ملفات

كلميم .. عمال “المُوقْف” أو الوَجه الآخر لمُعاناة “طَالب مْعَاشُو”

تتعدد المهن والأعمال التي يقوم بها عمال الموقف من إفراغ الشاحنات إلى أعمال الترصيص والصباغة والبناء، ومدينة كليميم باب الصحراء كغيرها من المدن المغربية تحتضن أماكن يطلق عليها لدى العامة بـ “لمُوقْف”، وهو مكان يتجمع فيه العشرات من العمال لا يملكون غير “مجهودهم العضلي” ويعرضونه على رصيف منتهى شارع محمد الخامس  يبدون أنهم متخصصون في مختلف المهن التي عادة ما تدخل في نطاق ما يصطلح عليه لدى أغلب الناس بـ “البريكول” أي أعمال غير قارة.

رجال الموقف بكلميم، هم أناس أرغمتهم الظروف الإجتماعية على الخروج إلى الشارع، وجوه أضناها الجهد وقساوة العيش، يجدهم المرء في الساعات الأولى من كل صباح، وقد سلموا أجسادهم للتراب في انتظار أي زبون، وما أن يقترب شخص من الموقف أو يقف صاحب سيارة أو شاحنة، حتى يقف “طالب معاشو” مهرولا نحوه سائلا إياه بالقول “أش خَاصْك أ الشْرِيف من بْريكُول؟”.

وهي السمفونية التي يرددونها منذ الصباح الباكر وهم ينتظرون زبونا قد يأتي أو لا يأتي لطلب خدماتهم، غير أن الترقب والانتظار ينهكهم تحت أشعة الشمس صيفا وزخات المطر شتاءً بسبب قلة الطلب على خدماتهم، الأمر الذي يجعل العديد منهم عاجزا عن توفير المصروف اليومي.

عمال "الموقف" بأحد شوارع أكادير

يقول “بوشعيب الشياضمي” الذي تحدث لـ “مشاهد.أنفو”، إنه يأتي إلى الموقف منذ أزيد من عشر سنوات وهو متزوج وأب لأربعة أطفال، يسكن في غرفة مع الجيران، ويعيش ظروفا اجتماعية قاسية منذ أن غادر قريته بنواحي أسفي بفعل ظروف الجفاف التي جعلته يرحل إلى كلميم متخيلا أنه سيجد ما لم يكن متوفرا له في بلدته، ولم يكن بوشعيب إلا صورة مصغرة للعديد ممن يجلسون في الموقف يوميا، وقد جمعت بينهم الألفة والصداقة.

ولكون الموقف يجمعهم منذ سنين خلت، لذلك غالبا ما تجدهم أفرادا أو جماعات متحلقين يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم عن همومهم اليومية والمشاكل المختلفة، التي يتخبط كل واحد منهم فيها، يبقى الترقب وانتظار الزبناء هاجسهم الأساسي، فكلما مر بجانبهم شخص راجلا أو يمتطي سيارة، إلا وحلقوا به وكأنهم يتوسلون إليهم لتقديم خدماتهم.

وتبدأ مشاكل عمال وحرفيي “لموقف” بكليميم بقلة فرص الشغل وضعف الطلب على خدماتهم، إضافة إلى حالة الفتور التي يعيشونها، فالعمل غير مضمون، نظرا لكون عمال الموقف في أيام عديدة يبقون دون دخل ويمتد الحال إلى أسبوع أو أكثر، ولأن توفر العمل غالبا ما يكون دون المستوى، بحيث أن الحظ إن أسعف أحدهم في تقديم خدمة فتكون مقابل 100 درهم أو 70 درهم، لأن في الغالب كل من يقصد الموقف لا يحتاج سوى إلى عامل يقوم بخدمة معينة ومحددة.

كما أن بعض المقاولين غالبا ما يلجئون إلى عمال الموقف في الأعمال الشاقة مقابل أجور زهيدة، هذه الأجور التي تبقى رهينة بكرم وجود الزبون وكثيرا ما لا يناقش الثمن، فهناك أولاد الناس، يقول عامل بالموقف، من يقدر العمل الشاق الذي نقوم به، وبالتالي يصرف بسخاء، والبعض الآخر غالبا ما يكون الفراق بالخصام.

عمال "الموقف" بأحد شوارع أكادير

وعموما يمكن أن يحصل عامل الموقف على أجر لا يتعدى 100 درهم في أحسن الأحوال مقابل إتمام الأشغال المطلوبة خلال نفس اليوم، لأن عامل الموقف غالبا ما يكون عمله مرهونا بيوم أو يوم ونصف على أبعد تقدير، عمل مضني في الغالب يكون العمل بين الزبون وعامل الموقف مرتبطا بـ “تعطاشت” أو “الكورجة” كما يصطلح عليه.

إن مشاكل عمال وحرفي الموقف عديدة، ومتشعبة تبدأ بقلة فرص الشغل وهزالة التعويضات التي تؤرق بال العمال والحرفيين، وكذا عملية المطاردة من طرف مصالح الأمن التي تشن فيها المصالح الأمنية حملات يومية ضدهم، الشيء الذي يجعلهم خاصة في الساعات الأولى من الصباح، موزعين بين ترقب زبون والخوف من تبعات حملات الشرطة، التي جعلت بعضهم يعرض عن الوقوف بالموقف والانتقال إلى كلميم، بحثا عن لقمة عيش يطاردها أينما حل وارتحل نتيجة ظروف اجتماعية قاسية كانت هي السبب الأول والأخير في معاناة عمال وحرفي الموقف الذين يعتبرون ضحايا الوضعية الإجتماعية التي تعيشها البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *