا اللاتينية، كما كان الهنود الحمر يطبعون بها أجسادهم في طقس ديني وهم عراة أو على ألبستهم أو دروعهم”.

أصحاب الديانات

يتطرّق الصحفي الإسرائيلي مناحيم ويكر، في مقال على موقع myjewishlearning.com الإسرائيلي، لأصول هذه التميمة عند اليهود.

وبحسبه فإن “همسة، ورغم أنها قد تكون إسلاميّة أو وثنية الأصل، فإنها باتت رمزا إسرائيليا واسع الانتشار مثل نجمة داوود”.

ويضيف “لها أسماء مثل كف فاطمة أو كف مريم، ويتبنى اليهود والمسيحيون والمسلمون هذه التميمة كرمز لهم، كما أنها رمز وثني للخصوبة، وقد شوهد هذا الرمز في القرن الـ14م على مدخل قصر الحمراء جنوب إسبانيا، لكنه يبقى إشكالية في اليهودية لأن التوراة تحرم السحر والعرافة، ويبقى أن التلمود يشير إلى وجود هذه التمائم، ويسمح بحمل واحدة، ما يعني وجود التميمة في تاريخ اليهود”.

الأسماك والتلمود

ويورد المصدر رأيا لمؤرخ الفن والتر ليو هيلدربر، الذي يقول “إنه قد يكون لها جذور مسيحية لها علاقة بمريم العذراء “وهي تمد أصابعها الخمس”، ويعود ويكرر ليقرّ بصعوبة تحديد الوقت الذي عرف فيه اليهود هذا الرمز، ثم يستطرد “الغالب أنها كانت رمزا لليهود السفارديم الذين كانوا في إسبانيا، حيث استخدموها لاستحضار يد الله أو لمواجهة عين الشر”.

عادة ما تحمل “همسة اليهود رسوما لاسماك”، يورد ويكر نصا في التوراة يقول “المياه تغطي أسماك البحر، حتى لا يكون للعين قوة عليها”، ويقول إن الحاخام يوسي ابن حنينا قال في بيان في التلمود “إن أحفاد يوسف الذين مستهم نعمة يعقوب محميون من عين الشر مثل الأسماك”، وهو برأيه سر استعمال الأسماك في “همسة”.

المسيحيون والمسلمون

عند المسيحيين، يقول القس والكاتب الأميركي هنري كلاي ترمبل، إنها تسمى “كف مريم، في إشارة إلى العذراء ويدها المباركة، وقد استعملها المسيحيون لحماية الأم والجنين وللتبرك بها ودرء الشر، وهناك من يعتقد أنها إشارة إلى مريم أخت موسى ويد المساعدة التي قدمتها له”.

ويذكر ترمبل بأن هذه اليد “وجدت على بيوت اليهود والمسلمين والمسيحيين في أماكن عديدة في فلسطين، غالبا ما تكون مدهونة على البيوت بالأزرق، وإذا ما دخل يهودي أو مسلم بيته الجديد، فعادة ما يذبح كبشا ثم يضع يده في دمائه ويختم بها على باب البيت أو الجدران.. لا أحد يعرف أصول هذه العادة لكن الجميع يقدّسونها”.

لم تظهر “الخمسة” عند المسلمين في عهود الإسلام الأولى، وتُستعمل هذه التميمة بكثرة عند الشيعة، وخاصة في مناسبات كبيرة مثل عاشوراء أو ذكرى مقتل الحسين بن علي، فيرقعونها على رايات خضراء أو سوداء.

ذكر الباحث الإسلامي أحمد الشميمري في كتابه “العين حق”، بأن هذه التميمة “المقصود بها الآيات الخمس من سورة الفلق، فبدلا أن يقرأها الناس للتعوذ من العين، يعلقونها”.

بينما يعتقد جزء من الشيعة بأنها تشير إلى أصحاب الكساء الخمسة، وهم: النبي محمد وفاطمة وعلي والحسن والحسين، بينما يعتقد المسلمون السنة أنها تشير إلى أركان الإسلام الخمسة.

ويقول الباحث الإسرائيلي إسرائيل درازين، في كتابه Maimonides and the Biblical Prophets، إن اليهود “استعاروا من المسلمين تميمة يد فاطمة، إلا أنهم استبدلوا الاسم باسم آخر يحمل طابع ديانتهم وهو يد مريم، التي ورد ذكرها في التوراة وهي أخت النبيين موسى وهارون”.

المنطقة المغاربية

استنادا لكتاب “تونس، الأرض والشعب”، لإرنست فون هس وارتغ، فإن هذا الرمز الذي ظهر أيضا في شرق الهند، كان يعلق على الأبواب في قرطاج القديمة (تونس) وكان رمزا للآلهة، وقد ذكر رحّالة في شمال أفريقيا أن يهود تونس لم يكونوا يغادرون إلا ومعهم يد ممدودة منحوتة على المرجان أو العاج، يعتقدون أنها طلسم ضد عين الشر، وإذا ما امتُدح أطفالهم أو خيولهم يشهر أحدهم أصابعه الخمس أو يذكر العدد خمسة، محاولا بهذا أن يحصّن ولده أو خيوله من عين الشر”.

وفي المنطقة المغاربية عموما، يشيع استعمال هذا الرمز لدرء العين والسحر ولجلب الحظّ، فيقتنون تميمة من فضة أو ذهب أو حديد يعلقونها في معاصمهم أو رقابهم، بحيث تكون بارزة لمن يراها حتى تردّ الشرّ أو الطاقة السلبية المنبعثة من عينيه وبالتالي تحمي حاملها.

ويلجأ البعض إلى تعليق تميمة على أبواب المنازل وفي السيارات الجديدة، اعتقادا بأنها “حارسة” لا يُفلت من مفعولها السحري شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *