ملفات هام

رمضان في المغرب .. تقاليدٌ عريقة وحرص على ابتهال بركات الله

لتقاليد الأسر المغربية في شهر رمضان طقوس خاصة متوارثة عن الأجداد، أثيرة لدى الكبار، تعيد للنفس عبق التاريخ بأصالته وعراقته، ومحفزة للجيل الصاعد.

هذا الجيل الذي لا يتوانى، ما وسعه الأمر، ينهل من ميزاتها وخصوصياتها المحلية من أجل كسب الأجر والثواب، وإذكاء حس التآزر الاجتماعي.

فمع قدوم شهر رمضان الأبرك كل سنة، يحرص الأهالي، في كل جهات المملكة، على الاغتراف من معين عادات وتقاليد عريقة، باعثهم في ذلك التيمن ببركات الله عز وجل، والتجاوب مع رغبة الروح في التعبد والإقبال على طلب التوبة والمغفرة.

وقبل حلول هذا الشهر الفضيل بأيام، يسارع المغاربة إلى تبادل التهاني بقدوم “سيدنا رمضان” تعبيرا منهم عن قدسية هذا الشهر وأفضاله البهية، حيث تكثر زيارات الأهل والأحباب والأصدقاء، وعادة ما تتم زيارة كبار السن والمرضى والأرامل، ويردد الجميع عبارة (عواشر مبروكة) والعبارة في كنهها تقال باللهجة العامية المغربية، وتعني (أياما مباركة) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة: عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار.

ضيف عزيز

كما تتبادل النسوة في مجالسهن الخاصة، وهن يرتدين أبهى حللهن التقليدية، الأدعية والتبريكات والتهاني في ما بينهن احتفالا بحلول ضيف عزيز عليهن يغير من رتابة أيامهن.

وتحرص الأسر المغربية على الاستعداد مسبقا لهذا الشهر المبارك، إذ تقصد النساء الأسواق الشعبية والمحال التجارية، المنتشرة في كل مكان، لشراء أغراضهن من المواد الغذائية الضرورية ومستلزماتها، كما تحرص أخريات، وبشكل جماعي، على تصنيع حلوى “الشباكية” و”السفوف” والمملحات المختلفة في بيوتهن، وتقاسم “إنتاجهن” بينهن، وكأنهن يرمزن إلى رغبتهن في تقاسم حصتهن من بركة هذا الشهر الفضيل بالتساوي.

ولا تتردد أخريات، بسبب ظروفهن الأسرية وارتباطهن بعملهن، في اقتناء كل ما لذ وطاب من المأكولات الجاهزة من الأسواق الشعبية، والمحال التجارية، همهن الوحيد هو توفير كل أغراضهن في بيوتهن، وتخصيص باقي وقتهن لرعاية أبنائهن والتوجه لبيوت الله قصد التعبد واغتنام بركات الشهر الفضيل.

تبادل دعوات الإفطار بين الأقارب والأصدقاءوعند انصرام اليوم الأول من شهر رمضان، تبدأ عملية تبادل دعوات الإفطار بين الأقارب والأصدقاء، ومشاركة العائلات مائدة الإفطار التي ترفل بأحلى المأكولات المغربية الشهيرة من شربة “حريرة” وعجائن وسمك ومملحات وبيض وتمر وعصائر طبيعية، وشطائر ممزوجة بالبهارات وقطع الزيتون، في أجواء بهيجة وروحانية تناسب خصوصية هذا الشهر الكريم.

وكما هو معهود، فإن رمضان يعد فرصة عظيمة للتقارب والصلة بين الأرحام ، فلا عجب أن ترى المحبة ومباهج الفرح والسرور تعلو وجوه الناس، وتغير من تقاسيمها وتعابيرها بعد أن أثقلتها هموم الحياة.

ويقول أحمد (موظف) أنه لا يكاد يمر يوم إلا ويتلقى دعوة للإفطار سواء من لدن أقاربه أو أصدقائه أو زملائه، ما يجعله يراجع أجندته باستمرار قبل أن يلبي أي دعوة، خصوصا وأن شهر رمضان هذا العام تزامن مع إجازته الصيفية.

ويرى أحمد، في تصريح مقتضب لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن فكرة “الإفطار الجماعي” وتبادل الزيارات بصورة أكبر خلال هذا الشهر الفضيل، تعزز صلة الرحم والتآزر بين الأهالي، وتضفي نفحة روحانية على مجالسهم وأحاديثهم، خصوصا إذا أعقب ذلك أداء جماعي لصلاة التراويح.

لحظات مرحة في سكون الليل

لذلك فإن ليالي رمضان عند أهالي المغرب تتحول عادة إلى نهار، فبعد أداء صلاة العشاء ومن ثم صلاة التراويح، يسارع الناس إلى الاجتماع في البيوت، وأحيانا إلى الالتقاء في فضاءات المقاهي لتبادل أطراف الحديث، والانتشاء بفنجان شاي بالنعناع، باعتباره تقليدا متوارثا يجسد عمق هذه العادة وأصالتها في المخيال الشعبي المغربي، في حين يفضل آخرون ممارسة رياضة المشي في الفضاءات الخضراء، والبساتين، والاستمتاع بلحظات مرحة في سكون الليل بعيدا عن القيظ الذي يصادف عادة هذه الفترة من السنة.

وبعد ذلك، يفضل البعض أخذ قسط من الراحة حتى يتسنى لهم الاستيقاظ مبكرا لتناول وجبة السحور، وأداء صلاة الفجر في المسجد، والاستعداد إثر ذلك للتوجه للعمل، في حين يحرص آخرون على المكوث مستيقظين في بيوتهم لقراءة سور من القرآن الكريم، وأحيانا مطالعة الكتب الدينية أملا في نيل التواب والمغفرة في هذا الشهر المبارك.

الطبال والمسحراتي

وقبل موعد السحور، تبرز بإلحاح شخصية (الطبال) أو (المسحراتي) في الأحياء الشعبية، كما يسميه أهل المشرق، حيث لا تزال ذات حضور وقبول، إذ على الرغم من وسائل الإيقاظ التي جاد بها العصر، فإن ذلك لم ينل من مكانة تلك الشخصية التي غدت في كل حي وكل زقاق، يطوف بين البيوت قارعا طبلته وقت السحور، لإيقاظ الناس، مما يضفي على هذا الوقت طعما مميزا ومحببا لدى النفوس.

مقترحة :