ملفات

تحقيق: فساد وتحايل باسم الاستثمار .. تحويل إقامة سياحية إلى عمارة سكنية

تعتبر منطقة فونتي بأكادير إحدى المحطات السياحية المهمة بالمدينة، فقد أحدثت هذه المنطقة السياحية بظهير رقم 1/7/395 سنة 1976، وتم إنشاء شركة صونابا التي تحولت إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية، وذلك لتجهيز وتدبير هذا  المجال السياحي الإستراتيجي، وكذا الإشراف على تفويت البقع الأرضية للخواص من أجل إنشاء إقامات سياحية طبقا للقانون رقم 00/ 61.

ورغم بعض انتشار بعض الأخبار بأكادير مفادها تحويل الإقامات السياحية بذات المنطقة إلى عمارات سكنية، إلا أنه يصعب معرفة عدد هذه التحويلات ومن المستفيد منها، نظرا لصعوبة الإثبات أحيانا، أو بسبب التكتم الشديد على مثل هذه العمليات.

عزالدين فتحاوي

قبل البدء

كشف إقدام مالك شركة باسيفيك أوطيل بقطع التيار الكهربائي على أحد القاطنين بالإقامة السياحية تحت ذريعة أن هذا الأخير لم يؤد واجبات السنديك، أن الملك المذكور يدخل في إطار الملكية المشتركة .. وهو ما يعني أن المشروع السياحي أصبح خارج نطاق تطبيق القانون رقم 61/00 الذي هو بمثابة النظام الأساسي للمؤسسات السياحية وكيفية تدبيرها. وهنا يطرح السؤال: هل هذه الإقامة يسري عليها نظام الإقامات العقارية للإنعاش السياحي؟ أحلنا هذا السؤال على أحد المهتمين بالموضوع فأجاب: “إن هذه الإقامة لا يسري عليها مضامين القانون رقم 01/07 الذي يقضي بسن إجراءات خاصة تتعلق بالإقامات العقارية للإنعاش السياحي، لسبب بسيط أن المنطقة السياحية فونتي لاتدخل في إطار المناطق المعنية، والتي يشملها نظام (الريب) المنصوص عليه في القانون السالف الذكر”.

وهذه الإجابة تصعب من مأمورية إيجاد نص قانوني يطبق على الإقامات السياحية التي يسري عليها نظام الملكية المشتركة. ورغم أن بعض الأطراف المعنية بهذا الموضوع امتنعت عن توضيح ذلك. فإن هذه الوضعية تطرح عدة أسئلة من قبيل كيف يمكن الجمع بين إقامة سياحية ونظام الملكية المشتركة؟ وكيف تمكن مالك شركة باسيفيك أوطيل من استصدار تراخيص لذلك؟ وكيف يمكن تفسير صمت الجهات المسؤولة عن هذا الأمر؟ هذه الأسئلة وغيرها هي ما سوف نبحث لها عن إجابات انطلاقا من وثائق إدارية رسمية وتعاليق مختصين.

وقائع القضية: حقائق وتناقضات

تعود فصول هذه القضية إلى سنة 2001 تاريخ توقيع عقد بيع بين شركة صونابا سابقا ولاسميت حاليا قطعة أرضية الكائنة بالقطاع السياحي لتجزئة فونتي رقم C3 موضوع الصك العقاري عدد 89742/09 وذلك من أجل إنجاز إقامة فندقية تخضع لضوابط التصنيف المعتمدة في الميدان السياحي ولدفتر التحملات التقني. وهكذا تم استصدار رخص البناء من مصالح التعمير بالجماعة الحضرية لأكادير، وتم كذلك إدخال آخر التغييرات على هذه التصاميم في سنة 2003 حسب رخصة البناء المسلمة من طرف بلدية اكادير عدد 143/03/3.

وحسب محتويات الصك العقاري الخاصة بالإقامة السياحية المملوكة لشركة باسيفيك أوطيل المسجل بمصالح المحافظة العقارية لأكادير يتضح أن ما تم إنجازه هو عبارة عن إقامة عقارية مقسمة إلى شقق خاضعة لنظام الملكية المشتركة، خصص لكل منها صك عقاري مستقل فيما تم تقييد الأجزاء المشتركة في اسم اتحاد الملاك. وأن الصك العقاري الأم تم تقسيمه إلى 54 صكا منفردا، رغم أن دفتر التحملات الخاص بمنطقة فونتي يؤكد أن هذه القطعة الأرضية مساحتها 1932 متر مربع بقدرة استقبال في حدود 26 وحدة مابين الغرف والشقق. وباتصال مع أحد أطر المحافظة العقارية لأكادير علق على هذه النازلة بالقول “إن القفز على منطوق كناش التحملات الخاصة بالمنطقة السياحية، واعتماد قسمة لا تتلاءم مع ما تم التنصيص عليه في عقد البيع، يضع مصالح المحافظة العقارية بمدينة أكادير أمام المساءلة القضائية.

وأضاف أن عمل المحافظة يتطلب التقيد بنظام التحفيظ العقاري”. فعلى من تقع المسؤولية إذن في تغيير ملامح هذا المشروع السياحي؟ هل نحن أمام تواطؤ وتحايل مكشوف باسم الاستثمار؟ وكيف ساهمت مصالح بلدية أكادير والوكالة الحضرية في تسهيل مأمورية طمس معالم مشروع سياحي؟. ومن جهة أخرى، وحسب وثائق رسمية دائما خاصة بالصك العقاري المتعلق  بشركة باسيفيك أوطيل، فإن مالك الشركة الإسباني انطونيو فيرنونديز قد استطاع تفويت وبيع 23 شقة من أصل 56 شقة المتضمنة بالمشروع. وحسب عقد البيع المبرمة مع أحد الفرنسيين فإن شقة مساحتها230 متر مربع تم بيعها بمبلغ 2112000,00 درهما. وبعملية حسابية بسيطة تظهر المبالغ المالية الكبيرة التي جنىاها هذا المستثمر باللجوء إلى أساليب احتيالية متطورة.

معطى آخر يفسر الوضع الغير سوي الذي تعرفه هذه الإقامة السياحية حسب أحد الموثقين بمدينة أكادير فضل عدم ذكر اسمه، “أن الموثقة التي اشرفت على تحرير أغلب عقود البيع لصالح هذا المستثمر الإسباني لم تحترم القوانين المنظمة للمهنة لأنها حررت مضامين عقود البيع في إطار الملكية المشتركة رغم أن الأمر عكس ذلك”، وأضاف أن “الموثق له سلطة أخلاقية في الحفاظ على حقوق المتعاقدين، وهذه النازلة ساهمت الموثقة التي حررت العقود في ضياع حقوق المشترين، واعطت فرصة سانحة للمستثمر الإسباني للتحايل والنصب على الغير”.

وهذا التصريح يضع الموثقة أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية وأنها ساهمت في تغيير ملامح المشروع، لأنها ادخلت البيوعات في إطار الملكية المشتركة، وأن إخفاء وضع العقار على المشتري يظهر من خلال أحد بنود عقد البيع المؤرخ بتاريخ 19 ماي 2010 بين صاحب المشروع وأحد الفرنسيين المتمثل في قراءة بنوذ العقد على المتعاقدين واقتصرت فيه على ذكر الواجبات الجبائية وحقوق التسجيل دون التنصيص على معيقات إتمام البيع الذي يظل معلقا الى حين تسليم شهادة إبراء الذمة للمستثمر من طرف الشركة المغربية للهندسة السياحية لاسميت.

لاسميت والمستثمر اتهامات متبادلة: حكم قضائي بنزع ملكية البقعة الأرضية

فحسب وثائق القضية عدد 1595/5/2010 فإن الشركة الوطنية للهندسة السياحية رفعت دعوى قضائية بالمحكمة التجارية بأكادير تطلب فيها المحكمة باستصدار حكم قضائي يقضي باسترداد البقعة الأرضية والبنايات المشيد عليها المملوكة لشركة باسيفيك أوطيل معللة دفوعاتها بأن صاحب المشروع موضوع الدعوى قد تحايل على القانون وشيد عليها إقامة عقارية خاضعة للملكية المشتركة، وأن هذا الأخير لم يتقيد بعقد البيع المبرم بينهما وكذا  كناش التحملات الخاص بمنطقة فونتي والقوانين المنظمة للإقامات السياحية، وأيضا مخالفة قانون التعمير خاصة استنادا للفصل 58 والمتعلق بعدم جواز تغيير الغرض المخصص له كل مبنى.

والدعوى تطالب باسترداد وإعادة تملك الصك العقاري الخاص بالقطعة الأرضية الكائنة بمنطقة فونتي. فهل شركة لاسميت محقة في طلبها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف استطاع المستثمر التحايل على القانون، واستصدار عدة تراخيص من إدارات متعددة؟ ولصعوبة إيجاد تفسير ووصف منطقي لما قام به هذا المستثمر الإسباني، نعتمد على ردود محاميه على فصول ومذكرات الدعوى. حيث أشار محاميه في مذكرة في الموضوع ان المشكية لاسميت غير معنية بالدعوى وان النزاع لايجب أن يعرض على المحكمة التجارية في محاولة لإسقاط الدعوى شكلا. وفي تتبع لشريط الدعوى يتبين أيضا أن صاحب المشروع يقر بإنشاء إقامة عقارية سياحية وهذه تسمية لاوجود لها قانونا مما يعني ان التحايل كان ممنهجا، وبل أن أحد دفوعات محامي الإسباني أشارت إلى أن  هذا الأخير لجأ الى هذا تغيير معالم الإقامة السياحية لتلبية طلبات السياح الأجانب.

وهذه المعطيات تحيل الى قواعد الإستثمار بالمغرب أصبحت تغير حسب أطماع بعض المستثمرين، وليس النقيد بالقوانين المعمول بها في مجال توفير مناخ الإستثمار الجيد. والملفت للإنتباه في آوراق الدعوى أن الإستثمار تتحجج بقانونية ما قام به، رغم مخالفته للقانون، الى استصدار وثائق وتراخيص من عدة إدارات، وتأشيرها الإيجابي على جميع الوثائق الخاصة بالمشروع.
وفي هذا المنوال صرح أحد المحامين “أنه لا يمكن التدرع بالحصول على التراخيص لمخالفة القانون، ولكن مسؤولية كل من جماعة أكادير والوكالة الحضرية بها والمحافظة العقارية قائمة” وأضاف ” ان الرشوة والمحسوبية التي تعرفها هذه المرافق ساهمت في استفحال ظواهر شاذة تمس بالإستثمار”.

وقد شهدت قاعات الجلسات بالمحكمة التجارية بأكادير فصول هذه القضية تشبت شركة لاسميت بضرورة تطبيق الشرط الفاسخ المدون في عقد بيع البقعة الأرضية واسترجاع القطعة الأرضية المبيعة حسب منطوق التعاقد بين الطرفين يتضح أن القطعة الأرضية موضوع النزاع مرصودة لقطاع الفندقة بقدرة استقبال في حدود 26 وحدة، وحسب اعترف به المستثمر في تصريحاته المباشرة للنيابة العامة في ذا المحكمة يقر بتقسيم البناية المشيدة إلى شقق وأفرد لكل منها صكا عقاريا منفردا في حدود 56 صكا.

وتم تطبيق نظام الملكية المشتركة على العقار، وهذا التصرف يخرج العقار المذكور عن التخصيص المتفق عليه.

وفي تعليق على هذا الاستنتاج صرح أحد المحامين “أن خلاصات القضية معروفة مسبقا، بحيث ان وضعية العقار تخرج عن ما هو منصوص في القانون رقم 00/61  بمثابة النظام الأساسي للمؤسسات السياحية” وأشار أن المادة الثانية تنص صراحة بأن “مؤسسة الإيواء ذات الطابع السياحي تؤجر وحدات سكنية مؤثثة ومجهزة .. ويجب أن تخضع الإقامة السياحية لتسيير مشترك”، وأضاف ذات المصدر أن تطبيق نظام الملكية المشتركة يسمح بنقل الملكية لعدة أشخاص مما يتنافى مع ما هو منصوص عليه في القانون المذكور.

وهذا ما ذهبت إليه المحكمة التجارية لأكادير في حكمها عدد 631 بتاريخ 15 مارس 2012 حيث قضت بفسخ عقد البيع المبرم بين الطرفين سنة 2001 وباسترداد الشركة المغربية للهندسة السياحية حيازة القطعة الأرضية السياحية رقم C3 الكائنة بمنطقة فونتي بأكادير موضوع الصك العقاري عدد 89742/09 والحكم بإفراغ المدعى عليها ومن يقوم مقامها وأمر المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بأكادير بالتشطيب على العقد من سجلات المحافظة مع ما يترتب عن ذلك قانونا من التشطيب على الرسوم العقارية الفرعية المستخرجة من الرسم العقاري الأم.

ومن آثار هذا الحكم هو الغاء جميع البيوعات التي قام بها مستثمر الإسباني مع الغير المقدرة ب 25 بيعا، وأشار أحد المحامين أن حقوق مقتنيي الشقق بهذه الإقامة سوف تضع نظرا لأن أغلب العقود لم تصرح في الثمن الحقيقي للشقق، وأضاف أن “لونوار مثل نسبة تتراوح بين 40% من الثمن المصرح به” وهذه الوضعية سوف تعقد تطبيق الحكم والحفاظ على حقوق الغير اتجاه هذا الإسباني مالك شركة باسيفيك أوطيل.

ومن هذه التعقيدات أن الحكم المذكور صدر منذ شهر مارس 2012 لم تستطع الجهات المختصة تبليغ نص الحكم الى المعني بالأمر لأسباب تتعلق بعدم التوفر على عنوان المدعى عليه في هذه القضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *