رغم الاختلاف بين إقليمي كردستان العراق وكاتالونيا إسبانيا فإنّ هناك تشابها في وعود القوميين فيهما بتحقيق ازدهار اقتصادي بعد الإعلان عن الاستقلال. كيف يروج هؤلاء لهدفهم متجاهلين الخسائر الناجمة عن انفصال قسري وما البدائل؟
هروب جماعي
تدير الشركات والبنوك ظهرها لكاتالونيا في الوقت الحاضر، لأن أكثر ما يخشاه عالم المال والأعمال هو عدم الاستقرار. كما أن الاستثمار في الاقليم لن يعود مجديا في حال انفصاله بسبب صغر سوقه الذي لا يزيد عدد مستهلكيه عن 7.5 مليون نسمة مقابل سوق إسبانية وأوروبية تحت تصرف الكاتالونيين حالياً بعدد مستهلكين يزيد عن 500 مليون مستهلك. ومما يعنيه ذلك أن انفصال الاقليم المتطور صناعيا سيحرم الشركات المحلية والأوروبية العاملة فيه ميزة الإنتاج والبيع في السوق الكبيرة وهذا ما سيدفعها إلى الهجرة. وفي حال حصل ذلك فإن عشرات، لا بل مئات الآلاف من الكاتالونيين سيفقدون عملهم ومصدر رزقهم. وهذا ما لا يقوله القوميون المتعصبون الذين يريدون الانفصال بأي ثمن حتى ولو كان أكثر من فادح. ويزيد الطين بلة أنهم يتجاهلون أيضا التبعات الاقتصادية الكارثية اللاحقة على اقتصاد الإقليم الذي سيتقلص في غضون سنوات قليلة إلى الثلث أو أكثر في حال حدوث انفصال من جانب واحد، لاسيما وأن بروكسل ستمتنع عن قبول كاتالونيا في عضوية الاتحاد الاوروبي بسبب الرفض الأسباني القاطع الذي تؤيده فرنسا وإيطاليا ومعظم دول القارة العجوز.
كردستان تفقد الامتيازات
بديل الانفصال القسري
تؤيد غالبية الناس بالفطرة نزوع الشعوب إلى الحرية والاستقلال، وهو الأمر الذي ينطبق على الأكراد والكاتالونيين في سعيهم لتقرير مصيرهم في إطار فدرالي أو كونفدرالي أو مستقل تماما. غير أن المشكلة في قيام القوميين بتجاهل الحقائق والمعطيات المتعلقة بالتبعيات الاقتصادية وغير الاقتصادية لاستقلال قسري يتم فرضه من جانب واحد في دول تعيش فيها أعراق وقوميات متعددة كإسبانيا والعراق. ومن تبعات ذلك فشل محاولات الانفصال والاستقلال والدخول في دائرة قد تصبح مفرغة وتؤدي إلى خسارة المكتسبات السابقة بدلا من تعزيزها. وهو الأمر الذي أظهرته تجربة كردستان العراق بعد محاولة الانفصال التي عطلت مشروع الاستقلال وأودت بالكثير من المزايا الاقتصادية التي كان يتمتع بها مثل تعطيل ضخ النفط وتوقف الملاحة الجوية الخارجية وتعطيل حركة التجارة البرية. ومما سيعنيه ذلك حرمان كردستان من إيرادات النفط التي تعد المصدر الأساسي للدخل بشكل سيفاقم مشكلة الفقر والبطالة في الإقليم الفتي.
على عكس كردستان العراق فإن كاتالونيا تعد في مقدمة المناطق الأكثر تصنيعا وتطورا في إسبانيا. وانطلاقا من مبدأ التضامن بين الأقاليم التي تشكل إسبانيا فإن قسما كبيرا من فوائض الإقليم المقدر بنحو 10 مليارات يورو سنويا يذهب إلى الحكومة المركزية في مدريد دون مقابل. وهو الأمر الذي يرفضه كثير من الكاتالونيين الذين يطالبون بتوزيع اكثر عدالة للثروة. غير أن القوميين الكاتالونيين يذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يضعون ذلك في مقدمة مبررات النزعة الانفصالية. صحيح أن إقليم كاتالونيا تمكنت بفضل عرق وجهد وعقول أبنائها من تحقيق سبق أو ازدهار أعلى من مستوى مثيله في الاقاليم الإسبانية الأخرى، غير أن هذا الازهار ما كان ليحصل لولا اندماجه بالسوقين الإٍسباني والأوروبي. ومن هنا فإن أي انفصال قسري من جانب واجد سيقوض هذا الاندماج ويفقده جملة من أهم مقومات ازدهاره. وعليه فإن التفاوض لانتزاع المزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية خطوة فخطوة يبدو في الوقت الحاضر الطريق الأسلم للوصول إلى الهدف النهائي.