جهويات

حسن بكي…سيدي إيفني تكرم فنانا ومربيا ومناضلا قدم الكثير للمدينة

أقدمت فعاليات محلية بسيدي إيفني على تكريم الأستاذ حسن بكي خلال حفل بهيج اختلطت فيه أحاسيس الفرح بدموع الفراق.

ويعتبر حسن بكي الذي قضى 40 سنة أستاذا بسيدي إيفني رمزا من رموز النضال والتربية على الفنون، فالمؤسسات التربوية والشبابية تشهد على عطاءات هذا الفنان الذي حبب لأجيال عديدة فنون المسرح والرسم والغناء وغيرها.

وكانت كلمة الأستاذ محمد المراكشي صديق المحتفى به حسن بكي جد معبرة:

نص الكلمة:

بعد عام ، اجدني في كلمة اخرى بخصوص هرم آخر يستحق أكثر من الكلمات و الشهادات و تكريم الزملاء ..
بعد عام من توديع الأستاذ بوشوفي في ذات القاعة ،ها نحن باسم سيدي افني نودع الأستاذ حسن بكي.. و كأن قدرنا في هذه المدينة مجبول على هذا الطقس في انتظار أن تفرغ السانتاكروز من ناسها الطيبين…
أستاذي حسن..
لطالما تمنيت ، في سلسلة الأماني الصغيرة يوما أن أتتلمذ على يديك ،فأتقاسم مع أبناء الحي الذي ترعرعت فيه لازمات الأناشيد التي يحفظونها عنك كما لم يفعل معنا احد.. و ألحان أغاني قعبور الذي لم نعرف اسمه الا بعد عشرين عاما و نيف.. و كي ىخذ بين أصابعي ألوان الطيف لأرسم بها علمي وعلم فلسطين ومدرستي الحلوة بالألوان.. لكن الأماني الصغيرة أبت ألا تتحقق ، في حينها على الأقل…
صديقي حسن..
صورتك الأولى في ذاكرتي الطفولية محفورة لا يمكنها أن تزول ،لا يمكنها أن تنمحي مثل محاولتي تقليد تباثك مارا على بقعة زيت “صانكو” أمام ثلة من نساء ينتظرن “الطوبيس” مثلما ينتظرن تزحلقك في الزيت..لكنك لم تنزلق..ومررت دونما احساس بالخطر الذي كان يتصيدك… حينها ، حاولت أن آخذ نفس الاعجاب الانثوي بتباثك ، لكني تزحلقت في بقعة صانكو اللعينة ،ونلت نصيبي و نصيبك من سخرية نساء معجبات بشبابهن آنذاك!
هي ذاكرة طفل  حين تحفظ عنك مرورا بها دون أن يكون لك علم بما تختزنه أو بما ستخرجه للبوح في مسائية وداعك..
صديقي حسن،
لا يستطيع الطفل ان ينسى مثل هذه الأحلام و الذكريات التي لا يد لك فيها ، لكنها تهمك ، ويحمل الكثيرون هنا من مثلها ما لا تتوقعه أو نتوقعه.. وكذلك شيم الكبار مثلك :يحسنون صنع الذاكرة من حيث يعلمون أو لا يعلمون!
لم أكن أتوقع يوما ، أن حسن بكي الأستاذ الذي لم يدرسني في مدرسة “با بو بي” سيدرسني في مدارس الحياة الحقيقية .. فكل الأحلام التي حلمتها و ظننت انها لن تتحق وجدت لها مكانا في تجربة إسمها جمعية الشموع..
فحسن بكي هذا ، جعل “هذا” الطفل السابق ، و الحالم السابق بالرسم أن يحمل الريشة ، و يرسم… و جعل الحالم بلازمة النشيد أن يغني نشيد الحلم و الغبار..و ينشد أغاني مارسيل و قعبور و أميمة الخليل و يردد مع با حسن أغاني الشيخ إمام…
با حسن ، جعلني تنفس هواء الفن كاملا عبر اللون و اللحن و تعابير الجسد على خشبة مهرجان المهابيل و الحقيبة و الصقيع و بدايات الوان مان شو..
من حقي أن اتساءل الآن و بعد 28 سنة من الصداقة:كيف استطعت ذلك معي و مع مئات الآخرين؟! كيف استطعت أن تربي الذوق الجميل بتفاصيله الدقيقة في نفوس أبناء مدينة شبه راكدة أو تكاد تكون ميتة…
كيف استطعت أن تحيي ،ولازلت ، فينا الأمل في الحياة وسط زحام نعيق غربان اليأس!?
با حسن..
و انا أقرأ مقالك الأخير في عمودك “حدّو قدّو” الذي عنونته: “إني أحبك لكني قررت الرحيل” ، لم استطع ابتلاع هذا البوح الذي أحس أنه كان مؤجلا منذ بداية زمن الرداءة بسيدي افني.. و لم استطع أن أضغط على زر النشر بافني ديريكت إلا بعد ايام توقفت فيها عجلة أية منشورات أخرى بفعل الغصة التي أوقف تنفس الحروف .. وحين قررت الضغط ، احسست أني قررت معك الرحيل رغم الحب و العشق لهذه البلدة الجميلة التي لا ندري إلى اين تمضي أو لنقل:إلى أين نمضي و يمضون بها؟!
لكني أحييك على قوتك و صلابتك و أنت تقرر ذلك..و تؤكد لنا مرة اخرى أن الحياة تستحق أن نأخذ فيها قرارات صعبةً لكنها ضرورية.. و الضرورة لأسفي لم تعد متاحة هاهنا.. لعلها تتاح هناك!
صديقي و استاذي حسن بكي،
ستترك فراغا في النقابة ، ستترك فراغا في السياسة ، ستترك فراغا في الكتابة ، ستترك فراغا في القلب الذي ما عاد يتحمل كل هذه الفراغات المتتالية في سيدي افني..
وكأن عنوان عمودك “حدو قدو” الذي ألفناه بين ثنايا مدونتنا الاعلامية المحلية المشتركة تنبأ بأن هذه المدينة ستبقى “حدها قدها” مادام أمثالك يتركونها ، أو سيتركونها…
أخي حسن،
صدقني لو قلت لك ،أمام كل هؤلاء الناس ، أني لم أتوقع أبدا هذا الرحيل..و لم يكن في افق انتظاري ابدا.. لكنك كسرت أفق انتظاري ،وجعلتني أختار منطقة وسطى بين الجنة و النارِ…
فحقنا فيك و حقك فيك يلزمنا باحترام حقك في مواصلة العلاج و النقاهة بعيدا عن هذا الخواء الطبي بسيدي افني،وبعيدا عن هذا القلق الدائم في سيدي افني…
هذه المدينة الجميلة بجدارياتك و لمساتك في نفوس ابنائها و بناتها و الحزينة برحيلك عنها ستظل وفية لذكراك كما هي الآن متفهمة لضرورة قرارك الاقتراب من الضرورات غير الموجودة فيها…
تحية لك عزيزي..
تحية لك با حسن.

مقترحة :