آراء | منوعات

كلام على هامش حرائق سوس

شهد سوس في نهاية الاسبوع الماضي فواجع مؤلمة تمثلت في عدة حرائق نشبت في مناطق متفرقة، أخطرها حادثة سير أدت الى وفاة 6 اشخاص بسبب اندلاع حريق بعد الاصطدام ولازالت هوية المتوفين مجهولة بسبب الحروق بليغة الشدة التي التهمت اجسادهم، وذلك في مدخل مدينة أكادير عبر معبر امسكروض، ثم حريق ثان في سوق انزكان القلب النابض للمدينة والجهة والجنوب بصفة عامة، يليه حريق آخر في سجن القليعة المعروف بسجن آيت ملول. وكل هذه الفضاءات لها دلالات عميقة جدا، الطريق (باب المدينة) السوق ثم السجن. وهي فضاءات وأمكنة بعيدة شيئا ما عن الفضاءات التي لها ارتباط بمسببات الحريق. مثلا محطات الوقود أو محطات الغاز أو المعامل التي تصنع المواد المسببة للحريق وهي كثيرة. اضافة الى الحريق نفسه الذي يجمع بين كل هذه الحوادث المتزامنة جدا وفي نفس المكان تقريبا وهو اكادير الكبير على مشارف واد سوس. ورمزية النار لها عدة دلالات في الميتولوجيا وفي المخيال الشعبي للناس.
وبما أن التاريخ يكتب بالاحداث والحوادث فهذه الفواجع الأليمة جدا تزامنت مع عدة وقائع وأحداث طرأت في نفس الاسبوع في سوس، ونجملها :
– موسم الوالية الصالحة المتصوفة لا لا تاعلاط بتاسكدلت قبيلة إيلالن في دورته 184. وهو من بين أكبر المواسم الدينية التي تجتمع فيه المدارس العتيقة في سوس لقراءة القرآن وهو موسم مقدس، يلتقي فيه آلاف الفقهاء والطلبة ..
– مهرجان اللوز في دورته الثامنة بمدينة تافراوت حضره وفد وزاري مهم برئاسة وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، وهو من ابناء ذات المدينة. وهو رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار. الوفد زار مناطق كثيرة في الأطلس الصغير المعروف بمنطقة جزولة التي تأوي عدة اولياء وأضرحة المتصوفة وعلى رأسهم القطب سيدي حماد اوموس وقد زار الوفد منطقة انزي واداوسملال، وهي مسقط رأس الشيخ القطب سيدي محند اوسليمان الجزولي مؤسس الطريقة الجزولية التي ينتمي إليها جل المتصوفة في سوس والمغرب بشكل عام، وهو دفين مراكش. كما زار الوفد الوزاري الرسمي تاهلا وتافراوت وقاموا بتدشين عدة مشاريع، يهمنا فيها ذكر تشجير أركان، لما له من معاني كثيرة حيث أن الدولة/ المخزن يقوم بغرس أركان في سوس لاول مرة من طرف وزير مكلف بالمياه والغابات.
– حضور رئيس الحكومة الى وسط مدينة الدشيرة-انزكان وهو إبن ذات المدينة، وأمين عام حزب سياسي اسلامي، وهو العدالة التنمية الذي اكتسح انتخابات 2016 وهيمن بشكل مطلق على سوس، وسيطر على عمالة انزكان ايت مللول، على المستوى البرلمان والمجلس الاقليمي وجميع المجالس الجماعية . وهو الاقليم الذي كان مسرحا للحرائق، ماعدا امسكروض الذي ينتمي ترابيا لاكادير ايداوتانان. وأصول العثماني من أملن بتافراوت حيث انتقلت أسرته من أكرسيف المعروف بزاوية مشهورة في القرون الماضية. وقد رافقه وزراء في افتتاح اول مؤتمرات جهوية لحزبه الذي اختار أن يكون ذلك في قاعدته ومسقط رأسه بانزكان . والوزير الذي رافقه هو كاتب الدولة المكلف بالنقل، ويجب ذكر أن أسباب حادثة سير أمسكروض التي ادت الى المحرقة الفاجعة، لم تضح بعد وهي المرة الثاني التي يتكرر فيها حدوث حوادث سير في نفس المكان بالطريق السيار ودائما تكون الحوادث من طرف وسائل النقل ذات الوزن الثقيل الشاحنات والحافلات، وذلك مايسائل الوضع التقني للطريق وهو عبارة عن مرتفع /منحدر خطير جدا.
– الوزيران معا، رئيس الحكومة ووزيره في الفلاحة، هما من نفس المنطقة تافراوت/جزولة، وهما معا رؤساء لحزبين يتنافسان على الحكومة، وهذه سابقة، لاول مرة في تاريخ المغرب يحصل أن شخصيتين وزعيمي حزبين سياسيين يتنافسان على رئاسة الحكومة ينحدران من سوس وبالضبط من تافراوت. أكثر من ذلك فإنهما يمثلان أهم أسس ومرتكزات الرأسالمال الرمزي التي يتميز بها سوس ثقافيا، وخاصة منطقة تافراوت، وهما الدين والمال. فالانسان السوسي إما أن يكون فقيها أو تاجرا او لا يكون. هذا الارث الثقافي الرمزي في سوس وهو في الحقيقة ما اعطى لسوس التميز والفرادة والخصوصية داخل المجتمع المغربي. وهما يختزلان عمق الصراع في المغرب الذي يتمحور حول الدين والمال والسلطة. فالسلطة حاليا يتصارع عليها في المغرب رجال الدين ورجال المال. يالها من صدفة أن يتزعم هذا الصراع زعيمان من نفس المنطقة وهي تافراوت /سوس.
-بقي لنا أن نذكر أن هذا الاسبوع صادف وجود هاذين الزعيمين بسوس في نفس الوقت وهي ربما أول مرة تحصل هذه المصادفة بعد حضور الزعيمان في مؤتمر أليوتيس إبان ما يسمى فترة البلوكاج الحكومي، وكان وقتها العثماني خارج الحكومة ويرى المراقبين أن ذلك هو الذي مهد له الطريق نحو رئاسة الحكومة…
وعليه، يتضح أن سوس خلال الاسبوع المنصرم، صادف نزول حكومي وازن باندلاع حرائق مؤلمة .
فهل هي إشارة شؤم حتى لا يصير أبناء سوس مجرد حطب تدفئة في الصراعات والنوازع السياسية …
لا نريد المزيد من الحرائق فنحن على أبواب فصل الربيع….

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *