خارج الحدود

رمضان في دلهي القديمة .. روحانية وعراقة بنكهات هندية

تحد الأمطار الغزيرة التي تتهاطل على المدينة القديمة في دلهي الهندية من غلواء الحرارة الرطبة زوال هذا اليوم من يوليوز، ويبلغ فصل الرياح الموسمية التي تهب على المنطقة ذروته في هذا النطاق التاريخي من العاصمة الهندية، لكن لا شيء بمقدوره عرقلة النشاط الدؤوب والاكتظاظ الذي يطبع سمعة هذا الحي التاريخي والتجاري، التي لا تضاهى.

 

وفي هذه الفترة من السنة، تتواصل، حتى وقت متأخر من الليل، الحركة كدأبها بهذه المدينة، التي كانت في ما مضى عاصمة للإمبراطورية المغولية.

 

وتعيش هذه المدينة على ايقاع شهر رمضان الفضيل، أو (رمزان) كما يتم نطقه بلغة الاوردو. واتخذ المغول على عهد شاه جاهان (1582-1666) الإمبراطور الخامس الذي تربع على دفة قيادة هذه الإمبراطورية، من هذه المدينة عاصمة لهم لغاية 1857 قبل أن تبني القوة الكولونيالية البريطانية مدينة حديثة بالجنوب باسم نيوديلهي (ديلهي الجديدة).

 

وتشكل المعلمة التاريخية بقلب دلهي القديمة المسجد الكبير المسمى “المسجد الجامع” الذي شيد على يد شاه جهان غير بعيد عن مقر إقامته (لال قلعة) منارة إسلامية بهذا العملاق الآسيوي حيث يشكل المسلمون حاليا حوالي 14 في المئة من أصل 1,2 مليار نسمة أغلبيتهم هندوس.

 

وعلى امتداد هذا الشهر الفضيل، يطغى جو احتفالي، تطبعه الرحمة والتأمل، بهذه المدينة كما في باقي مناطق هذه البلاد وهذه الحضارة الألفية الغنية بتعدديتها الثقافية والاثنية.

 

وبرأي المواطن أمجد فإنه يتم قضاء هذا الشهر الكريم في ظل نفس الأجواء الروحانية بمختلف مناطق البلاد التي تضم 140 مليون فرد مسلم.

 

ومن بهار شمالا إلى كرالا جنوب البلاد ولكناو ومومباي، القلب الاقتصادي للهند، يعد رمضان شهرا روحانيا تطبعه أجواء احتفالية تبلغ أوجها في عيد الفطر كما يقول هذا الشاب الحاصل عل الإجازة في التاريخ من جامعة (الجامعة الملية الإسلامية).

 

وفي دلهي القديمة، التي لا تبعد سوى بنصف ساعة بعربة الريكشو ذات العجلات الثلاثة والتي تسمح بتفادي الازدحام التي تعرفه حركة السير، يمكن للزائر أن ينتقل من جنوب المدينة التي تضم 18 مليون فرد والأكثر حداثة ليلقي بنفسه في عالم آخر تطبعه بصمات التاريخ والثقافة وفن العمارة الاسلامية.

 

وفضلا عن المسجد الجامع ولال قلعة، تجتذب البازارات آلاف الزائرين الهنود والأجانب. وتتميز بأزقتها الصاخبة والمكتظة، والمنازل العتيقة المصممة وفق هندسة معمارية قديمة، والمحال التجارية التي تزخر بكل أنواع المواد والمنتجات، والبهارات والفواكه والخضر والملابس والمجوهرات، ناهيك عن المطبخ الهندي الذي يشكل عماد السمعة الدولية لفن الطبخ الهندي الغني والمتنوع.

 

وتعيد الألوان والأصوات والروائح إلى الذاكرة، وإن بحدة أقل، صورة المدن العتيقة بالمغرب والمشرق العربيين.

 

وتشهد شاندني شوك، الشريان الرئيسي للمدينة القديمة، اكتظاظا كثيفا، وبالنسبة للعديد من المسلمين الهنود والأجانب فإن هذه المنطقة من العاصمة تشكل بشكل طبيعي مكانا شعبيا في هذا الشهر الفضيل يحج اليه الناس للتبضع والاستمتاع بأجواء روحانية خلال رمضان الأبرك.

 

بدوره يستقطب (الجامع المسجد)، الذي بمقدوره استقبال 25 الف شخص، حشودا كبيرة من المؤمنين طيلة رمضان بالخصوص بعد الإفطار وخلال صلاة التراويح.

 

وكعلامة على التضامن والرحمة، يقدم المسجد وجبات إفطار بساحته الخارجية الواسعة التي سرعان ما تتحول الى مصلى في ظل أجواء سمتها الغالبة هي الخشوع والتقوى.

 

وتفضل أسر بكاملها، كما الشأن بالنسبة لنجيب إرفي المدرس المقيم بكوركون،إحدى المدن الواقعة بضواحي نيوديلهي، وزوجته وولديه، أن تحج الى الجامع المسجد للإفطار وأداء الصلوات.

 

ويقول هذا الأربعيني الملتحي والذي يرتدي قرطقا من الصوف الابيض إن رمضان شهر للتراحم والبركة ، قبل ان يضيف أن “واجبنا هو تعليم الأطفال القيم التي ترمز الى هذا الركن من أركان الاسلام” فيما يومئ لإبنه الأكبر أن يقدم صحنا من السنبوسة الى زوار آخرين يبدو أنهم معوزون.

 

وبعد أداء الصلوات، تستعيد الحياة كامل نشاطها بالشوارع ويتجول المارة بجانب المحال التجارية مستغلين اعتدال درجة الحرارة بينما يفضل آخرون احتساء أكواب الشاي الهندي أو تناول بعض المأكولات المحلية.

 

وتتواصل هذه الأجواء الإحتفالية خلال الأمسيات الرمضانية أحيانا حتى وقت السحور، وأكثر من أي وقت آخر من السنة، يجدر بمنطقة شاندني شوك، القلب النابض لدلهي القديمة، أن يكون مرتكز سمعتها الأسطورية باعتبارها ملتقى تبدد ظلماته أضواء القمر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *