جهويات

الصويرة..فضاء ثقافي وموسيقي حظي بتتويج مزدوج من المجتمع الدولي

تشكل مدينة الصويرة التي أعلنتها منظمة اليونيسكو منذ 2001 تراثا إنسانيا عالميا ،فضاء للثقافة والموسيقى بكل أنواعها والتي من خلالها حرصت المملكة على جعل 2019 سنة للإشعاع الدولي عقب التتويج المزدوج من قبل المجتمع الدولي.

بفضل دينامية مجتمعها المدني على مدار ثلاثين عاما، ورؤيتها البراغماتية العميقة، التي تجعل من الفن والثقافة محركا للنهوض المتجدد، برعت مدينة الرياح في 31 أكتوبر الماضي في جذب الأنظار ضمن شبكة المدن العالمية الأكثر إبداعا بفضل جاذبية الموسيقى، ما أهلها لنيل شهادة منظمة اليونيسكو.

ويعني كل ذلك أن مدينة الصويرة التي اشتهرت بمهرجاناتها الموسيقية من كناوة وموسيقى العالم و” الجاز تحت شجرة أركان”و” ربيع الرياح ” و ” الأندلسيات الأطلسية” تمكنت من الانخراط في هذه الشبكة التي تضم 246 مدينة مستندة في تطورها إلى الإبداع.

فبتاريخ 12 دجنبر، استيقظ فنانو كناوة وعشاق هذا اللون الموسيقي على تصنيف فن كناوة بالمغرب، من بوغوتا، ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي من قبل اللجنة الدولية لصون التراث الثقافي اللامادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، وذلك خلال اجتماع دورتها الرابعة عشر، بحضور 124 دولة.

وحول هذا التتويج المزدوج، قال أندري أزولاي مستشار  الملك والرئيس المؤسس ل”جمعية الصويرة موغادور”، “أن تسجيل فن كناوة ضمن قائمة التراث اللامادي لليونيسكو يجسد الالتزام الريادي لمدينة الصويرة”.

وأضاف أن  هذا الاعتراف من المجتمع الدولي بكونية المغرب، وثراء تنوعه الاستثنائي، تحت القيادة الرشيدة للملك، ينصف الالتزام الريادي والتصوري لمدينة الصويرة، التي أعادت إحياء ذاتها انطلاقا من العمق الذي يمثله الموروث، ذي الرمزية على مستوى الجمع بين الحداثة والتفرد المثالي للذاكرة المشتركة.

وأكد أزولاي ، أن هذا التتويج المزدوج ، بقدر ما يصالح “مدينة الرياح” مع بريق ماض مجيد، ينفتح بها على قصة جديدة غنية؛ تعد بأجمل الأشياء في المستقبل.

هذه المنجزات ليست مجرد صدفة، بل نابعة من وعي محلي ووطني بضرورة صون وتعزيز التراث الحضاري المادي واللامادي المتفرد الذي تختزنه هذه المدينة العريقة من المغرب الأطلسي، إرث يعد جزءا من الهوية الجمعية المغربية يستحق أن ينقل إلى الأجيال القادمة.

وللقيام بذلك ، تم إيلاء مكانة مقدرة لجميع المبادرات الإبداعية والمبتكرة التي تتبع نهجا تشاركيا تنخرط فيه العديد من الجهات الفاعلة بخلفيات متنوعة ، مما يرتقي بمدينة الرياح، إلى رتبة “مختبر” لجميع الأفكار البناءة.

وفي هذا الإطار ابتكرت مدينة الصويرة، مبادرة تسمى “مختبر الصويرة للإبداع الترابي “، وهي منصة مبتكرة تجمع بين كفاءات مختلفة تحذوها الرغبة في مناقشة قضايا التنمية الترابية بالجهة ، بغرض تقديم حلول مبتكرة وفعالة ، مع مراعاة رؤى كل المتدخلين الترابيين.

وتجسد الاهتمام الإقليمي بالابتكار في تنظيم النسخة الأولى من المؤتمر الدولي للأقاليم المبتكرة ، في الفترة من 26 فبراير إلى 1 مارس 2019 ،وهو ملتقى متعدد الموضوعات والأشكال يتركز حول ثلاثة محاور رئيسية: السياحة وريادة الأعمال وتغير المناخ ، وذلك تحت شعار رئيسي: “من الإبداع في المدينة إلى المدينة الإبداعية”.

وفي 7 أكتوبر ، تشرفت الصويرة باستضافة قافلة ” مغرب – ابتكار “، وهو حدث وطني يروم عرض مشاريع الابتكار المفتوحة للعموم ، بمبادرة أطلقتها مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في علوم الهندسة ، بالشراكة مع “مختبر الصويرة للإبداع الترابي ” والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وفي 15 نونبر الماضي، احتضنت الصويرة مرة أخرى حفل توزيع الجوائز لهذه المسابقة الوطنية لفائدة خمسة فائزين من حاملي فكرة مبتكرة، كانت منتوجا أو مبادرة أو خدمة، بما مجموعه عشرة مشاريع رشحت لهذه النهائيات.

ونظمت هذه القافلة تحت شعار “شارك في بناء المجالات الترابية ، تخيل ، تطور ، ابتكر ، اخلق قيمة مستدامة، ابن مدن الغد؛ مندمجة ومتضامنة”.

وفي إطار الاهتمام بتعزيز روح الإبداع لدى الأجيال القادمة، تشرفت الصويرة أيضا في 17 نونبر باستضافة حفل تسليم جوائز الدورة الخامسة للمنتدى الأورومتوسطي للقادة الشباب بدار الصويري، الذي نظمته سفارة فرنسا بالرباط بشراكة مع جمعية الصويرة-موغادور.

هذه الجوائز ، التي نظمت بدعم من مؤسستي Lyautey و Webhelp ، كانت جديدة في هذا المنتدى، وسلمت لثلاثة فائزين من حاملي مشاريع تروم تحقيق أهداف التنمية المستدامة ؛ لا سيما الأهداف 11 حول “المدن والمجتمعات المستدامة” و 13 حول “التدابير المتعلقة بمكافحة التغير المناخي.”

ويتجلى الاهتمام بالإبداع أيضا من خلال المنهجية المعتمدة في تصميم وتنظيم المهرجانات مثل مهرجان الأندلسيات الأطلسية، الموعد السنوي الفريد من نوعه في العالم، الذي يجمع المسلمين واليهود في اداء فقرات غنائية ، والاحتفال بهذا التقارب الوثيق الذي كان دائما يربط بين الإسلام واليهودية على ارض المغرب.

ويهدف مهرجان الأندلسيات الأطلسية، الذي احتفل ما بين 31 أكتوبر و 2 نونبر بذكرى ميلاده 16، فضلا عن أجوائه الاحتفالية، عبر برنامجه الغني ومن خلال منتدى-أغورا ، إلى تجسيد مدرسة حقيقية “للعيش- المشترك “.

ولاشك ان جهود الحفاظ على تراث الأسلاف لمدينة الرياح ، بما فيها المشروع الفريد لـ “بيت الذاكرة ” ، الذي يوجد في مراحل إنجازه الاخيرة ، والذي يتمحور حول ثلاثة مجالات رئيسية وهي: الروحانية مع إعادة تأهيل الكنيس “صلاة عطية” التاريخ والذاكرة، والبحث العلمي مع مركز إبراهيم زاكوري ومركز حاييم زفراني المتخصص في العلاقات بين الإسلام واليهودية، يعتبر مثالا حول الرؤية المبتكرة لجمعية الصويرة موغادور.

و لم تفتأ مدينة الصويرة على مدى السنوات الأخيرة، انطلاقا من الوعي بضرورة إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لعدد من قضايا التنمية على مستوى الأقاليم، في الدفع نحو مقاربة مبتكرة تستند إلى قاعدة التآزر بين مختلف المتدخلين ، على اعتبار أن التكامل والتقاطع بين الذكاءات الفردية هو الذي سيؤدي إلى “الذكاء الجماعي” لمواجهة التحديات المطروحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *