آراء

عذرا يا مدرستي

تعتبر المدرسة من أهم مؤسسات المجتمع، لما لها من دور فعال في تربية الطلاب وتنشئتهم. فهي مسؤولة عن إكسابهم المهارات المختلفة. والتي تعينهم على التكيف مع المجتمع ومتطلباته المتغيرة. كما يمكن اعتبارها المساند الرسمي للأمهات للتخلص من تبعيات الأبناء لساعات. وكذا فهي تعد ترياقا فعالا ضد الصداع بكل أنواعه.

مدرستي الحلوة، باص المدرسة العجيب، عروض بنكية خاصة، الأسواق مكتظة بالأدوات المدرسية المسرطنة، النشيد الوطني، المدير في حلة جديدة، المعلمة حشورة “كما يفضل البعض مناداتها” غيرت هندامها بآخر جديد، أطر تعليمية جديدة، الأستاذة “خدوج” أحضرت معدات مدرسية جديدة وأكثر فعالية “السوط والعصا الثلاثية الأبعاد” ضمن اللائحة..هذه وأخرى كلها بوادر مرتبطة بالدخول المدرسي ببلادنا. فبعد عطلة استجمام طويلة. جاء وقت الحساب، إنه الدخول المدرسي.

وعلى ذكر الدخول المدرسي والذي أصبح الكل يسرد له قصصا هذه الأيام. فإن هذا الأخير وعلى غرار كل سنة، يأتينا ببزة جديدة لا تختلف منهجيا ولا بروتوكوليا عن سابقاتها. يستعرض من خلالها مفاتنه التي لا تزيدنا إلا كسادا في كساد.

يستيقظ التلميذ في الصباح الباكر ووجهه مخطوف، وكأنه قد قضى ليلته تلك مع مصاص الدماء. فبعد ساعة من الصراخ، والعويل، والضرب، والطرح، واللطم. يستسلم التلميذ للأمر الواقع. فيساق الى المدرسة وهو يبكي كما لو أنه قد سيق إلى التجنيد، وليس إلى المعرفة وطلب العلم. لكن سرعان ما سيتذكر أنه سيظفر بمحفظة جديدة، وبأقلام وأدوات مدرسية ثمينة غير مسرطنة، وأنه سيحظى بفرصة شم رائحة الكتب الزكية. وبأنه سيعمل على إغاظة شقيقه الأكبر أمام والديه مرغما إياه على تغليف الكتب الخاصة به انتقاما منه. فيمنحه ذلك نفسا جديدا يطلق معه العنان لصوته الجميل. فيردد مع نفسه في الزقاق نشيد “مدرستي الحلوة، مدرستي الحلوة” الذي حفظه من إشهار “البقرة الضاحكة”.

في الدخول المدرسي فقط ستحظى بفرصة استقبال المدير لك عند البوابة بابتسامة عريضة ممزوجة بالقليل من التشفي، ودقات قلبك تدق بسرعة الضوء. فتقف في الطابور منتظرا أن ينادى على اسمك من طرف معلمك الجديد أو معلمتك، فإن كنت سعيد الحظ فسوف يسقط اسمك بين أيادي رحيمة. وإن كنت تعيسه فالمعلمة خدوج سوف تأخذك بالأحضان. ولن تطلق سراحك إلى يوم يبعثون.

أهم شيء في الدخول المدرسي، هو ذلك الكم الهائل من الكتب والأدوات التي يكلف التلميذ بإحضارها. “عشرة دفاتر مئة ورقة من الحجم الكبير، وستة دفاتر من فئة مائتين ورقة من الحجم المتوسط، وعشرين دفترا من الحجم الصغير، ودفترا واحدا من الحجم الكبير جدا للذكريات ” خاص بالبنات”. وثلاثون غلافا بألوان الطيف، طباشير أملس، وآخر أحرش، دائرة، ربع دائرة، مثلث، مربع، مسطرة، نصف مسطرة، علبة أقلام ملونة، “واحدة للبيت” وأخرى “للمدرسة”، وعلبة أخرى خاصة “للعب بها أمام باب المدرسة” بعد نهاية الدوام، لمن يزاولون هذه البلية. صباغة منجرة، مطرقة، منشار، بيكار، مقلمة، محفظة.

فيضطر الآباء الى تحمل تبعات الدخول المدرسي بشقيها المادي والمعنوي. بالإضافة إلى مصاريف الحمال، الذي سيتولي مهمة حمل المحفظة للتلميذ، نظرا لكون ذراعيه لا تقويان على حمل 30 كيلو غراما من الأدوات والكتب. فيخرج التلميذ في الصباح الباكر بمحفظته تلك، وكأنه ذاهب للمشاركة في مسابقة التحدي.

هذا ما يقابل مفهوم الدخول المدرسي ببلادنا، ولا شيء غير ذلك. فيصرح “فلان بن فلان” في منبر إعلامي معين لصاحبه “فلان”. بأن الدخول المدرسي هذه السنة قد مر على أحسن ما يرام. وبأن أطفالنا في منطقة نائية يعانون من بعد المدرسة، وبأن الهذر المدرسي والحمد لله، تزداد نسبته سنة بعد سنة. وبأن المدارس بمنطقة أزيلال تشهد هذا الموسم اكتظاظا كبيرا في أعداد التلاميذ، وخصاصا في الأطر التربوية والحمد لله. ويختم كلمته بكونه يتمنى أن تستقر الأمور على هذه الحال من أجل ضمان دخول مدرسي جيد.

لكن وبالرغم من كل ذلك وذاك. فحثما سيعود التلاميذ الى مدارسهم، ومع هذا العود سنسمع من جديد عن تلميذ يذبح أستاذه، وعن معلم يغتصب تلميذه، ومدير يتحرش بأستاذة، وبأستاذة ضربت تلميذها وأردفته قتيلا. وسنسمع أيضا بانتشار المخدرات بين أوساط التلاميذ. وليس من المستحيل أن نسمع بتلاميذ يدخنون وسط حجرة الدراسة والأستاذ يشرح. لكن الجميل وراء كل هذا، أن نحكي لأجيال اليوم عن علاقتنا بالمدرسة في “زمننا الجميل”.

وبأنها كانت لنا حضنا دافئا وبيتنا ثانيا، وبأننا آنذاك لم تكن الدنيا لتسعنا بمجرد أن نرى ابتسامة على وجه المربي وهو يبتسم لنا، وكم كنا خلالها نفخر بأنفسنا والمعلمة تنادي عليك باسمك الشخصي، لتطلب منك أن تأخذ ملفا الى السيد المدير، أو أن تحضر لها كوب ماء، تشرب منه أولا دون أن تدري المعلمة بذلك. أما اليوم فلم نعد ندري من التلميذ ومن المربي، فلم تعد لقولة “كاد المعلم أن يكون رسولا” أي معنى. فقد ضاع الإجلال وزال معه التقدير. “فعذرا يا مدرستي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *