ملفات | هام

أنزا .. عندما تتغلب عفوية الأهالي على مشاريع المسؤولين

شباب كثُر، أفكار كثيرة وآمال عريضة، في مقابل ذلك ذات يد قصيرة ولو إلى حدود اللحظة، تلك صورة من قلب منطقة أنزا الشاطئية شمال عاصمة سوس التي أطلق شبابها، بل عامة الناس بها “مبادرة شباب أنزا” سعيا منهم إلى جعل مدينتهم الصغيرة الكبيرة تتحدث لغة الإبداع، حتى أضحت شوارعها وأزقتها الضيقة اليوم تكتسي حلة جديدة وأصبح لساكنتها شاطئ بتجهيزاته وإن كانت غاية في البساطة، إنها مبادرة لتحسين صورة المدينة التي طالها الإهمال، مقصودا كان أو غير مقصود، الجريدة زارت المنطقة ووقفت عند ” مبادرة شباب أنزا ” وأعدت الربورتاج التالي.

“انتفاضة” ضد الماضي

يحلوا للشباب أبناء المنطقة أن يسموها مبادرة، بل يحلوا لبعضهم أن يطلق عليها اسم “الانتفاضة”، باعتبارها كسرت جدار المعاناة، وانتفضت ضد ماض حزين، ماض مجحف لا يختزل المنطقة في اسم “أنزا الخانزة”، ولا يصورها إلا في تلك المنطقة البعيدة النائية شمال حاضرة أكادير، باعتبارها وإن كانت تحتضن اليوم عددا من الأهالي والأحياء والتجمعات السكنية، إلا أن العامة تأبى حتى الأمس القريب إلا أن تقول بأنها منطقة صناعية هامشية فحسب، وحتى المسؤولون المتعاقبون على تدبير الشأن المحلي يدرجونها حسب الفاعلين بالمنطقة، كآخر نقطة في جداول أعمال دوراتهم واجتماعاتهم، ربما لأنها فقط أبعد نقطة تنتمي لمجلس المدينة.

شاطئ منطقة أنزا شمال مدينة أكادير

مبادرة شبابية

أعلن ذات صباح من أصباح العام قبل الماضي في أنزا الهادئة التي تشير إليها الأصابع بالنعوت القدحية، أن مبادرة فريدة من نوعها قد رأت النور في المنطقة، فشاع الخبر بين الصغير والكبير، وبدأت الساكنة تستفيق على وقع الكنس والتنظيف والتركيب والقص واللصق، فصبغت الجدران والواجهات بطلاء أزرق، ونظفت الأحياء وجمعت إطارات العجلات فغرست بها شتائل زينت بها أركان الشوارع، كما نسجت رسومات على الجدران في شكل جداريات تحمل رسائل تحسس الجميع بأن أنزا بدأت حياة جديدة.

لم تكن الحركة عادية كما يلحظها الكثيرون، ولم تكن تلك الأيام كنظيراتها الخوالي، قبل أن يكتشف الجميع أنها “مبادرة شباب أنزا” التي تستمر إلى يومنا هذا بكثير من التحفيز.

تطورت الفكرة بعدما التأم حولها الجميع، فكانت الحملات هاته تختتم بأمسيات فنية تقام على مستوى المنطقة تحييها عدد من المواهب المحلية خصوصا في صنف “الراب”، واصناف غنائية يبرز فيها الشباب بشكل كبير.

لم تعلن الفكرة عن نهاية قريبة لها بقدرما أعلن أصحابها عن بداية عهد جديد، يتمثل في نقل ابتكاراتهم البسيطة إلى واجهة البحر، ولم لا تسخير البساطة هاته لتوفير شاطئ نموذجي يليق بساكنة أنزا.

البداية الصعبة

يؤكد عدد من الشباب الذين جالستهم الجريدة يتقدمهم “عطروش التونسي، حسن عيسى، أحمد النهماني” أن الأيام الأولى كانت صعبة للغاية، حينها كانت المبادرة تحبو بعدما ولدت من رحم المعاناة.

هنا لا تقسم المهام ولا تحدد الأدوار، فالكل يعمل وفق ما أوتي من قوة، والعمل تطوعي قد تتحكم فيه اعتبارات تفرض عليه العفوية، منها عامل الدراسة للكثير من الشباب وحتى الأطفال، زيادة العمل وظروف أخرى.

نظرة واحد تكفي لتقف على حجم صعوبة الأشغال، شباب وشيب يعبرون واجهة البحر حاملين معاول وأدوات عمل غير آبهين بشيء، كل ما ينصب عليه تفكيرهم هو تلك الأوراش التي لا ينتهي بعضها إلا ليعلن بداية أوراش أخرى في عرض المحيط.

شاطئ منطقة أنزا شمال مدينة أكادير

بساطة المنجزات

الذين يحلون ضيوفا على شاطئ المنطقة يقفون على فرق كبير بين الأعوام الماضية وهذا العام، إذ تحول كل شيء وأصبحت الساكنة اليوم تتوفر على شاطئها الخاص دون التنقل إلى الشواطي المجاورة، لا بل إن شاطئهم أصبح له زوار كثر يفدون إليه من مناطق عديدة.

كمال قدم إلى الشاطئ قادما من مدينة بني ملال، يتحدث للجريدة عن شاطئ جديد يرى النور بالمنطقة، ويضيف بأنه من زوار أنزا وبأن الشاطئ لم يكن يعرف هذا الإقبال الذي يعرفه هذه السنة.

البساطة جعلت من الشاطئ قبلة مفضلة لدى الكثيرين، فما إن تضع قدماك على المنطقة حتى يستقبلك درج إسمنتي، جانباه تلفها أعمدة خشبية، وعلى طول المدخل أشرطة خضراء شتائلها تقاوم الذبول.

في الوسط مجسم لسفينة ضخمة صممت من أعمدة حديدية وحبال، وفي كل مكان يمكنك أن تلفي كراسي مصنوعة من الخشب للإستراحة، وفي واجهة البحر ارتفع اسم ” أنزا ” بلغات ثلاث، العربية، الأمازيغية والفرنسية.

شاطئ منطقة أنزا شمال مدينة أكادير

بدعمكم نستمر

تحقق الكثير بفضل مجهودات الجميع، لكن بقي الكثير أيضا، هكذا يعلق شباب أنزا على مبادرتهم، وهم يشيرون بأصابعهم إلى مناطق ومساحات أخرى تنتظر وصول قاطرة “التنمية” البسيطة.

لم تكن المأمورية سهلة سيما أنها قوبلت بنوع من اللامبالاة من لدن الجهات المسؤولة، فأصبح الدعم المادي الذي بدونه تتوقف العجلة، – أصبح – مكسبا صعب المنال، وهو الدعم الذي كان يأتي من إعانات الأسر القاطنة بمجموع أحياء “أنزا “، كل وما استطاع إليه سبيلا.

فكر الشباب في طريقة بسيطة وأكثر لباقة قد تذر عليهم بعض الأموال من أجل استكمال الأشغال التي وضعوا لها تصاميم هندسية متفق عليها، فقررو تصميم صورة فوتوغرافية تحمل شعار “أنزا” و”صويرات” لبعض المنجزات، وفي زاويتها كتبوا “بدعمكم نستمر”، واستخرجوا منها العشرات ليوزعوها على زوار الشاطئ القديم الجديد، منهم من يجود عليهم ببعض النقوذ، ومنهم من يأخذ الصورة ويطلق عنانه للرياح وفي يده صورة توثق لشاطئ حل به ذات يوم اسمه “شاطئ أنزا”.

تواجدنا بالشاطئ صادف وجود واحد من أبناء جالية أنزا بالديار الإيطالية، قدمت له الصورة، بدا مرتاحا لها قبل أن يسأل عن المكلفين بالمبادرة من أجل دعمها، رافقه أحد الشباب الجالسين، فاستطرد الباقون في حديثهم للجريدة “هكذا نستمر، بدعم الآخرين”، مضيفين أن أبناء الجالية في مختلف البلدان الخارجية خاصة منها الأوربية يدعمون المبادرة، خصوصا وأن مواقع التواصل الإجتماعي جعلت مبادرة شباب أنزا تعبر الحدود.

وتستمر المبادرة

تستمر الأشغال في جهة، وفي كل وقت وحين، ولسان حال أبناء أنزا يقول، للأمام سائرون، رغم ثلة من العوائق، وإن كانوا يثمنون بعض المبادرات التي تقوم بها السلطات المنتخبة وأيضا السلطات المحلية، إلا أنهم يقولون بصريح العبارة بأنها مبادرات محتشمة لم ترقى إلى المستوى المطلوب، ويقول هؤلاء في حديثهم للجريدة، إن الأبواب مفتوحة لكل من يسعى في دعم المبادرة الشبابية، لكنهم يرفضون أن يتم تسييس الأمر ويم استغلال الورقة من طرف جهات كيفما كان لونها وانتماؤها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *