آراء

لطيفة زهرة المخلوفي تكتب .. المرأة ونزيف الرغبة

تعامل المرأة في مجتمعنا على أنها موضوع جنسي محض، ويرجع هذا التصنيف الى كون النسق الجنساني التقليدي يؤطره قطبان غير متساويان: قطب الرجل الايجابي الفاعل والمبادر وقطب المرأة الموضوع والمفعول به. وتظهر هذه الثنائية التراتبية بشكل جلي في اعتبار النشاط الجنسي للرجل مدعاة للفخر. فتجده يتغنى بمغامراته الجنسية كدليل على فحولته. وأحيانا قد يتفنن في ابتداع مغامرات وهمية. في حين تخفي المرأة نشاطها الجنسي “فالبغي”وحدها تعيش تجارب من هذا النوع خارج مؤسسة الزواج حسب تصورات النمط المجتمعي القائم. وحتى في حالة الزواج يفرض على الجسد الأنثوي أن لا يبدي أي استجابة أو اثارة أثناء الفعل الجنسي، فأي رد ايجابي كفيل بأن يظهر المرأة في صورة “اللعوب” التي خبرت اللذة الجنسية، والتي لا تليق في عرف المجتمع الذكوري الا “بالبغايا”. ويظهر هذا التصور في أمثلة شعبية من قبيل :”تتحرك تتطلق” بالدارجة الفاسية المغربية. ويحيل على أن تحرك الزوجة أثناء المضاجعة يعني حضور رغبة. والتي تحيل الى احتمال وجود تجارب جنسية سابقة. ان مثل هذا التطاول النسوي مس مباشر بامتياز رجولي محض. فجنسانية الزوجة المثالية لا تتعدى الخضوع لرغبات الزوج وانجاب أطفال ذكور ليكتمل الشعور بأنوثة المرأة الكاملة في النسق الجنساني السائد. فالرجل قد يصف زوجته ب “العاهرة” ان بادرت بطلب الجنس أو عبرت عن ما يثيرها أثناء العلاقة أو طالبت بحقها في الوصول “للذة الجنسية”.
ومن الضروري هنا أن نقف على أن دخول المرأة حياة جنسية نشيطة من خلال عملية الافتضاض غالبا ما يرافقه ضغط نفسي كبير. نتيجة ما يحاك حول الحدث من قصص تجعل المرأة في حالة نفسية سلبية يشوبها الخوف من ألم الحدث، و تصنيفات المجتمع وكذا الخوف من عدم الحصول على زوج لأنها أصبحت “مستعملة”. فتحتقر نفسها وجسدها . في الطرف الأخر يعيش الرجل حالة قصوى من الايجابية في أول تجاربه الجنسية. لأن كلمة “مستعمل” لن تلاحقه بل ستتأكد فحولته وقوته الجنسية ليستحق كلمة “راجل ” في عرف المجتمع. وهذا ما يجعل غياب تجارب جنسية أمرا غير محبذ بالنسبة للرجال ومطلوب جدا لدى النساء. حيث تسارع المرأة لتحافظ على “البكارة التوافقية”. فقد تقوم بتجارب جنسية دون أن يتم الافتضاض لتبقى “محترمة” و “مرا ديال الزواج”.انها محاولات لتحايل على تزمت المعايير الاخلاقية المجتمعية والحاح الرغبة الجنسية. فلا يهم افتضاض “البكارة الدينية ” بقدر ما يهم الحفاظ على غشاء البكارة سليما لكي لا يلاحق العار المرأة وباقي أسرتها من قبل المجتمع، وهو يصنفها على أنها “دايزة” و “مثقوبة” . فهذه المنطقة بالضبط من جسد المرأة لا تخصها وحدها.
انها ازدواجية تمجد جنسانية الرجل، وتحتقر جنسانية المرأة. غالبا ما تؤدي الى سيادة نمط سلوك مجتمعي متناقض، فهو يلبس جبة “الوقار” علنا ويلهو في الخفاء بتعبير المثل الشعبي المغربي “دير وخبي” و ” ان بليتم فتستروا “.
ان المنظور المجتمعي المتزمت يجعل بوادر “برود جنسي” مدعاة للقلق لدى الرجل بشكل كبير. فيحرص على التحايل ليكون دائما في كامل فحولته. وهو ما يفسر الاقبال الكبير على “المنشطات الجنسية” من قبل الرجال فتصبح “الفياغرا” رفيقة حميمية لتجاوز أي تشكيك في الفحولة المطلوبة، في حين يمثل “البرود الجنسي” دليلا صارخا على “مثالية” و “احترام ” المرأة .
عندما يعتبر النسق الجنساني طابو لا يجوز المساس به، وتغيب التربية جنسية، حينها تصبح كل دعوة للتصالح مع طابو “الجنس” احالة ضمنية على دعوة “للفجور” ويصنف جسد المرأة ك”فتنة”، وجب تسييجه واخفاءه لتفادي حركته.وفي هذا الوضع غير السوي من الطبيعي أن تحضر هذه التراتيبة والازدواجية، فالجنسانية النسوية في عرف المجتمع لا تفتأ تلهت خلف الرجل لاغراءه. ويواظب النمط الأبوي على تسييجها وقمعها باستمرار. لتظل مجرد موضوع للجنس. فتصور على أنها دائما مستعدة للاستجابة لرغبة الرجل ونوجزها في القول الشائع “يتمنعن وهن راغبات”. فمهما أبدت المرأة رفضها فانه يظل “مزيفا” أليست كائن جنسي بالدرجة فلما قد تمانع خصوصا اذا كانت غير “عذراء” فهنا تصبح أي مبررات غير مقنعة لترفض الخضوع؟.
ان كل هذا يجعل تحدي التصدي لحقل الجنسانية الذي لا زال قائما على السلطوية والتراتبية بين النساء والرجال أمرا ضروريا، ليصبح السلوك الجنسي اختياريا حرا لا يخضع لقيود وقمع المجتمع. وفي هذا الرهان لا مناص من مواجهة معرفية قوية ومباشرة تلامس جوهر الجنسانية، انها سيرورة تنتصر للجسد “الحر” و”السعيد”. وتفك قيود الجسد “المعذب ” و “المستعبد”.. لتطلق العنان لما يحفل به من قدرات خلاقة ومبدعة.

مقترحة :