ثقافة وفن

“كليلة ودمنة”..كتاب ترجم 200 مرة إلى مايزيد عن 50 لغة

على الرغم من أن كتاب “كليلة ودمنة” الشهير ليس في الأصل من تأليف ابن المقفع بل يرجَّح أن أصوله هندية، فإن النسخة العربية التي ترجمها ابن المقفع بأسلوب ساحر كانت الأشهر في جميع أنحاء العالم، فقد تمت ترجمة هذا الكتاب مئتي مرة على الأقل إلى ما يزيد على 50 لغة مختلفة، واعتمدت معظم هذه الترجمات في الأصل على النسخة العربية.

وليس من الغريب أن يكون كليلة ودمنة واحداً من الكتب الأكثر مبيعاً وانتشاراً منذ بدايات شهرته في العالم الإسلامي حتى يومنا هذا، فإلى جانب الحكمة والموعظة اللتين يحملهما الكتاب في طياته، فهو مُسلٍّ للغاية وكُتب بأسلوب طريف ومبسَّط لا يخلو من السخرية، لعكس طبيعة العلاقات بين الحاكم والمحكوم.

ماهي أصول “كليلة ودمنة”؟
كُتبت قصة “كليلة ودمنة ” في الأصل باللغة السنسكريتية، ويرجح أن منشأها كان في كشمير في وقت ما بالقرن الرابع الميلادي.

وكانت قصة “كليلة ومنة” تسمى باللغة السنسكريتية “بانشاتانترا” التي تعني حرفياً “الخطابات الخمسة”.

أما عن سر هذه الخطابات الخمسة فقد قيل إنها كُتبت لثلاثة أمراء شباب بهدف تعليمهم الحكمة، فبعد أن يئس معهم المعلمون لجأ والدهم الملك إلى وزيره الحكيم الذي قام بتأليف هذه الخطابات التي اتخذت شكل قصص مسلية رُويت على ألسنة الحيوانات وحملت في طياتها حكماً عظيمة. وقيل إن الأمراء الشباب أصبحوا أكثر رزانة وحباً للعلم بعد قراءة تلك القصص، وفقاً لما ورد في موقع “1001 inventions”.

وبعد تأليف “الخطابات الخمسة” بمئتي عام، وجدت هذه القصص الطريفة طريقها من الهند إلى بلاد فارس، إذ أمر الشاه الفارسي كسرى الأول بترجمة هذه القصص إلى اللغة الفهلوية بعد أن سمع عن الحكمة التي تحتويها، وأحبها لدرجة أنه وضع الترجمة في غرفة خاصة بقصره.

وبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس والشرق الأدنى، وتحديداً في القرن الثامن الميلادي خلال فترة الحكم العباسي، قرأ عبد الله ابن المقفع النسخة الفهلوية من الخطابات الخمسة وترجمها إلى العربية بأسلوب أدبي مبهر، وباتت تعرف في العالم العربي باسم “كليلة ودمنة”.

ما قصة “كليلة ودمنة”؟
تم إطلاق اسم كليلة ودمنة على الخطابات الخمسة في الترجمة الفهلوية والعربية؛ تيمناً باسمي الشخصيتين الرئيسيتين في الكتاب وهما اثنان من أبناء آوى.

أما أبطال “كليلة ودمنة” فجميعهم من الحيوانات، إذ تدور القصص حول الأسد ملك الغابة وحاشيته من الفيلة والقرود والغزلان وغيرها من الحيوانات، مع التركيز على بطلي الكتاب كليلة ودمنة، اللذين يتمتعان بذكاء شديد ولو أن دمنة أشد طموحاً وأقل رضا من صاحبه.

ترصد القصص التفاعلات بين هذه الحيوانات القوية منها والضعيفة، وتمرر في هذه الأثناء رسائل سياسية مثل علاقة الحاكم والمحكوم وأخرى اجتماعية تحمل في طياتها كثيراً من الحكمة.

ويحتوي الكتاب على خمسة عشر باباً رئيسياً، وهي: باب الأسد والثور، وباب الفحص عن أمر دمنة، وباب الحمامة المطوقة، وباب البوم والغربان، وباب القرد والغيلم، وباب الناسك وابن عرس، وباب الجرذ والسنور، وباب ابن الملك والطائر فنزة، وباب الأسد والشغبر الناسك وهو ابن آوى، وباب إيلاذ وبلاذ وإيراخت، وباب اللبوة والإسوار والشغبر، وباب الناسك والضيف، وباب السائح والصائغ، وباب ابن الملك وأصحابه، وباب الحمامة والثعلب ومالك الحزين.

وتتميز قصص كليلة ودمنة بأنها ليست مخصصة فقط لاستخلاص الحكمة والموعظة، بل بأنها مُسلية أيضاً، وهذا يفسر شعبيتها الواسعة وانتشارها في أوساط كافة الطبقات المجتمعية بالعالم الإسلامي منذ أن ترجمها ابن المقفع بأسلوبه الفريد.

ترجمات كليلة ودمنة
حمل العرب كتاب “كليلة ودمنة” إلى إسبانيا حيث تمت ترجمته هناك إلى الإسبانية القديمة في القرن الثالث عشر، وفيما عدا إسبانيا انتشر الكتاب في كثير من الدول حول العالم، وحظي بشعبية واسعة، فعلى سبيل المثال كان من أوائل الكتب التي ظهرت بعد اختراع الطباعة في إيطاليا .

ومن الجدير بالذكر أن الكتاب تُرجم إلى ما يزيد على 50 لغة مختلفة، ومعظمها ترجمت من العربية مباشرة أو من لغة أخرى اعتمدت على النسخة العربية لترجمة “كليلة ودمنة”.

وقد كان للكتاب تأثير واضح على عدد من الأعمال الأدبية العالمية، فقد وجد الباحثون تشابهاً قوياً بين بعض حكايات كليلة ودمنة وحكايات إيسوب اليونانية التي تحمل في طياتها مواعظ أخلاقية موجهة للأطفال، وكذلك كان الشبه واضحاً بين قصص كليلة ودمنة وقصص ماري الفرنسية.

كما نجد أن معظم الثقافات حول العالم تروي قصصاً شعبية أبطالها من الحيوانات وتتشابه إلى حد كبير مع قصص كليلة ودمنة.

كما أقرّ كاتب القصص الخيالية الفرنسي جان دو لافونتين بأن أعماله مستوحاة من هذا الكتاب، ويرى البعض أن “كليلة ودمنة” هو أصل بعض حكايات ألف ليلة وليلة والسندباد كذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *