مجتمع

ترحيل مهاجرين من إسبانيا..هل يرفض المغرب حقا دور “دركي” أوروبا؟

هذا التخوف المغربي يمتد إلى احتمال تصدير ظاهرة الهجرة، بتداعياتها وتكاليفها الباهظة، إلى المغرب، الذي يراد له أن يلعب دور «شرطي» المنطقة.

ترحيل خارجي وداخلي

في 23 غشت الماضي، رحلت إسبانيا نحو 116 مهاجراً غير نظامي من دول إفريقية جنوب الصحراء إلى المغرب.

هذه الخطوة شكلت منعطفاً جديداً في تدبير ملف الهجرة بين البلدين، لاسيما أن المغرب كان يرفض منذ سنوات قبول عودة مهاجرين إلى أراضيه.

الترحيل الإسباني تزامن مع حملات تشنها السلطات المغربية ضد المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى المغرب.

هؤلاء يحلمون بالهجرة إلى أوروبا، على الضفة الشمالية من البحر المتوسط، انطلاقاً من سواحل المغرب.

وترحل السلطات المغربية المهاجرين من مدينة طنجة إلى مناطق أخرى، في خطوة لاقت انتقادات حقوقية واسعة.

رفض حكومي

الحكومة المغربية ترى أن ترحيل المهاجرين من الشمال إلى مدن جنوب ووسط المملكة هو مجرد خطوة عادية ضمن مساعيها لمكافحة شبكات الهجرة والاتجار بالبشر الناشطة بالمنطقة.

وفي هذا السياق،قال مصطفى الخلفي، في 6 شتنبر الجاري، إنها «لا تعتبر عمليات إعادة قسرية».

وتابع في مؤتمر صحافي أن هذه «العمليات تهدف إلى نقل المهاجرين إلى مدن أخرى، وفقاً للقوانين الوطنية الهادفة إلى مكافحة الهجرة غير المشروعة».

وشدد على أن المملكة «لن تقبل أن تكون مرتعاً لمافيات الهجرة، وترفض أن تكون مركزاً لاستقبال شبكات الهجرة السرية».

وأضاف الخلفي أن المملكة لن تكون «دركي المنطقة».

ومضى قائلاً: «ندعو لتفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة في التعامل مع قضايا الهجرة وضرورة التفاعل والتواصل حتى يربح الجميع المعركة ضد شبكات الهجرة السرية».

قبول «غير مجاني»

رغم تصريحات المسؤولين المغاربة، رأى خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة، أن أي إجراء تقوم به الرباط «لا يمكن أن يكون خارج أي إطار أو اتفاق».

وأردف الشيات، أن الاتحاد الأوروبي والمغرب كان بينهما «نوع من السعي نحو إيجاد صيغة قانونية واتفاقية فيما يتعلق بتدبير الهجرة غير النظامية».

وشدد على أن «قبول المغرب بعودة مهاجرين غير نظاميين إلى أراضيه لا يمكن أن يكون مجانياً ومن دون مقابل استراتيجي أو مادي».

ورأى أن «مقاربة المغرب لملف مهاجري دول جنوب الصحراء تتسم بالكثير من الارتجالية وتبين أنه ليست لديه سياسات واضحة، خاصة وأنهم يعتبرون المملكة مجرد محطة للعبور».

واعتبر أن قبول المغرب استضافة مهاجرين طردتهم إسبانيا «سيثير الكثير من المشاكل داخل البلاد».

وحذر الأكاديمي السلطات بلده من التمادي في هذه الخطوة، ومن إقامة مراكز أو استقبال المهاجرين.

وأضاف: “لا نعرف أفق هذا الملف، ولن تكون لنا مزايا اقتصادية كبيرة”.

انتهاكات حقوقية

الخطوة الإسبانية بإعادة مهاجرين هاجروا إلى سبتة  إلى المغرب لاقت انتقادات حقوقية مغربية.

وقال رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بن عيسى، إن هذا الترحيل يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية في مجال الهجرة واللجوء.

وتابع بن عيسى، أن «قرار إبعاد المهاجرين تم في غياب ضمانات يشترطها القانون الدولي بالنسبة للمهاجر، منها: حق الطعن في القرار وغياب المترجم».

وشدد على أن «هذا الترحيل جرى وفق قرارات إدارية، وليس قضائية، في خرق واضح لحقوق المهاجرين».

وحذر الحقوقي المغربي من انخراط الرباط فيما سمّاها «سياسة تصدير الحدود»، التي تعتمدها دول الاتحاد الأوروبي.

ورأى أن هذه السياسة تهدف إلى جعل دول جنوب المتوسط تقوم بدور «الدركي في حماية الحدود مقابل الاستفادة من إعانات مادية نظير هذه الخدمات».

وأردف أن الكلفة القانونية والحقوقية والاجتماعية لهذه الانتهاكات «ستسيء إلى المغرب وسمعته».

وأضاف بن عيسى: «إذا كانت أوروبا بقوتها وإمكانياتها المادية والاقتصادية الهائلة لا تستطيع تحمل كلفة الهجرة، فما بالك بدول جنوب المتوسط (؟!)».

وأوضح أن دول جنوب المتوسط «تعرف صعوبات اقتصادية بتحمل مثل هذه الظاهرة، رغم ما يمكن أن يقدمه الاتحاد الأوروبي من مساعدات».

تهويل أوروبي

وفق عبدالكريم بلكندوز، الخبير المغربي في مجال الهجرة، فإن «أغلبية الحكومات الأوروبية تتعامل مع الهجرة بمنطق التهويل لأسباب انتخابية.. وهذه الأمور أصبحت محورية».

وتابع أن «قبول المغرب استقبال مهاجرين رحلتهم إسبانيا يرجع إلى اتفاقية بين البلدين، عام 1992، تلتزم الرباط بموجبها باستقبال المهاجرين غير النظاميين الذي مروا عبر ترابها».

وانتقد بلكندوز قبول المغرب استقبال هؤلاء المهاجرين، خاصة وأنها كانت ترفض ذلك في سنوات ماضية.

وأضاف أن «أوروبا صعدت من مراقبة حدودها لمحاربة الهجرة غير النظامية، خصوصاً مع المغرب».

وانتقد الخبير المغربي «سياسة الانغلاق التي بدأت تنهجها الدول الأوروبية».

وقال إن «الدول الاوروبية تحاول تضخيم أرقام المهاجرين غير النظاميين، لأسباب سياسية، وتريد أن تعطي انطباعاً بأن أمنها مهدد».

وشدد على أن القانون الدولي لا يسمح بسياسة الانغلاق، إذ تنص المادة 13 من ميثاق حقوق الإنسان على حرية التنقل.

ومضى بلكندوز قائلاً: «يحب أن نطرح أسئلة بخصوص سياسة انغلاق أوروبا، خاصة وأن دولها قلصت من تقديم التأشيرات».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *